الوحدة الطبيعية لسورية
إن التأكيد على حدود سورية الطبيعية، ينطوي على تأكيد وحدة سورية الطبيعية، وعلى أهمية موقعها، وإن كان لا يفصل في مقومات تلك الوحدة من الناحية البشرية، غير أن هذه المقومات ينوه بها نص مأخوذ من تقرير لجنة «كنغ-كرين»، التي عينها الرئيس الأميركي «ويلسون» عام 1919، للتحقيق في رغبات أهالي سورية، وقد جاء في هذا التقرير ما يلي:
«إن الوحدة الاقتصادية والجغرافية والجنسية لسورية، من الوضوح، بحيث لا يمكن تبرير تقسيم البلاد، خاصة وإن لغتها، وثقافتها، وتقاليدها، وعاداتها عربية، في جوهرها. وإن توحيد سورية، يتمشى مع أماني السكان، ومبادئ عصبة الأمم..».
كذلك حبذت اللجنة ضم فلسطين إلى الدولة السورية الموحدة، كما نصحت، في ضوء ذلك، بما يتعلق الموضوعين اللذين يهددان تلك الوحدة بما يلي:
موضوع أطماع الصهيونية: إذ نصحت في توصيتها الخامسة، بإجراء تعديل كبير على البرنامج الصهيوني، الذي يستهدف فتح أبواب الهجرة غير المحدودة إلى فلسطين أمام اليهود، وإقامة دولة يهودية فيها، وتجريد سكان فلسطين الطبيعيين مما يملكونه، واعتبرت ذلك عدواناً قاسياً على حقوق الشعب فيها، وتجاهلاً للمبادئ التي أعلنها الحلفاء، ومبادئ الرئيس ويلسون، عدا عن أن 90% من سكان فلسطين، وهم من غير اليهود، يرفضون البرنامج الصهيوني.
موضوع الاستقلال الذاتي للبنان: أوصت اللجنة بإعطائه قسطاً من الاستقلال الذاتي، وذكرت اللجنة أنه إذا كان من الممكن أن يكون لبنان أكثر سعادة في ظل دولة سورية وطنية حديثة، فإن مصلحته تتحقق في أن يكون عضواً تأسيسياً في تلك الدولة السورية، لا في استقلاله عنها استقلالاً تاماً. وضماناً لوحدة البلاد، تلك، الحقيقية والفعّالة، أشارت اللجنة في توصيتها الثالثة، إلى ضرورة تولي، دولة منتدبة واحدة فقط، المسؤولية للأخذ بيد سورية. وكان واضحاً من تقرير اللجنة أن تحديد اسم الدولة المنتدبة يجب أن يتم وفق رغبات السكان.
هذا وكان المؤتمر السوري، الذي عقد في أوائل تموز عام 1919 بدمشق، والذي حضره فيصل الأول والقوميون العرب، قد أكد على وحدة سورية الطبيعية، من خلال حدودها الطبيعية، وذلك في الوقت الذي كانت فيه لجنة كرين تجوب سورية، وقبل أن تصدر توصياتها، إذ أصدر المؤتمر لائحة بيان مؤرخ في 2/7/1919 جاء فيها:
«إننا نطلب الاستقلال السياسي التام لسورية العربية، التي يحدها شمالاً جبال طوروس، وجنوباً خط رفح.. العقبة-جنوب الجوف، وشرقاً نهر الفرات والخابور، عند خط يمتد شرقي البوكمال، وغرباً البحر المتوسط». وفي هذا الإطار رفض الاعتراف بأي حق يدعيه المستعمر في سورية، ورفضت مطالب الصهيونية في إنشاء وطن قومي في فلسطين، وعدم فصل فلسطين ولبنان عن سورية، ثم من بعد صدور تقرير لجنة «كنغ-كرين»، تأكد هذا المطلب في قرار مؤرخ في 7/3/1920، صدر عن المؤتمر السوري العام، الذي يعلن استقلال سورية بحدودها الطبيعية. وهذا نصه:
«إن المؤتمر السوري العام، الذي يمثل سورية العربية بمناطقها الثلاث: الساحلية، والداخلية، والجنوبية (فلسطين) تمثيلاً تاماً، والمنعقد يوم 7/3/1920 يضع القرار الآتي:
... فأعلنا بإجماع الرأي، استقلال بلادنا السورية، بحدودها الطبيعية، استقلالاً تاماً، لا شائبة فيه...».
والجدير بالذكر أن سكان جبل لبنان وفلسطين وباقي سورية، كانوا يطلقون على أنفسهم اسم: سوريين، أو شاميين، أو «شوام»، حيثما حلوا في بلدٍ عربيٍ أو أجنبي، حيث كانت تنضوي جمعيات تحت اسم الجمعيات السورية.
كذلك من المعروف أن الجامعة الأميركية، عندما أُنشئت لأول مرة في بيروت، أطلق عليها اسم: «الكلية الإنجيلية السورية». ولم يحدث الفصل بين سوري ولبناني وفلسطيني، إلا في ظل الاحتلال وبواسطة سلطاته، بعد تجزئة سورية وتقطيع أوصالها بتخطيط القوى الاستعمارية الغربية، المتآمرة مع الصهيونية. فكيف تمت تلك التجزئة؟