عبير إسبر: أكتب بأقصى ما أستطيع من صدق فني وإخلاص

لم لا نكتب ونترك الفرز والغربلة للقراء

24/كانون الأول/2008


استطاعت أن تحجز لها مكاناً على الساحة الثقافية منذ نيلها جائزة حنا مينه عن روايتها الأولى «لولو» عام 2003، والتي تبعها عملان روائيان أيضاً هما «منازل الغياب» و«قصقص ورق»، الفتاة القادمة من العمل في السينما استطاعت إثبات نفسها في الأدب.

الروائية السورية عبير إسبر في رصيدها ثلاث روايات إلى الآن، وعملت كمخرجة مساعدة مع يسري نصر الله في فلم «باب الشمس»، وسمير ذكرى في «علاقات عامة»، وريمون بطرس في «حسيبة»، لديها مجموعة أفلام قصيرة منها «تك تك»، و«خصب»، و«عبق المغادر»، وسيناريو مسلسل تفلزيوني بعنوان «حسابات معلقة» لم يُنتج بعد، عن هذه التجربة الكثيفة والسريعة نوعاً ما، بالنسبة للمراقب من بعيد طبعاً كان الحديث:

نضوج الحالة الإبداعية

مررت بمراحل عديدة، مهمة،كثيفة حتى وصلت إلى الكتابة، لو عدنا إلى البدايات حتى اليوم كيف تقرئين هذه المسافة من الزمن؟
البدايات، كلمةٌ تحمل دلالات معيقة، وخاصة لشخص مثلي يعتبر نفسه في حالة بحث دائم، وحقيقة ودون مبالغات مخادعة، أنا فعلاً لا زلت في بداية بدايات البحث، ليس فقط بالمعنى المادي كعدد السنين والوقت الممنوح للدراسات الأكاديمية، وحتى الجهد الفردي، بل أيضاً البحث بالمعنى الأعمق والأشمل، أي بالمعنى الفكري، والفلسفي، وتوسيع مساحة الوجدان، الذي يجب أن يتقصى بدقة عن معاني الأشياء.

هناك ما أوافقك عليه، وهو فكرة المسافة، وما تحمله من دلالة حراك، ومسير، أي عدم المرواحة، وهذا بالضبط ما أعتقد أنه سمة لما أفعل. أتحرك كثيراً، ولا يمكن أن أصل إلى مكان آمن لأستقر، أو أشبع فضولي، أو أوقف دهشتي، في تتبع مسارات الحياة، والفنون والمسرح، والموسيقى، والسينما، والسفر، ومدن وعمارة، وكل ما يخص العيش ونبضه، أظل في حالة من إعادة إنتاج الأشياء، وأتطرف أحياناً في الفوضى والشراهة للدنيا، مع المحافظة قدر الإمكان على مسافة من التأمل والهدوء الشخصيين، ومتابعة الأفكار إلى منابعها المعرفية، والبقاء بإصرار، إن استطعت خارج الحسابات الصغيرة، والحروب الصغيرة، والمواقف الصغيرة. أتمنى أن أكون قد نجحت قليلاً

أين تبحثين عن الزمان والمكان والشخصيات الملائمة لنسج الحكاية التي تدور في بالك؟
سؤال صعب جداً، ومرهق، كمن يسأل عن مكان وزمان الإبداع، هذا إن افترضنا أنّ ما أقوم به هو إبداع، بكل الأحوال جوابي ببساطة: لا أدري، ولا أبحث بالمعنى القصدي والواعي المعطل للمخيلة.

أنا أتحرك وفي الطريق توقفني الفكرة بالقوة، وعندها فقط أعرف أنّ ما يدور في ذهني الآن هو مشروعي القادم، أحس به، بنضوجه فيّ، باكتماله، بحياته في داخلي إن شئت، ثم أبدأ. طبعاً لدي اختبارات متانة تجاه الفكرة إن كانت رواية، أو فيلماً قصيراً، أو حتى مادة صحفية، والاختبار الأصعب هو زمني، أي أني اترك ما يدور في رأسي هناك طويلاً، ولأطول فترة ممكنة، فإن لازلت مهتمة به بعد مرور ما يكفي من الوقت، أبدأ بالعمل عليه، وبنائه، وهكذا. لكني في الغالب أبدأ من صورة تلمع في مخيلتي، إلتماعة تكون في الأغلب صُورية.


إلى أي مدى يمكن أن تتركي لشخصياتك فرصة النمو والنضوج بحرية دون أن تكون هذه الشخصيات لسان حال كاتبتها؟ وهل تخرج هذه الشخصيات في لحظة إبداع من يدك لتكبر وحدها؟
سأرد دون مبالغة وتطرف كتّاب. اترك شخصياتي على هواها، ارسمها رسما مبدئياً، أحدد زمنها، مرجعيتها الفكرية، والهدف منها ومن وجودها عمرها، وشبكة علاقاتها، ومكان تحركها، ومن ثمة، تهجرني هي، لأنها ببساطة تعيش بمعزل عني. نعم تعيش الشخصيات حياتها بمعزل عن رغبتي، تختار لغتها، وشكلها، حتى ألوان ملابسها، وتفلت، لتعيش حياتها. حصل هذا مراراً، وما زال يحصل.

حصل في «لولو» مع شخصية خالد، الذي كنت قد قررت له مصيراً مختلفاً، لكنه تمرد على رغباتي، ومخيلتي، واختار ما يلائمه، وحصل كذلك مع شخصية أخته حسْنا، التي قفزت من الهامش إلى قلب الحدث، وحرّكت وقدمت حلولاً، وكذلك شخصية الصغير سامي في منازل الغياب، حيث اختار طبائع شخصيته بطريقة فاجأت مخيلتي، وفي روايتي الأخيرة «قصقص ورق»، تفاجأت بالمسار الذي مشت فيه «عهد داغر» والمسار الذي اتخذه نظام عيسى، شخصية أخرى في الرواية، على الرغم من جنون ولا منطقية ما أقول فهذا ما يحصل معي عادة.

هل الإبداع رفاهية

نلت جائزة حنا مينه وهي أرفع جائزة أدبية في سورية عن روايتك «لولو»، ما هو مصير هذه الرواية اليوم خاصة وأنها لم تر الشمس حتى الآن؟
رأت الشمس لكنها كانت شمساً غائمة جزئياً، ومحجوبة بغيوم عملاقة، حسناً، «لولو» نفذت نسخها من السوق، ولم تقرأ، ولم توزع بالشكل الكافي للقراء، أو معارض الكتاب، لكنها غطيت مؤخراً بعد صدورها بأربع سنوات، من قبل النقاد والروائيين بالشكل اللائق، واحُتفي بها بما يرضيني تماماً. الآن أعيد طباعتها عن دار التكوين، وستكون في المكتبات الآن مع بداية شهر كانون الثاني 2009.

من جانب آخر ترجمت «لولو» إلى الألمانية، كيف ترين هذه الخطوة؟، وهل تعولين عليها في الانتشار؟
لا أبني قصوراً في الهواء. الكتّاب عندنا، في بلداننا، ليس لديهم فرص كثيرة ليساوموا، أو يختاروا. الترجمة هي تجربة كمن يرمي شبكة في البحر، لا قراء في بلداننا، إذا لنحلم بهم في بلدان أخرى، لم لا؟. خطوة إيجابية جداً.

روايتك الثانية «منازل الغياب» لم تر النور أيضاً، هل تشعرين أن هناك من قرر أن تكوني روائية مع وقف التنفيذ؟
لا أبداً، أنا أمارس روائيتي كما يجب، ومحتفى بي بشكل مرضي وبإخلاص، ولست مع النظريات المهّولة لحقائق الأمور. ما جرى ببساطة هو أن «منازل الغياب» حصلت على جائزة الرواية الأولى في دمشق عاصمة الثقافة العربية، وتأخرت طباعتها فقط لا غير!، و يجب أن تكون في المكتبات قبل نهاية 2008، والتأخير هو شيء روتيني بحت، حصل بسبب ضغط ما يطلب من الاحتفالية، من مطبوعات ذات عدد هائل، تأخير حصل، دون أي تعمد من أي طرف.

هل تعتقدين أنّ المهن الإبداعية وجدت لها موطئ قدم في مجتمعنا؟
طبعاً لا، لكن هذا الجواب يجب أن يوضع في إطاره، لنبحث عن السبب. نحن بلدان لازالت لقمة العيش فيها، لا تحصّل بسهولة واسترخاء، البطالة موجودة، وحتى أصحاب العمل دخلهم محدود جداً، ما زلنا بسبب الحالة الاقتصادية ننظر إلى كثير من الضروريات باعتبارها رفاهية، وترف، كاقتناء منزل، أو سيارة، أو ممارسة الرياضة في أنديتها، أو السياحة.

ما بالك إذاً بشراء الكتاب، أو حضور السينما، أو المسرح، أو تعلم الموسيقى، وحتى قراءة الصحف. فكل شيء فكري وليس عضلي ينظر له بخفة باعتباره رفاهية، التعب لدينا يقاس دوما بما تبذله من جهد عضلي.

إذاً الاقتصاد واحد من مفاتيح الأزمة، ففائض الرفاهية يجعلك تبحث عن ما هو أبعد من الأكل والشرب، والملبس، أي الضروريات إن تحققت، الرفاهية، تحرر مخيلتك وتحثك على البحث عن معان مختلفة في الحياة، عن هوايات مثلاً، لتنتقل تلك الهويات لتصبح طبيعة حياة، وضرورة ملزمة لتحقيق نوعية عالية من العيش، وهذا ما نفتقد له بالعموم. هناك طبعاً عشاق للفن، لكنهم ليسوا جمهوراً مرضي العدد، ولا حالة تعمم.

النقد والمعايير الجمالية

بين المعايير الجمالية التي تحكم النص ومعايير الضبط أو المحرمات التي قد تحكم بعض الكتاب، هل تعملين على خلق توازن بين الاثنين؟
لا أفكر بكل هذا. أكتب بأقصى ما أستطيع من صدق فني وإخلاص للحكاية، لا أترك نفسي تكبح بأي إعاقة فكرية، او سياسية، أو أخلاقية بالمعنى المباشر، لدي حكاية يجب ترجمتها، أكتبها كاملة وأترك للآخرين تقيماتهم، فلست معنية بالرقابة مطلقاً ولا أؤمن بها، ولا بجدوى فاعليتها المنسربة دائما من أيدي الرقباء، اترك حسي يقودني تماماً دون كوابح وأعلم أنّ هناك محكمة، هي محكمة النقاد والقرّاء المهتمين، وسأحاسب كما ينبغي بفاعلية أكبر من فاعلية ما يسمى رقابة.

بمكان آخر هل استطاعت الرواية العربية أن تحجز هويتها وتبلور أسلوبها وتجربتها الخاصة، خاصة وأن البعض إلى الآن لا زال يراها فن وافد نشأ وتبلور في الغرب؟
تلك أسئلة لا تقلقني. فن وافد أو غيره. لست مهتمة إطلاقاً بتلك الإحالات، سؤالي الأساسي ينحصر بما يلي: هل هناك أصالة في ما ينتج!، هل الرواية التي تكتب الآن في العالم العربي هي منتج فني ناضح!، وممتع، وحقيقي، ومنتم؟؟

والرواية الآن، هل تنشأ من مجتمعها ومكانها جغرافياً، وفلسفياً، وحضارياً، وتُعبّر عن حاضرها وطزاجة لحظتها؟. تلك هي الأسئلة المهمة، وما بقى من هواجس لدى النقاد تترك لهم.

صدرت في سورية عدة روايات الفترة الماضية، هل تعتقدين أنّ هناك حُمّى روائية تشهدها سورية، وبالتالي ألا يؤثر هذا على نوع النص المطروح في ظل زحمة الإنتاج؟، من جهة أخرى هل يوجد حمى قراءة؟
حمى روائية!، تعبيرٌ صحفي نوعاً ما ومبالغ به، لكني أتمنى ذلك. أتمنى زيادة في كل أنواع الفنون، أتمنى أن يحصل حراك حقيقي منتج، وبخصوص التأثير على نوع النص المطروح، يبدو تساؤلاً مستهجناً، لكثرة النصوص الروائية المنتجة في سورية، وجوابي لم لأ، لم لا نكتب ونكتب ونكتب؟؟ ونترك الفرز والغربلة للقراء.

صحيح أنّ حالة القراءة في بلداننا محبطة وتدعو للخجل حقيقة، لكني أعتقد هكذا بحدس غير مدرك ولا معرّف، أننا في حال أفضل من العشرة سنوات الماضية، فيما يخص وضع القراءة وعدد القراء.

في معرض الكتاب الأخير سحبت بعض الروايات لكتاب سوريين بعد الموافقة عليها، ماذا تقولين إزاء الموضوع؟
هذا من حسن حظهم. بهذه الطريقة الروايات ستقرأ وتتابع بشكل أكبر وباهتمام أعلى.

كيف تنظرين بمكان آخر إلى حركة النقد للرواية اليوم في سورية؟ وبرأيك ألا يحتاج النقد لمساحة حرية حتى يثمر؟
سأرد رداً متطرفاً واعلم أنه كذلك، لكنه ردٌّ يأتي من حالة ضيق وإحباط شديدين. ليس لدينا نقد روائي ولا نقاداً إلا فيما ندر، اسمان أو ثلاثة ولا يشكلون ما يسمى حركة نقد، وللأسف ليس لدينا إلا بضعة متابعات صحفية سريعة واعتباطية إلى حد كبير، عروض شارحة للحكاية الروائية، ما حصل وما لم يحصل أعجبني ولم يعجبني، ثم تقيم متحفي مكرر، وجمل محفوظة، مأخوذة في الغالب من ترجمات في أغلبها منحولة وعديمة القيمة، مترجمة بشكل سيء من كتب نقدية أوربية، وذات إصدارات قديمة سبعينية تُطبق بشكل مدرسي على ما ينتج من أدب عربي الآن وتحشر بها الرواية حشراً، والمفاجئ أنّ من يكتب حالياً بدقة عن الرواية هم الروائيون أنفسهم، يتابعون أعمال زملائهم ويكتبون باحتراف ودراية أكبر وجهد أعلى واهتمام أصدق، مِن مَن يُسمون أنفسهم نُقاداً مكرسيين، وقد أعلنت عن خيبتي علناً من حركة النقد في غالبيته، في مؤتمر الرواية العربية السابق في دمشق.

سينما سينما

شهدت الساحة السينمائية السورية بعض الحراك في الفترة الماضية، هل تأملين الخير منه وأنت صاحبة عدة تجارب في السينما؟ وهل لديك مشروع محدد في هذا المجال؟
أنا عملت مساعدة في السينما، ولدي أفلام قصيرة، تجربتي ليست ناضجة ولا مكتملة ولا تحسب، لكني بكل الأحوال سأؤجل الحديث في السينما السورية وعنها لكتاب قد أصدره إن لا زلت مهتمة به. لا أدري إن كنت سأفعل ومشروعي بتحقيق فيلم روائي طويل لن أتحدث عنه حتى أنفذه، وبخصوص السينما السورية وأدائها، أرجوك تابع مهرجانات السينما أبو ظبي والقاهرة، لترى واقع أفلامنا المتردي هناك، حتى هنا في البلد، ففي مهرجان دمشق السينمائي لم يتم التنويه للأفلام السورية المشاركة وتم تجاهلها، حتى لا تنتقد بحدة، للأسف الوضع في تراجع مخيف، على كل أنا كتبت مؤخراً مادة صحفية عن خيبتي من التعامل مع المكان السوري الأول، وخاصة دمشق وهزيمة السينمائيين إمام المكان، أعني دمشق.

هل تفكرين بتحويل إحدى رواياتك إلى فيلم سينما إذا سنحت الفرصة؟
أنا لا. لا أفكر بذلك أبداً، ما قلته قد قلته على الورق ويكفي. أفضل العمل سينمائياً على رواية لكاتب غيري وسيناريو كتبه غيري، وذلك لإثراء المخيلة.



عمر الأسعد


اكتشف سورية


تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

عبير اسبر :

عبير اسبر ما قصتك .. مع الــ عمر ات ...
تركيا

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر