مقدمة في ملف «صنّاع الدراما السورية» 2
17 تشرين الأول 2011
استمراراً لما طرحناه من أسئلة كمقدمة لملف «صنّاع الدراما السورية»: هل بدأت درامانا تفقد أحد أبرز مميزاتها كجرأة وتنوع الموضوعات التي تتناولها؟ والرؤية الفنية الجديدة؟ والبطولات الجماعية على مستوى الأداء؟
ثم ماذا عن الوجوه الشابة ومدى إمكانية منح أصحاب المواهب فرصاً حقيقية ترتقي بهم إلى مصاف النجوم المكرسين الذين لا ندَخر مناسبةً للاحتفاء بهم؟ وهل المحطات اليوم هي من يصنع النجم؟ أم الموهبة؟
وإلى أي حد نمتلك المصادر والآليات التي من شأنها تطوير صناعة الدراما ورفدها باستمرار بالكوادر الفنية المؤهلة تأهيلاً جيداً؟
ربما نتلمس بعض الإجابات من تصريحات نجوم الدراما السورية، التي اقتبسناها من عدة مقابلات أجريت معهم خلال موسم 2011.
ونبدأ بمقالةٍ سابقة للفنّانة كندة علوش سجلت فيها عتبها على شركات الإنتاج لأنهم لا يعطون فرصاً حقيقية للوجوه الشابّة، كما أن هنّاك ممثلين لم يخرجوا من دائرة الأدوار الثانوية رغم موهبتهم: «فمسلسلاتنا غالباً ما تدور في فضاء مجموعة من الأسماء التي كـُرّست على مدى سنوات، لذلك نجد أسماء الأبطال تتكرر في العديد من المسلسلات، دون المغامرة بإعطاء فرصة لوجه جديد ليؤدي دوراً رئيسياً، على عكس ما يحدث في الدراما المصرية، خاصةً في موسم 2010 حينما تم إسناد الدورين النسائيين الرئيسيين في مسلسل "أهل كايرو" لممثلتين غير معروفتين تماماً في مصر، وكذلك الأمر بالنسبة لبطولة مسلسل ضخم مثل "الجماعة" التي أسندت لممثل أردني غير معروف لدى الجمهور المصري هو إياد نصّار، وتم منحه ثقة كبيرة ليجسـّد شخصية محورية في عمل من أضخم المسلسلات المصرية على المستوى الإنتاجي، ومن أهمها على مستوى النص، فنجح إياد نجاحاً ساحقاً، في حين لو كان هذا المسلسل سورياً لبقيت دائرة الخيارات محدودة بمجموعة من الأسماء التي تحتكر الأدوار الرئيسية»، واستدركت علوش بالقول:«أنا لست ضد ذلك ولكن من المهم دوماً رفد الدراما بوجوه وكوادر جديدة حتى لا نصل إلى حالة من الإفلاس وهذا ما التفتت إليه الدراما المصرية مؤخراً»، وأوضحت كلامها بمثالٍ من الدراما السورية كما في مسلسل «زمن العار»: «حينما راهنت المخرجة رشا شربتجي على سلافة معمار وأثبتت أنها تستحق الفرصة التي منحت لها».
في حين أبدى الفنّان قصي خولي خشيته على مستقبل صناعة الدراما في سورية وعبرّ عن مخاوفه بالقول:«أخشى على هذه الصناعة كونها ما زالت تعتمد على الهواة رغم النجاح الذي حققته على مدى سنواتٍ طويلة والذي أسس له جيل من الروّاد الذين تركوا لنا قاعدة متينة بنينا عليها، لكنني أرى من الضروري رفد صناعة الدراما بالمزيد من العناصر الأكاديمية التي يتم تأهيلها في معاهد وأكاديميات محلية، فالعنصر الوحيد المؤهل أكاديمياً في الدراما السورية هو الممثل بفضل المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، أما بقية التقنيين فاكتسبوا خبراتهم عبر سلسلةٍ من التجارب والجهود الشخصية، في حين بدأت تظهر في العديد من الدول العربية معاهد تعنى بالتأهيل الأكاديمي لكل فروع هذا الفن كالــ UCLA ونيويورك فيلم أكاديمي، بينما ما زلنا نفتقر إلى الآن لأي معهد يدرس الإخراج، الصوت، المونتاج، أو الإضاءة، وهذا يعني أننا بعد فترة من الزمن سنكون في قمة الهرم بينما يبني أشقاؤنا الهرم على أسسٍ متينة بدءاً من القاعدة مع استفادتهم من تجاربنا في هذا المجال».
هذا فيما يتعلق بالفرص الممنوحة للوجوه الشابة في الدراما السورية، وأهمية رفدها بالكوادر الفنية المؤهلة، ولكن ماذا عن ما وصفه البعض بأزمة النصوص، ومسألة تشابه الموضوعات الذي عانت منه مسلسلاتنا مؤخراً، وفي هذا السياق قالت الفنّانة أمل عرفة خلال مقابلةٍ لها مع إحدى المجلات العربية:«أتمنى أن توضع خطة للدراما السورية بحيث تبدل نهج أعمالها كل خمس سنوات مثلاً، على الأقل نضمن سوية نجاح إلى حدٍ معقول لكن أن تفكر كل شركة إنتاج بأن أعمالها هي التي ستتصدر وتربح ضاربةً بعرض الحائط كل القوانين التي من شأنها الحفاظ على الدراما السورية فهذا أمر مخيف، لأننا عندما نقول إن الدراما السورية تحولت إلى صياغة فينبغي علينا معرفة أن واجبنا تهيئة انطلاقتها واستمراريتها لا أن نحضّر لها نعشها».
وما قالته عرفة حول تشابه موضوعات الدراما السورية مؤخراً، وأزمة النصوص التي تمر بها يتقاطع مع ما صرّح به الفنان جمال سليمان، في مقابلةٍ سابقة مع أحد المواقع الإلكترونية العالمية الناطقة بالعربية: «نحن نعاني اليوم من الكم الهائل في التشابه بالموضوعات التي تطرحها الدراما السورية، فحينما يقدم مسلسل عن قضية معينة ويحقق نجاحاً كبيراً يقرر عدد من الكتاب و المنتجين تناول نفس القضية في عدة مسلسلات أخرى غالباً ما تكون غير موفقة، وهذه هي الكارثة الحقيقية»، واقترح سليمان حلاً لهذه المسألة قائلاً: «ويمكن حل مشكلة النصوص بالاعتماد على الرواية العربية التي أعتبرها معيناً أساسياً لدراما ممتازة مستقبلاً، سواءً الروايات العربية المشهورة، أو ما يكتبه الشباب الجدد، لما تنطوي عليه تلك الروايات من مضامين عالية، ولكن في هذه الحالة يمكن أن تواجه الدراما ثلاث تحديات أساسية: اعتماد نمط المسلسل التلفزيوني المؤلف من 30 حلقة وهذا ما يجب أن نتحرر منه بحيث يكون عدد الحلقات متلائماً مع حجم الرواية، بالإضافة إلى التمويل فبعض الروايات تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لتمويلها، والمسألة الرقابية فالرواية العربية لديها نزعة واقعية عميقة جداً، وغاصت في تفاصيل الواقع العربي السياسية والاجتماعية بشكلٍ قد لا يكون مقبولاً في المسلسل التلفزيوني، رغم اتساع هامش الحريـّة في السنوات الأخيرة، فالهامش المتاح الذي نتمتع به اليوم أكبر بكثير مما كان عليه قبل عشرين عاماً على سبيل المثال، والكتّاب يضعون أيديهم على مواطن ساخنة في حياة الناس، إلا أنه لا تزال هناك روايات متجاوزة للخطوط الحمراء الموضوعة الآن، وأنا أجد من الضروري أن نتحرر أكثر في طرحنا لقضايا مجتمعنا لأن مسألة حرية التعبير في غاية الأهمية إذا كنّا فعلاً نتطلع لمستقبلٍ أفضل، وأخطر ما نواجهه هو الهروب من تشخيص الواقع بشكلٍ دقيق».
وإلى جانب أزمة النصوص في الدراما السورية وتشابه موضوعاتها، هناك من يرى بأن شركات الإنتاج والمحطات العربية، وحتى المشاهدين ينحازون لأنواعٍ درامية معنية على حساب أنواعٍ أخرى، خاصة الكوميديا التي يتم التعامل معها باستسهال كما قال المخرج الليث حجو:«هناك فهم خاطئ للكوميديا عموماً، وكلنّا شركاء في هذا الفهم على كل مستويات الإنتاج الدرامي في سورية التي تعتبرها الدرجة الأولى من الصعود باتجاه الدراما، والدرجة الأدنى فنياً، وذلك بدءاً من تأليف النص مروراً بمختلف مراحل الإنتاج والتوزيع حيث ترصد لها ميزانيات منخفضة وعدد أيام تصوير أقل فضلاً عن انخفاض سعر شرائها في المحطات، وصولاً إلى تقييمها في المهرجانات»، وأضاف حجو:«حتى على مستوى النقد يعتبر النقّاد الكوميديا في أسفل السلم الفني، كما أن المتلقي يتعامل مع هذا النوع الدرامي باستخفاف ويعطي لنفسه حق التعامل مع الممثل في هذا النوع من الأعمال بأريحية بعيداً عن النظر إلى الجهد الذي أدّاه قياساً بممثلٍ آخر أدى دوراً ما في عملٍ تاريخي، والكثيرون يتعاملون مع الكوميديا كمشروع بعيد عن الثقافة والفكر وهذا يفسح المجال أمام العديد من أبناء هذه المهنة للتجريب فيها وصولاً لأعمالٍ أكثر تعقيداً، رغم أن العمل الكوميدي هو الأكثر صعوبةً، فهو لا يحتمل الحلول الوسط، فإما النجاح، وإما الفشل».
بعد ما عرضناه من آراء لنجوم الدراما السورية حول مستقبل هذا الصناعة والتحديات التي تواجهها يطرح موقع «اكتشف سورية» سلسلةً من الأسئلة على ما يعرفون اليوم بصنّاع هذه الدراما، أسئلة تسلط الضوء على شؤون هذه الصناعة وشجونها، نقاط قوتـّها، والمصاعب التي تواجهها اليوم، والمخاطر المستقبليّة التي يمكن أن تتهددها، وسبل تلافيها، وسنعرض لها في سلسلةٍ من المقابلات مع مدراء شركات الإنتاج.
محمد الأزن
اكتشف سورية