«رحلة الإمبراطور غليوم الثاني إلى الشرق عام 1898» كان عنوان المعرض الذي أقامه الباحثان حسين عصمت المدرس وأوليفييه سالمون في صالة الأسد للفنون الجميلة خلال الفترة 5-9 كانون الأول الحالي 2010، وتضمن المعرض الوثائق التي جمعها الباحثان في رحلتهما الخاصة بتوثيق هذه الزيارة التي اكتسبت أهمية شديدة كما يقول عنها الباحث الأستاذ حسين عصمت المدرس: «زار الإمبراطور بلاد الشام والإمبراطورية العثمانية مرتين؛ الأولى عام 1898، والثانية عام 1914. وكان سبب اختيارنا للرحلة الأولى كي نتحدث عنها في كتابنا الجديد كونها أسست للتقارب الأوروبي الشرقي عموماً أو التقارب الأوروبي مع العالم الإسلامي الممثل بالإمبراطورية العثمانية، إذ نعلم كلنا أن هذه الزيارة أدت من ناحية إلى بدء التقارب الأوروبي الإسلامي ممثلاً بالتقارب الألماني كبداية، ومن ناحية ثانية راهن الإمبراطور غليوم الثاني على وجوب أن تتجه أوروبا إلى الشرق، وكانت نتيجة هذه الزيارة ذلك التعاون الثقافي الذي شمل عمليات التنقيب الأثرية في بعلبك والعراق وبابل وآشور، والتعاون العسكري الذي شمل التحسينات الخاصة بالجيش العثماني، ناهيك عن الجانب الاقتصادي الذي شمل فتح خط حديد بغداد-برلين».
ويتابع الأستاذ المدرس قائلاً بأن ألمانيا كانت من أوائل الدول الأوروبية التي اتجهت نحو التقارب مع الدولة العثمانية، والتي يشكل الشرق جزءاً منها ونقصد: سورية ولبنان وفلسطين؛ ويضيف: «يتضمن الكتاب أيضاً زيارته إلى دمشق التي جرت عام 1898؛ وكان السبب في تركيزنا الكبير على هذه الزيارة كونها أُهملت إعلامياً وقتها، وأردنا تسليط الضوء عليها خصوصاً وأن هناك العديد من الدراسات التي تحدثت عن زيارة الإمبراطور للقدس وبعلبك واسطنبول، إلا أنها لم تتطرق لزيارته إلى دمشق. كان كتابنا هذا أول كتاب يصدر عن زيارة الإمبراطور لدمشق متخصص في هذه الزيارة، خصوصاً وأنها تضمنت حدثاً فريداً تمثل في أن الإمبراطور الألماني كان أول عاهل أوروبي يزور قبر صلاح الدين الأيوبي باحترام وتبجيل حيث قدم له إكليلاً من البرونز [استولى على هذا الإكليل لاحقاً لورانس العرب بعد دخول الإنكليز إلى سورية وخروج الملك فيصل منها، وأخذه كغنيمة حرب وأرسله إلى المتحف الحربي البريطاني ولا زال موجوداً هناك حتى الآن، حيث تقدمت سورية بطلب لاسترجاع هذا الإكليل الذي هو رمز لاحترام عاهل أوروبي للبطل صلاح الدين]، كما ساهم الإمبراطور الألماني في ترميم ضريح صلاح الدين، وقدم له قبراً مرمرياً كان من المفترض أن يتم نقل رفاة صلاح الدين إليه، إلا أن هذا لم يحدث وبقي القبر المرمري إلى جانب القبر الأصلي».
ويضيف الأستاذ المدرس بأن هذا الكتاب يضاف إلى سلسلة الكتب التي أطلقها الباحثان والتي تتعلق بالعلاقات السورية (التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية) - الأوروبية حيث يتابع: «بالنسبة للكتب التي قدمناها كان منها كتاب قدمته أثناء عملي السابق كقنصل فخري للملكة الهولندية في حلب حيث كنت في تلك الفترة أول من درس العلاقات السورية الهولندية وتحديداً في مدينة حلب. وأطلقنا الكتاب في عام 2007 وذلك في فترة الاحتفال بمرور 400 سنة على افتتاح أول قنصلية هولندية رسمياً في مدينة حلب حيث كانت حلب ولاية عثمانية واختار الهولنديون هذه المدينة ليفتتحوا أول قنصلية رسمية لهم. كما عملت على موضوع افتتاح القنصلية الفرنسية في مدينة حلب في القرن السابع عشر من خلال مذكرات 3 قناصل فرنسيين سكنوا في حلب وكتبوا عنها. كما أنني من خلال أطروحتي في رسالة الدكتوراه التي قدمتها تحدثت فيها عن بلاد الشام في القرن التاسع عشر؛ وبالتالي أنا متخصص أكثر فيما كتب عن مدينة حلب في هذه الفترة تحديداً».
ويتابع بأن ما ميز الكتب التي قدمها هو أنها استقت مصادرها من النصوص الأجنبية بخلاف باقي الكتب التي كانت تعتمد على النصوص التي كتبت باللغة العربية؛ بالتالي كان هو من الأوائل الذين قدموا دراسات معتمدة على نصوص المستشرقين التي كتبوها بلغاتهم الأم: «حالياً غدا لدينا 11 كتاباً متنوع المواضيع تتحدث عن هذه المنطقة في مرحلة زمنية تبدأ من القرن الخامس عشر وتنتهي بالقرن الحالي، كما قدمنا دراسات باللغة الفرنسية مع ترجمة بعض منها إلى اللغة الإنكليزية والعربية. نريد متابعة المشوار ومحاولة طباعة وتوثيق كل ما قدمه الرحالة من صور أو مخطوطات وذلك خلال القرن الثامن عشر حيث نقوم بإعادة طباعة تلك الكتب مع شرح وتدقيق وتحقيق وليس فقط عملية إعادة الطباعة للمخطوط».
ويتابع بأن العديد من هذه الكتب أقيمت لها معارض في دول أوروبية متنوعة مثل فرنسا وألمانيا وسويسرا وهذا يدل على مدى الاهتمام الأوروبي بها ويضيف: «كان التفاعل مع هذه الكتب جيداً؛ على سبيل المثال فإن هذا الكتاب قام بتصديره السفير الألماني في سورية الدكتور أندرياس راينكه حيث قام بالتصدير وكتابة المقدمة دون قراءة الكتاب عملياً بل فقط عن طريق الاطلاع على الفهارس التي استخدمناها في التوثيق. هذا الأمر يدل على ثقته بعملنا واطلاعه على أعمال سابقة لنا حتى تشجع وقام بالرعاية المعنوية لنا. أما الرعاية الفعلية فكانت من قبل القنصلية الألمانية في مدينة حلب ممثلة بالسيد بيير أنطاكي القنصل الألماني الفخري».
ويختم الأستاذ المدرس بالقول بأنه يعتب على وسائل الإعلام لعدم تغطيتها لزيارة الإمبراطور التاريخية إلى دمشق وقلة التركيز عليها، مضيفاً بأن مذكرات الإمبراطور عن دمشق تظهر الاستقبال الحافل له من قبل أهلها، كما ينوه إلى أن الكتاب يتضمن قسماً باللغة العربية وآخر بالألمانية إضافة إلى قسم ثالث باللغة الفرنسية، حيث مثلت تلك التجربة فكرة جديدة عمل عليها الباحثان من خلال تقديم الكتاب بثلاث لغات مختلفة.
أما عن تجربته مع الباحث حسين المدرس فيقول بأنه وبعد مرور 7 سنوات على بدئها، فإن التجربة مميزة حتى الآن، مضيفاً بأن لديهما الكثير من المشاريع المستقبلية التي قد تكفي لفترة عشر سنوات وفقاً لتعبير الأستاذ أوليفييه سالمون.
أحمد بيطار - حلب
اكتشف سورية