0
تقع مدينة أفامياApamea ، المدينة الأثرية السورية، في وسط سهل الغاب على بعد 55 كم شمال غربي مدينة حماة، ويقع إلى جوارها حصن قديم حمل اسمها ويعرف اليوم باسم قلعة المضيق.
وقد ورد ذكرها في التواريخ القديمة، فذكرها استرابون باسم "بارنوكا" وبعد معركة إيسوس عام 333 ق.م سميت باسم "بيلا". لكن المؤسس الحقيقي لهذه المدينة هو الملك سلوقس الأول نيكاتور عام 300 ق.م وسماها باسم زوجته الفارسية أبامه Apame وجعل منها العاصمة الحربية للإمبراطورية السلوقية، ودعيت في أيام الإمبراطور كلاوديوس باسم "كلاودية أفاميا". وقد حافظت المدينة على ازدهارها ومكانتها العسكرية عبر تاريخها الطويل وطوال تسعة قرون، إذا كانت قاعدة انطلاق الجيوش السلوقية، كما جرى فيها الكثير من وقائع الحروب الأهلية الرومانية ولعبت دوراً مهماً في الحروب الفارسية الرومانية.
كانت أفاميا في العهد السلوقي عاصمة ولاية سورية الثانية. زارها عدد كبير من الأباطرة وأغدقوا عليها الكثير من الهبات، كما نالت حق سك نقود خاصة بها حتى عهد الإمبراطور الروماني كلاوديوس 41 ق.م، ونالت المدينة عناية خاصة مرة أخرى عندما بدأ الأباطرة السوريون يحكمون روما وذلك بدءاً من عهد سبتيميوس سفيروس.
تميزت أفاميا بمكانتها الدينية المرموقة والتي تمثلت في معبد وحي الإله بعل-زيوس الذي انتشرت عبادته في أنحاء الإمبراطورية الرومانية مع سكان أفاميا المغتربين. وبعد انتشار الديانة المسيحية، يظهر اسم أفاميا في قوائم المجامع الكنسية منذ بداية القرن الرابع إلى أن أصبحت مقراً لأسقفية كبيرة ترعى كثيراً من الكنائس والأديرة. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كانت أيضاً مركزاً فكرياً وفلسفياً مشهوراً أنجبت العلامة الكبير بوسيدونيوس الأفامي أحد زعماء الفلسفة الرواقية واشتهرت أيضاً بمدرستها الأفلاطونية الجديدة.
استمر ازدهار المدينة السياسي والتجاري والعمراني والسكاني حتى القرن السادس عندما اجتاح كسرى سورية عام 573م، فدمر المدينة ونهبها، وخضعت المدينة للحكم الساساني ثم حكمها الروم، وفتحها المسلمون عام 640م، إلا أن اهتمامهم بها انصب على حصنها الذي عرف منذ القرن العاشر باسم قلعة المضيق، احتلها الصليبيون ثم حررها منهم نور الدين زنكي عام 1149م.
تعرضت أفاميا لعدد كبير من الهزات الأرضية والزلازل وخاصة في القرن السادس وكانت تعود لتنهض من جديد، إلا أن الزلزال الذي ضربها سنة 522هـ/1157م دمر المدينة تماماً بحيث لم يبقَ منها إلا قلعتها التي عاد إليها السكان بعد ترميمها من قبل نور الدين زنكي. بدأت المدينة بالتقلص على إثر ذلك إلى أن اختفت أهميتها تدريجياً بحيث انطفأ ذكرها في العهد العثماني ولم يبق إلا أطلالها.
عاد الاهتمام بأفاميا في القرن التاسع عشر عندما بدأ الرحالة والمؤرخون والباحثون بزيارتها والبحث في آثار هذه المدينة العظيمة، إلا أن التنقيبات الأثرية الجدية بدأت على يد بعثة أثرية بلجيكية باسم المتاحف الملكية للفن والتاريخ في بروكسل بإدارة مايانس Mayence و لاكوست Lacoste وجرت أول حفريات في الأعوام 1928م، 1930م حتى 1938م، ثم 1947م حتى 1953م ثم استؤنفت هذه التنقيبات عام 1965 باسم مركز الأبحاث الأثري البلجيكي وقد شاركت المديرية العامة للآثار والمتاحف بترميم أجزاء من الشارع الرئيس والسور.
يحتوي موقع أفاميا على عدة سويات ترقى إلى العصور الحجرية والبرونزية و الهلنستية والرومانية، والبيزنطية والإسلامية. إلا أن منشأها الهلنستي يطغى على التخطيط الأساسي للمدينة الذي يتخذ الشكل الشطرنجي المعروف لمدن تلك الحقبة مثل أنطاكية واللاذقية. ومن أهم معالمها: السور الذي يعد أساساً للأسوار الرومانية والبيزنطية اللاحقة ويبلغ طوله حوالي سبعة كيلومترات، ومن معالمها المهمة الأخرى الشارع الرئيسي أو الشارع المستقيم وهو من أروع شوارع التاريخ المعماري كله، يبلغ طوله 1850م، محاطاً بأروقة عرضها 6.90سم، ويرجع هذا الشارع للقرن الثاني الميلادي. وأجمل ما فيه أعمدته الحلزونية، كما نجد أيضاً الشوارع المتعامدة، الأقواس، الساحة العامة (الأغورا)، السوق، المعابد، المسرح الذي يعد أحد أكبر المسارح الرومانية في سورية، والملعب. بالإضافة إلى الفسيفساء الرائعة التي عثر عليها في أفاميا والتي يفوق حجمها ما وجد من فسيفساء في أي موقع آخر في سورية. ومن أجل حفظ هذه الثروة الأثرية قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بترميم الخان العثماني الأثري المنسوب إلى (سنان باشا) ليكون متحفاً خاصاً لمنطقة أفاميا إذ تم افتتاحه عام 1982. أما بقية الآثار المكتشفة محفوظة في متحف دمشق وحماة ومتحف أفاميا ومتحف بروكسل.
|