غاليري اكتشف سورية

من دمشق إلى باريس

مصطفى علي يحمل معه روح الشرق

من سورية، التي احتفت بالفن منذ القِدم، إلى عاصمة الفنّ اليوم فرنسا، حيث تتلاقى الحضارات وتُفتح نوافذ جديدة على العالم. ثلاثة أشهرٍ من العمل المتواصل تحولت بعدها فكرةٌ في المخيلة إلى حقيقةٍ على أرض الواقع. تحولت فعلاً وليس مجازاً إلى أرضيةٍ تتوضع على سطح معهد العالم العربي في باريس، احتفاءً بالذكرى العشرين لتأسيسه.

فبعد مشاركة 37 فناناً من مختلف أنحاء العالم العربي في المسابقة التي أعلن عنها معهد العالم العربي في باريس، لصنع مجسم فني يُصار إلى وضعه على أرضية سطحه، وبعد اختيار خمسة أعمالٍ للتنافس على المركز الأول، فاز النحات السوري مصطفى علي بالجائزة الأولى، وتقرر تنفيذ عمله في دمشق ليصار إلى نقله إلى باريس.

مصطفى علي ومنحوته لمعهد العالم العربي بباريسوهذا المجسم إذا أردنا وصفه، هو عبارةٌ عن عمل نصبيّ، ذو امتدادٍ أفقيّ مساحته 36 مترا مربعاً، يضمُّ عناصر زخرفيةٍ مستوحاة من التاريخ العربي، كالدائرة، والمثلث، والمربع، وقد تمَّ جمعها بأسلوبٍ خاص فيه كثير من الإشارات والرموز التي تُلخص معنى فلسفة الحياة. ولقد قامت الفكرة على التشغيل بتحويرات هندسية ونباتية مستوحاة من الفن العربي الإسلامي، بحيث تُعبِّر عن الفكر المستند إلى ارثنا الفني بالزخارف، التي ترتكز على المطلق والتكرار المقبول، من خلال وحداتٍ هندسية ونباتية متنوعة وغير نظامية توحي بالامتداد والشمول. وعدم المطابقة في الأشكال، هنا تأتي من فكرة الاحتمالات اللانهائية ومن خلال تحريك الذهن المشبَّع بالرموز والإشارات الموحية. ونلاحظ أن جزءاً من الرموز التي استخدمها الفنان تشير إلى الزراعة، والخصوبة، والبعد الثقافي، والتواصل الحضاري بين الشعوب، وهي الصورة المعروفة عن تاريخ المنطقة وسورية القديمة.

تبلغ مساحة هذا المجسم 36 متراً مربعاً وهو من الحديد «الفونط» المصبوب، تمَّ صَهرُه وتحويله إلى شكلٍ فني. هذا العمل سيشاهده معظم زوار المعهد في باريس والبالغ عددهم قرابة المليون زائر كل عام.

ويقول مصطفى علي: «إن معهد العالم العربي تحمّل تكلفة إنشاء العمل الفني كاملة، حيث تقدر التكلفة بنحو 60 ألف يورو، وسيتم نقله إلى باريس، لوضعه على أرضية سطح المعهد في احتفالٍ خاص به هناك».

احتفال الوداع
وفي دمشق أقيم يوم الأربعاء المصادف 18 حزيران احتفالٌ رمزي لوداع هذا العمل الفني، الذي قد لا يحظى الكثيرون بفرصة رؤيته على سطح مبنى معهد العالم العربي في باريس، حيث اجتمع عددٌ كبير من الأصدقاء والفنانين والمهتمين بالفن والنقاد في محترف مصطفى علي في دمشق القديمة، لمشاهدة هذا الإنجاز المتميز ليس فقط بفكرته وتقنيته بل بالمعنى الكبير الذي يحمله. فليس فوز الفنان السوري وحده هو الحدث المهم، بل هو التواصل بين الحضارات، وانتقال الأعمال الفنية العربية وتبنيها من قبل الأوروبيين اليوم كما فعلوا منذ القدم، وهذا ما أكَّد عليه الأستاذ حسان عباس في كلمته القصيرة والمعبرة التي استطاع من خلالها وضع النقاط على الحروف حيث قال: «لقد تم نقل الأبجدية الأوغاريتية إلى أوروبا، تلك الإشارات والرموز التي تحولت إلى لغة، وكان هذا الحدث بمنزلة النافذة الأولى التي فتحها الفينيقيون على شواطئ المتوسط ومنها على العالم أجمع». ‏ مضيفاً «لعلها تكون بشارة خير لحضارة جديدة تنتقل مرة ثانية من هنا إلى هناك».

تجربة تشبه الحلم
أما مصطفى علي فيصف تجربته هذه بأنها تشبه الحلم، مضيفاً أنه عندما سمع بالمسابقة الدولية لاختيار مجسم ليوضع على سطح معهد العالم العربي في باريس، جلس في أحد المقاهي وأخذ من على الطاولة إحدى المحارم الخشنة التي توضع عادة، ثم طواها 36 طوية ثم فتحتها وكما يفتح الساحر جعبته أخرج كل المخزون الموجود في داخله، وكان مازال طازجاً فانغرس على هذه المحرمة. وتحولت هذه الفكرة التي تشبه الحلم في درجات حرارة عالية تجاوزت 160 درجة مئوية تحولت إلى مادة قاسية جدا وأخذت هذا الشكل الموجود على الأرض أمامنا.

وننظر إلى الأرض لنرى على مساحة 36م2، لوحةً مترامية مؤلفة من 36 قطعة مساحة كل منها متر مربع واحد، وعلى كل مربعٍ رمز لحكاية، وهي حكايات الأجداد الفينيقيين الذي يصرُّ مصطفى علي على أنهم أجداده الأوائل، وأن ذاكرته قادرة على العبور بالزمن كما عبروا البحار بسفنهم ونقلوا حضارة هذا المكان إلى كل أصقاع الدنيا.

مصطفى علي يحمل معه روح الشرقرسالة كاملة الدلالات ‏
الروائي خالد خليفة وكاتب السيناريو الحاضر دائماً مع الأصدقاء محتفياً بكل عملٍ جميل، والقادر على التعبير عن إعجابه بالجهد وتقديره له فلقد قال: «ليس الأمر مجرد عملٍ نحتي منجز، بل هو رسالةٌ كاملة الدلالات يرسلها مبدعنا السوري مصطفى علي نيابة عن ذاته وعن المبدعين السوريين إلى العالم. ولا تكتمل هذه الدلالة إلا بتبنينا جميعاً لنشر إنجازات المخيلة السورية في كل أنحاء العالم، هذه المخيلة المبدعة التي ظُلمت بإقصائها عبر سنواتٍ طويلة من المشهد العالمي، إننا اليوم باجتماعنا الرمزي هذا لوداع واحد من نتاجات هذه المخيلة المبدعة لأحد مبدعي سورية، نرسل رسالة مفادها أننا شركاء كاملي الحقوق في هذه الحضارة الإنسانية.

ويضيف خالد خليفة: «من لا يعرف مصطفى علي لن يعرف معنى قوة العمل المبدع، كما لن يعرف معنى نقصان الأسئلة التي لن تجد أجوبةً جاهزة، ويكتسب أمر وجود عملٍ مبدع سوري في قلب العالم هنا قوة استثنائية، فنحن لم نعتد على تكريم إنجازات السوريين بل العكس تماما إلى درجة أنني كنت أظن بأن نجاح أي مبدع سوري هو مصيبة قد تودي به إلى التهلكة».
وختم بقوله: «هذه رسالةٌ من النحات مصطفى علي السوري ممثلاً للمخيلة السورية والإبداع السوري الذي لن ينضب، وهذه الرسالة رغم حديدها الثقيل الوزن إلا أنها رسالة مغلفةٌ بالحرير وإلى كل العالم».


الحب هو الرابح دائماً‏
لقمان ديركي الشاعر لم يستطع إلا أن يتوقف عند الحب الذي جمع الحاضرين مؤكداً: «إن أغلب الحاضرين اليوم للمشاركة بهذا الحدث هم ممن يعملون في الفن». مضيفاً: «من معجزات مصطفى علي أن الكل على علاقة حب معه. لقد تعرفت عليه وهو يعمل، واكتشفت أن خيالاته وكل الأفكار المجنونة التي قد تخطر على البال يمكن تطويعها وتحويلها إلى واقع. إن مصطفى علي هو نموذج الفنان الذي فنُّه قائم على الحب. وهذا الفن دائماً يستحق الفوز».

الروح قبل الشكل‏
مصطفى علي الذي ولد في منطقة أوغاريت وعاش فيها عشر سنوات قبل انتقاله مع أسرته إلى اللاذقية، تشبَّع بحضارة هذه المنطقة وسكانها الأوائل الفينيقيين، الذين ركزوا في فنونهم على الجانب الروحي، ولم يهتموا كثيراً بالشكل الخارجي، بل اهتموا بالمعنى الداخلي للمادة. وهذا ما فعله في بداياته دون قصدٍ، وفيما بعدُ أصبح يتابع كل أعمال الفينيقيين على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث كان البحر بالنسبة لهم هو الأرض التي يعتاشون منها ويعيشون عليها.

وكما تجاوزت حضارة الفينيقيين البحار، ووصلت إلى ثقافات العالم وأثرت فيها، عندما توصلوا إلى سرّ الاختزال، الذي يطور الاكتشاف والإبداع، ستبقى سورية اليوم قادرة على تصدير الإبداع والحفاظ على التراث وسيبقى لها دوراً أساسياً في نشر رسالة الفن، والحب، والسلام في كل أصقاع الدنيا.


سمر بغجاتي


تشرين


ضيف اكتشف سورية
ضيف اكتشف سورية
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 



هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر