الأوس للنشر

الجامع الأموي في دمشق

كان أول رائعة معمارية عربية في الإسلام، تتناسب مع الإمبراطورية الإسلامية التي لا تغرب عنها الشمس. وكان سابقاً معبداً للإله رامون في القرن العشرين قبل الميلاد. ثم معبداً للإله حدد الآرامي، إله المطر والرعد والصاعقة في القرن التاسع قبل الميلاد. لم يبق من آثاره سوى حجر بازلتي نُقشت عليه صورة أبي الهول، وُجدت في أساسات جدار الجامع الشمالي. ثم صار معبداً للإله المصري آمون عام 720ق.م. وبعد غزو الإسكندر المقدوني عام 333ق.م صار هيكلاً للربة عشتروت. وفي عهد الرومان صار معبداً للإله جوبيتر. وفي عهد البيزنطيين، أمر الإمبراطور ثيودوسيوس الأول (Theodosius) الذي حكم بين عامي 379-395م ببناء بازيليكا يوحنا المعمدان في ذلك المكان حيث دُفِن رأس النبي يحيى (يوحنا المعمدان) ولايزال هناك، وكان موقعها غرب صحن الجامع الحالي.

حينما دخل المسلمون دمشق في عام 636م، سقطت بأيديهم دون قتال من جهة الغرب، وحرباً من جهة الشرق، فأخذوا القسم الشرقي من أنقاض معبد الإله حدد الآرامي لبناء جامع لهم. وكان المسيحيون قد بنوا كنيسة في الجهة الغربية. وظلوا يصلون والمسيحيين متجاورين لمدة 50 عاماً. ثم اتفق الوليد بن عبد الملك مع مسؤولي كنيسة يوحنا المعمدان، على أخذ الكنيسة، وتعويضهم بأرض وأموال لبناء كنائسهم، وكان هذا في عام 86هـ/705م.

هُدّمت الكنيسة مع معبد جوبيتر عدا أبراجه الرومانية الأربعة التي في الزوايا. واقتبست هندسة الجامع من العمارة البيزنطية، كالأعمدة الكورنثية، والأقواس، والأروقة، والأسقف، والجملونات، والفسيفساء. واستمر البناء مدة عشر سنوات. وكلّف حوالي 11 مليون و200 ألف دينار أي خراج المملكة لسبع سنوات. وعمل فيه حوالي 200 من صنّاع الروم واليونان والطليان، مع 12 ألف مرخّم، فأتى آية في الجمال.

وبعد وفاة الوليد بن عبد الملك خلفه أخوه سليمان بن عبد الملك فشجّع الفنون جميعها. وبنى الجامع الأموي الكبير في حلب. والمسجد الأقصى في القدس. وفي المدينة المنورة أعاد بناء المسجد الرسول وكانوا كلهم على مثال الجامع الأموي في دمشق.

تعرّض الجامع للزلازل عام 1202 كما هدّمه تيمورلنك عام 740هـ/1400م. وتعرّض لعدة حرائق في عام 562هـ/1166م وعام 570هـ/1174م وعام 740هـ/1247م. وعام 804هـ/1400م وعام 884هـ/1479م وآخرها كان في 1311هـ/1393م. وفي كل مرة كانت تُعاد عمارته حسب التصميم الأصلي، ولكنه فقد التزيينات والزخارف.

وكان للجامع الأموي دور هام، إذ كان مركزاً للحياة العامة، يأتيه الخليفة ليلقي الخطب السياسية، ويطبق العدالة بين الناس، وفيه كانت تحفظ أموال الدولة العامة، ووثائقها الهامة. وكان جامعة تُدرّس فيه العلوم المختلفة، من قرآن وسنة شريعة وقضاء وآداب وعلوم وغير ذلك.

وصف صحن المسجد:
أبعاده 100×157م، وارتفاعه 20م. زُينت جدران المسجد بالمرمر حتى ارتفاع 7م. وما بقي منها زين بالموازييك الملوّن أو المذهّب أو المفصّص المنزّل بالصدف. ورُصفت أرضه بالحجارة الصقيلة في عام 1883م، وكان أصلاً مرصوفاً بالفسيفساء الحجرية والرخامية، وتوجد أجزاء منها في أرض الرواق الغربي.

الخزنة:
توجد في باحة الجامع غرفة مثمنة أُقيمت فوق ثمانية أعمدة كورنثية ليس لها درج تدعى قبة الخزنة، رقبتها من الرصاص، ارتفاعها عشرة أمتار، تناوبت فيها صفوف من الأحجار المنحوتة والآجر وزينت بالفسيفساء. شُيّدت في عهد أمير دمشق الفضل بن صالح العباسي عام 172هـ/788م. وكان للخزنة سبعة أقفال، مفتاح كل قفل مع شخص مسؤول لذا لا يمكن فتحها إلا بوجود الأشخاص السبعة جميعاً، وكانوا يحتفظون بالأموال العامة والوثائق المهمة في داخلها.

أُضيفت قبة النوفرة في وسط الجامع، وهي بركة مثمنة الشكل، ولها قبة تعتمد على أربعة أعمدة ثخينة، وأربعة أخرى أقل ثخانة، وعلى الجانبين بركتا وضوء، أُزيلتا فيما بعد. وبُنيت أخرى في المكان ذاته. وكان على طرفيها عمودان غُرسا في أرض الباحة بدون قواعد لهما، وكانا لإشعال النار.

أما قبة الساعات التي أنشئت فكانت بناءً صغيراً، مثمن الشكل، فوق بابه كتابة مؤلفة من 13 سطراً، فوقها الطغرة العثمانية. وله قبة من الرصاص، ترتكز على ثمانية أعمدة رخامية، تيجانها بيزنطية، فوقها أحجار على شكل هرم. كانت تُحفظ فيها الساعات الرملية التي كانت تضبط أوقات الصلاة.

ويُعتقد بأن قبة تاج محل في الهند بُنيت على غرار القباب الشامية، ثم انتقل شكل القبة إلى روسيا ومنها للغرب.

بعد حريق عام 1068م جرت إصلاحات وترميمات في الجامع، خلدها لوحان رخاميان: أحدهما بالخط الكوفي يشير إلى أن الترميم حصل أيام أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد اللهفي دولة السلطان المعظم «شاهنشاه... أمير الفتح ملكشاه في شهور سنة خمس وسبعين وأربعمائة».

والآخر مماثل للأول يُخلّد ذكرى ترميم القبة، والمقصورة، والسقف، والقاعات، في عهد المقتدي أيضاً. وكلا اللوحين موجودان في متحف دمشق. وفي عامي 1082-1083 أُعيد بناء قبة النسر. وجرت بعض الترميمات في الجامع.

وُجدت لوحتان تسجلان إصلاحات في عام 575هـ/1179م في عهد صلاح الدين الأيوبي. على الأولى آية الكرسي. وعلى الثاني النص الآتي «بسم الله الرحمن الرحيم. إنما يعمّر مساجد الله من آمن بالله... جُدّد ترميم هذه... الركنين في أيام الوالي الملك النصار يوسف بن أيوب محيي دولة أمير المؤمنين أدام الله أيامه وذلك في شهور سنة خمس وسبعين وخمسمائة للهجرة النبوية».

كان للجامع في القرن 19م، 75 مؤذناً، وفيه كثير من المصاحف، منها واحد بخط عثمان، وكان الناس يتبركون به.

أروقة الجامع:
تستند أسقف أروقة الصحن الغربية والشمالية والشرقية على الجدران الخارجية، من جهة، وعلى دعامات وأعمدة، تحمل أقواساً كبيرة من جهة ثانية. فوقها صف من الأقواس الصغيرة، تفصل بينها أعمدة صغيرة أيضاً.

الرواق الغربي:
كان جداره مغطى حتى ارتفاع كبير بالرخام لم يبقَ منه سوى الثقوب الجدارية. والقسم العلوي منه بالفسيفساء الزجاجية الملونة وتمثل مشاهد من أنهار ومنازل دمشق القديمة.

على جانبي ردهة الباب الغربي توجد قاعات من المعبد الوثني. سقفها مكسو بالخشب المدهون الملون من القرن 15 تحمله طبقتان من الأقواس، العليا عبارة عن فتحات صغيرة مفصولة عن بعضها بأعمدة صغيرة، والأقواس السفلية تستند على أعمدة من الغرانيت الأحمر، بواسطة تيجان كورنثية، تعلوها تيجان غير مزخرفة ومكسوة بطبقة من الرخام الأبيض. أما الجدران فقد كسيت بالرخام الملون، وحل محله في القرن 18 ألواح من القاشاني حتى علو معين، ثم تأتي الفسيفساء لتغطي بقية الجدار. بعد ذلك أُضيفت أنواع أخرى من الزينة في أوقات مختلفة مثل القاشاني الأزرق من العهد العثماني.

على الجدار الجنوبي للردهة كتابة من الموزاييك تؤرخ إصلاحات في عام 669هـ/1270م بأمر من السلطان بيبرس وعلى الجدارين الشمالي والجنوبي نوافذ من المرمر الأبيض ذو التزيينات الهندسية.

الرواق الشمالي:
تستند أقواسه في قسمه الأوسط على دعامات وفي طرفيه الجانبيين على أعمدة مماثلة لأعمدة الرواق الغربي. أُزيلت جميع العناصر الزخرفية بسبب الترميمات، وبقيت قطعة من الفسيفساء في الطرف الشرقي من الرواق. وفي ترميمات وتزيينات القرن الثامن عشر غُطيت دعامات الرواق الشمالي بالزخارف الجصية المحفورة.

وعلى جدار هذا الرواق نطاق كتابي يغطيه والجدارالغربي معه أيضاً، مؤرخاً ترميم الشمالي وترخيم الغربي في القرن 15م.

الرواق الشرقي:
ردهة الباب فيه مكسوة بالرخام والفسيفساء، رُممت في عهود مختلفة، واحتفظت بأقدم قطعة رخامية في الجامع وتعود إلى القرن 8م. كما بقيت فيه بقعة واحدة مكسوة بالفسيفساء الأصلية التي رُصفت مائلة لتعكس بريق ألوانها. وهناك كتابة تخلد ذكرى إصلاح جرى في عهد الملك نورالدين زنكي.

القاعات:
توجد أربع قاعات موزعة في شرق وغرب الجامع تسمى «المشاهد». سُميت بأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة. استعملت للعبادة، والاجتماع، ومستودعات، وخزائن للكتب. القاعة الشمالية الغربية هي مشهد عثمان، وفيها ستة نوافذ أموية. ومشهد أبي بكر ثم مشهد عمر، يقعان في الطرف المقابل من الردهة التي تفصلهما عن مشهد عثمان. وفي الحائط الشرقي، يوجد مشهد علي والحسين.

مقام الحسين:
ويُسمى مشهد الحسين، لأن رأس الحسين بعد قطعه وُضع في ثغرة بالحائط مدة ثلاثة أيام، ثم دُفن في مكان مجهول. وكان في هذا المقام ثلاث شعرات للرسول تُمرر على الناس في اليوم السابع والعشرين من رمضان أي ليلة القدر، ولكن هذا التقليد توقف. يوجد في المشهد مقام ومصلّى الإمام علي زين العابدين وهو ابن الحسين. وكان صغير السن ومريضاً حينما أتوا به مع ما تبقى من نساء آل البيت حيث وضعن في الغرفة الداخلية، وتُرك الفتى حراً في القاعة الخارجية، فكان يأوي إلى هذا المكان طوال الوقت للصلاة والعبادة، فنُسب إليه.

المآذن:
مئذنة العروس:
المئذنة السفلى الصغيرة من القرن 8م من عهد الوليد بن عبد الملك، والثانية من القرن 11م، أُعيد بناء الجزء العلوي منها في عام 1893م. كانت الإشارات الضوئية تُرسل منها في العهد المملوكي لتصل إلى القاهرة عبر المآذن للإنذار بالخطر.

المئذنة الغربية أو مئذنة قايتباي أو مئذنة الغزالية:
بُنيت على برج قديم، أصابه الرحيق عام 1479. أعاد السلطان قايتباي إنشاءها عام 1488م.

المئذنة الشرقية أو مئذنة عيسى:
مبنية على برج قديم، وهي أعلى المآذن. جُدّد قسمها العلوي في العهد المملوكي (1247م) أيام الحروب الصليبية. وأُدخلت عليها التعديلات في العهد العثماني.

الحرم:
أبعاده 37×139م. يوجد فيه أربعة محاريب مزخرفة بالكتابات القرآنية محفورة بالرخام الملون، ومنزّلة بالصدف. وهي من اليمين إلى اليسار: الحنبلي، الشافعي، الحنفي، المالكي. وجميعها قديمة عدا الحنفي الذي بناه تنكز في عام 728هـ. والحائط الذي فيه المحاريب أصلي، وهو ما تبقى من كامل البناء الأصلي.

قبة النسر في وسط السقف الجملوني، مغطاة من الخارج بالرصاص، ترتفع 36م، وهي مقتبسة عن الهندسة اليونانية. وقد احترق الحرم في عام 1893م مع القبة والجزء العلوي من مئذنة العروس. ولم يبقَ من السقف القديم سوى قسمين شمال وجنوب قبة النسر. يظهر بهما السقف الخشبي المحفور والمدهون بالألوان وماء الذهب.

يوجد أربعة عضادات ضخمة تحمل قبة النسر المثمنة والمزودة بالنوافذ. وعليها اسم الجلالة (الله)، واسم الرسول (محمد) صلعم وأسماء الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وحفيدي الرسول الحسن والحسين رضوان الله عليهم جميعاً.

نوافذ المصلى مصنوعة من الجص المعشق بالزجاج الملون، عددها أكثر من 10. أعمدة الحرم كورنثية، معظمها جديد من القرن 19، وعددها 38 عمود. ستة منها رومانية، موجودة في شرق وغرب الحرم، أُحضرت من أسوان في مصر.

قبر النبي يحيى:
النبي يحيى هو يوحنا المعمدان الذي تنبأ بقدوم السيد المسيح. أبوه زكريا وأمه إليزابيث اللذين منحهما الله هذا الطفل الوحيد وكانا عجوزين.

ويحكى أن يوحنا المعمدان رفض إغراءات سالومي ابنة هيرودويا زوجة هيرودوس التي كانت زوجة أخيه. وكان يوحنا يُعلن عدم موافقته على زواجها من أخي زوجها، لذلك غضبت وأرادت القضاء عليه. ومانع هيرودوس لأنه كان يعرف قيمة يوحنا كرجل دين وأهميته بين قومه. كما كان غاضباً منه لتبشيره بالمسيح والدين الجديد. وحينما رقصت سالومي لعمها، سُرّ منها ووعدها بتحقيق أية أمنية تطلبها، فدفعتها والدتها لطلب رأس يوحنا وهكذا كان، ووُضع الرأس على صينية، وأرسل إلى البلاد التابعة للرومان كعبرة لمن يعتبر، ودُفن في هذا المكان.

وحينما أراد المسيحيون إنشاء كاتدرائية اختاروا هذا المكان، وكان ذلك في عهد الامبراطور ثيودوسيوس الأول (379-395م) وأسموها باسم القديس يوحنا المعمدان وكان المسيحيون يجعلون المعابد الرومانية كنائس لهم. ولكونه نبياً لدى المسلمين، احتفظوا بقبره عند إنشاء الجامع وبنوا له ضريحاً ضخماً من الخشب مزيناً بالنقوش، ولكنه احترق مع الجامع فاستُبدل بالرخام المزخرف.

ويُعتقد أن رأس القديس يوحنا موجود في صندوق من ذهب. وقد رُوي عن زيد بن واقد، وكان موكلاً على العمل أثناء بناء الجامع الأموي في عهد الوليد بن عبد الملك أنه قال: «بينما البناؤون يبنون إذ وجدنا حفارة، فأخبرنا الوليد، فلما كان الليل، جاء الوليد وبيده الشمع ففتحه، فإذا فيه طست وفي الطست رأس مكتوب على الطست: هذا رأس نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام فرده إلى مكانه»، وقد بُني عليه ضريح من الرخام الأبيض وعليه قبة خضراء مطرزة بالذهب.


فاطمة جود الله


سورية نبع الحضارات


ضيف اكتشف سورية
ضيف اكتشف سورية
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 



هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر