لم تعرف قرية استأثرت بحب الفنانين كما استأثرت معلولا ولم يتفاعل الفنانون مع بلدة كما تفاعلوا معها، حيث سعى كل فنان إلى تجسيدها في لوحة أو أكثر، وانتقل حبها إلى الفنانين الزائرين لبلادنا، فكل فنان وجد فيها شيئاً يساعده على التعبير عما كان يحلم به.
ولقد اكتشفها الفنانون في الأربعينات، ومنذ ذلك التاريخ، وأفواج طلاب الفن والفنانين تتوافد عليها، وهي تجد في كل فترة عاشقاً جديداً، ومحباً مخلصاً لها.. لا يمل من رسمها، ومشاهدتها المرة... تلو المرة.
«حين ذهبت إليها لأول مرة شدهت لما وجدت فيها من جمال، وما رأيت فيها من مشاهد موحية للفنان».
هذا ما قاله الفنان نصير شورى عن أول زيارة له إليها، حين ذهب مع الفنان صليبا الدويهي قبل أربعين عاماً، فكانا أول من رسمها وأول من نقل إلى الفنانين الآخرين... روعة هذه البلدة.
ومنذ ذلك الحين، وهي لا تكف عن استقبال الزوار، وعن إظهار ما تملكه من روائع، حتى أننا نستطيع القول بأنه لا يوجد فنان واحد لم يرسم معلولا ولم يكتشف فيها مصدر وحي لا ينفد معينه.
لكن أين يكمن موطن السحر فيها، أهو في البيوت التي تتداخل مع بعضها وترتفع على الجبل متعانقة، أم في الجبل الشاهق الذي يحمي بيوتها، أم هو في زرقة السماء في الأعلى، السماء الصافية، أم أن جمالها في أزقتها الضيقة والمتعرجة المتصاعدة، بين البيوت التي تتداخل على نحو عجيب في قدرته على إعطاء التنوع الفني؟
لقد اكتشف... نصير شورى وميشيل كرشة فيها الانطباعية رأوها كعلاقات متناغمة ملونة ساحرة، البيوت والجبل والسماء تتداخل ألوانها المتضادة تحت تأثير الضباب الكثيف الذي شاهدوها من خلاله، فحللوها لوناً ودمجوها معاً في تناغمات لونية يعكسها الضوء الخافت، وهكذا عكسوا عبرها رؤيتهم بأن الأشياء تتناغم بين أزرق صاف تتداخل فيه حمرة الجبل وبين بياض مُزرق يسيطر على البيوت، فأعطوا عبر هذه التناغمات... رؤيتهم اللونية للطبيعة.. فكانت مصدر وحي لهم، كأنهم رسموها في الصباح... أو عند المغيب.
وهناك من شاهدها في الضوء الغامر، في ضوء نصف النهار الذي يغمر كل شيء، فشاهدوا الجبل الشاهق ملوناً بالبني الصحراوي، والبيوت بيضاء تتداخل الزرقة مع البياض، والسماء زرقاء أيضاً، فأعدت تجربة الواقعيين عبرها نماذج عكستها لنا أعمال ميلاد الشايب وعبد المنان شما، وسواهما من الفنانين الواقعيين من أمثال ناظم الجعفري أو خليل عكاري أو غازي الخالدي أو رشاد مصطفى وغيرهم.
اكتشف سورية