حدود سورية الطبيعية
هناك كتّاب كثيرون خلطوا بين سورية وآشور، وأطلقوا تسمية سوريين، على سكان المنطقة الممتدة من بابل حتى خليج الاسكندرونة، ومنه حتى البحر الأسود. وكان «سترابون» من أوائل من وضع سورية ضمن حدودها الطبيعية، عندما ذكر أنها تمتد من كيليكية وجبال الأمانوس (ويقصد جبال طوروس الداخلية، أو أنتي طوروس) حتى مصر. وقد قسَّمها إلى كوماجين شمال حلب وسلوقية «منطقة أنطاكية» وسورية المجوفة (أي سورية الوسطى)، وفينيقية على الساحل.
هذا التحديد لسورية، مطابق للتحديد الذي عرفه العرب لبلاد الشام نفسها، عندما ذكروا أن حد الشام الأول، من ملطيه (عند نهايات طوروس الداخلية) إلى العريش، وعرضه الأقصى المعمور من منبج (عند الفرات، الذي كان يعد أحد حدود سورية أو بلاد الشام) إلى طرسوس؛ أي أن هذا التحديد يعني الرقعة الممتدة من نهر الفرات إلى غربي كيليكية. كذلك ذكر المقدسي في كتابه: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم [أن إقليم الشام يمتد من تخوم مصر إلى بلد الروم. ويقع هذا الإقليم بين بحر الروم (البرح المتوسط) وبادية العرب، وتتصل البادية وبعض الشام بجزيرة العرب].
هذا ولم يتغير مدلول الحدود الطبيعية لسورية، حتى لدى الأوروبيين المستعمرين في العصور الحديثة، وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وكانوا على وعي كامل بالوحدة الإقليمية لسورية الطبيعية، سواء في المصورات التي كانوا ينشرونها في كتبهم، أو في التقارير التي كانوا يرفعونها عن أوضاع تلك البلاد، وعن أهمية موقعها الجغرافي والاقتصادي في ميدان العلاقات الدولية والتجارة الخارجية. وتلك المصورات، والتقارير، يستدل منها على مدى تأثيرها على الحكومات الأوروبية، عندما قامت برسم حدود سياسية لسورية لأول مرة بعد الحرب العالمية الأولى، على أنها تمتد من طوروس حتى مصر (سيناء أو العريش)، وتُقسم فيها الجزيرة بين سورية والعراق.