غزوان الزركلي وديما أورشو على مسرح تياترو

27 03

نقلا القصيدة واللحن العربي من الموسيقى الدارجة إلى الكلاسيكية العالمية

إلى أي حد سيتقبل الجمهور ما سنقدمه؟ وما ردة فعله؟
سؤالان فضوليان تتشاطرهما المغنية ديما أورشو مع المؤلف الموسيقي غزوان الزركلي حول ما قدماه على خشبة مسرح تياترو مساء السابع والعشرين من آذار 2008، والذي لا يمكن وصفه بالتقليدي أو الاعتيادي. فمن وجهة نظر المؤلف فإن ما قدمه اليوم هو لحظة تختزل قرابة نصف قرن من التجربة والخبرة لتغدو هذه اللحظة لحظة النشر وقول كلمته في الفن، ومن جهة ثانية قدم غزوان كلمة القصيدة العربية -وهي توسم بالتجريد والتعقيد- بثوب وتوزيع موسيقي جديدين يجعلانها أكثر دفئاً وحميمية على الأذن الموسيقية المحلية مستعيناً بموسيقى التفعيلة العربية.
أما من وجهة نظر المغنية ديما أورشو فهي للمرة الأولى تؤدي المفردة العربية بلغة أوبرالية، وهي تجربة غير مسبوقة لديها حقيقة، وتحتسب لها على صعيد تطويع صوتها نزولاً عند الكلمة ثم تطويع الأوبرالية في خدمة القصيدة العربية.
لقد أجمع نقاد الموسيقى والباحثون والمهتمون ممن حضروا الحفل في تياترو على أنه يشكل كلمة فصل هامة في سجل الموسيقى السورية لكونه قدّم مشروعاً جديداً لموسيقى عربية كلاسيكية بأداء مختلف، فلم تعد الموسيقا الدارجة أو المؤلفة للقصيدة العربية أحادية القطب على الساحة الفنية، ولعله في الأيام القادمة ستشهد نقطة توقف وتفكير عند العديد من المشتغلين والمهتمين والمؤلفين الموسيقيين السوريين لتقديم صيغة جديدة قد تتشابه مع ما قدمه غزوان وديمة أو ترتقي إلى قطب موسيقي ثالث يغْنِي بالمحصلة التجربةََ الموسيقية السورية ويجعلها أكثر موسوعية وتعددية.
إن كانت ميزة شعوبنا أنها شعوب تجرِّب وتحاول -وهذا ليس بمأخذ عليها- فإن ثمرةَ هذا التجريب -كما شاهدناه في تياترو ونشاهده على الدوام على مساحة المشهد السوري بتجلياته كافة- نتاجٌ إبداعي حضاري محلي الصفة يؤسس لقواعد ومقاييس ثابتة.
جاء برنامج الحفل بمجمله يحمل عنوان التأليف لغزوان زركلي والغناء لديما أورشو  على الشكل التالي:
«أنا من هون» أغنية لحسين حمزة
«أحكي للعالم» أغنية لسميح القاسم
«تانغو»، مقطوعة سوبرانو بيانو
«الأسلحة والأطفال» أغنية لبدر شاكر السياب
«عاشق من فلسطين» أغنية لمحمود درويش
«روح نساني» إغنية لحسين حمزة
«سالسا»، مقطوعة سوبرانو بيانو
«عصفورة النيربين» أغنية لخير الدين الزركلي
«سراب» أغنية لسليم الزركلي
«فالس»، مقطوعة سوبرانو بيانو
«ما احتيالي يا رفاقي» أغنية لأبي خليل القباني
في الحفل وما قدّمه يقول غزوان «منذ عام 1975 أهتم بالكلمة العربية لا لكونها لغتي فحسب وإنما لأنه هناك حقيقةً ارتباطٌ بيني وبينها وبين الوطن، ولا عجب فأنا من رعيل عام 1954، وقد لُقّنا الوطنية تعليماً وتربية، ومن جانب آخر هناك في عائلتي شاعران هما خير الدين وسليم الزركلي، وكل ذلك أعطاني وازعاً أكبر للاهتمام للغة العربية. وعلى مدى ثلاثة وثلاثين عاماً وأثناء بحثي لم أجد تأليفاً موسيقياً كلاسيكياً للكلمة العربية باستثناء التأليف الموسيقي العربي الموجود المعروف الذي يتكرر على نحو دائم عند كل من يريد أن يغني فيجرب صوته بأغان لأم كلثوم أو عبد الوهاب أو ما شابه، ولا أقصد هنا أن أحط من قدرهم ولكن هذا الشيء يقود إلى الإحساس بأن هذا الزمن لم تعد له موسيقى، وهذه ظاهرة غريبة دفعتني بالتزامن مع أحادية نوعية الموسيقى الدارجة كما تسمى -وأجد دورها مهماً ولكنه لا ينبغي أن يكون الوحيد، فليس هناك دور للموسيقى العربية الكلاسيكية ولا للقصيدة العربية المغناة إلا ما قل مثل بوشناق في تونس ولكنها ظاهرة قليلة فريدة- لأن أقدم تجربتي في حفل تياترو اليوم، موسيقى عربية كلاسيكية حديثة، قصائد مغناة تستعمل تقنية آلات موسيقية أوروبية تتيح إمكانية تقديم أصوات عدة في وقت واحد تزامناً، وهذا أمر غير موجود في موروثنا الموسيقي».
  يتابع غزوان «قد يقول النقاد اليوم إن ما قدمناه نخبوي. نعم هو نخبوي ولكننا نقصد ذلك هنا من كونه منتجاً إبداعياً، موسيقى كلاسيكية تجنح إلى التركيب والتعقيد معتمدة على خصائص القصيدة العربية، وتم إيصالها اليوم إلى شريحة صغيرة جداً، أما النخبوية التي أفهمها من حيث السلبية والتعالي والافتعال الذي يقدم اللغة العربية بغير احترام لمخارج حروفها وألفاظها وتراثها فهذا موضوع آخر، وأنا لم أخترع الكلمة فهي موجودة، بل اخترعت اللحن والتوزيع وبحثنا عن إمكانيات جديدة في أسلوبية لفظها ووضعها في مكانها ونطاقها النفسي، بمعنى آخر ومصطلح أكاديمي موسيقي أن تكون الموسيقى بعداً ثالثاً للكلمة والقصيدة، وانطلاقاً من هنا فإن ما قدمناه اليوم ليس نخبوياً».
يضيف غزوان «قد تختلف وجهات النظر فيما قدمناه اليوم، وشخصياً أجد ما قدمته غريباً ومميزاً من حيث أنني أقدم تجربتي الشخصية بعد ثلاث وثلاثين سنة، أقدم نفسي كما ينبغي أن أكون للجمهور».
أما الفنانة ديما أورشو التي أتت من أمريكا لتقدم تجربتها الأولى من نوعها مع غزوان فتقول «حفلة اليوم هي عبارة عن مشروع مشترك بدأنا بالتحضير له منذ عام 2006 حتى خرج كما شاهدتموه اليوم في تياترو بالقنوات، وحقيقةً هي تجربة جديدة جريئة لكونها تقدم أغنية كلاسيكية على آلة البيانو، ورغم أن التجريد موجود إلا أنه في الطرف المقابل هناك إمكانية هائلة لرؤية الصور والأشخاص والحالات التي أريد أن أراها بوصفي مغنية، وبقدر ما هناك من تجريد هناك أيضاً مقدرة على التحكم بالأحاسيس والخبرة التي يمكن تضمينها في الأغنية».
غنت ديما الأوبرا العالمية بلغات أجنبية مختلفة تتقبل هذا النوع من الإمكانيات والخامات الصوتية، أما اليوم فهي تغني للغة العربية فهل تسمح إمكانياتها بذلك؟
تجيب ديما «ما قدمناه لا يشبه الأوبرا، ولعلني سمعت الكثير ممن وصفوها بأنها موسيقى كنائسية أو بيزنطية، وباعتقادي السبب هو التركيبة التي قُدمت بها فلا وجود لآلات أخرى سوى البيانو، وأضف إلى ذلك أن الأوبرا الغربية تختلف عن الأوبرا العربية، وخصوصية الأغنية والتأليف الموسيقي اليوم لم يسمحا لي بأن أطلق التقنية التي تستعمل في الأوبرا العالمية والتي هي ارتجاج زائد للصوت حيث المبالغة في تضخيمه، فحاولت قدر الأمكان أن أبقى قريبة من الموروث من حيث طبيعة القصيدة وخصوصيتها فتكون مفهومة واضحة للمستمعين قدر الأمكان».
وفي هذه النقطة يضيف غزوان «في اللغة العربية هناك تفعيلات -عددها ثمانية- تشكل روح لغتنا، وفيها نسبة بين القصير والطويل وبين النقطة والمد، وهذا كله له دورٌ مهم كبير حتى في الكلام العامي ولكن قد لا نتنبه له أو نعي ذلك. لكن المؤلف عندما ينوي العمل فيتوجب أن يكون واعياً للترتيب في المد وهو يختلف من حضارة إلى أخرى ومن الغرب إلى الشرق».
  تقول ديما أيضاً «ما قدمتُه اليوم ليس نوعاً من التجريب أو من الاختبار الشخصي، فأنا مع أي شيء يحترم العملَ، وليس لدي مانع أن أعمل وأجرّب على الفن دون شرط، وإن كان هناك فرصة للمتابعة ضمن ما قدمناه اليوم فلن أتردد مطلقاً وخاصة أن التجربة كانت تحمل توقيع فنان موهوب مثل غزوان الزركلي، أي إن اتجاهاتي مفتوحة على اتجاهات الفن كافة».
بعد حفلة التياترو سيقدم الفنانان حفلةً في بيروت في الثامن والعشرين من آذار، يليها حفلٌ في التاسع والعشرين من آذار في صالة آرت هاوس في دمشق.


رياض أحمد تصوير عبدالله رضا

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

ناصر موصلي:

صوت الفنانة ديما رائع جدا
من الأصوات التي نتمنى أن نسمعها دائما نتمنى لها التوفيق والنجاح/شحرورة دمشق/

السعودية

السعودية