مسلسل وادي السايح: حكاية حمصية بخلفية اجتماعية وسياسية

لأول مرة في تاريخ الدراما السورية يتم تناول البيئة الحمصية في مسلسل من إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، «وادي السايح» مسلسل من إخراج محمد بدرخان، عن نصٍ للكاتب حسن الحكيم.

تجري أحداث المسلسل في أحد أحياء حمص القديمة، والذي يحمل نفس الاسم في الفترة الممتدة بين 1968 و1970، أي ما بعد نكسة حزيران حتى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، ويسلط «وادي السايح» الضوء على المجتمع الحمصي، والتحولات التي ألمت به في تلك الفترة الساخنة من تاريخنا العربي، على خلفية متنوعة من الأحداث والشخصيات التي تكشف عن غنى ذلك المجتمع على مختلف الصعد الإنسانية، الثقافية، الاجتماعية، والاقتصادية، حيث تتشابك خطوط العمل وشخصياته في خطوط درامية متعددة، يظهر فيها الخط الوطني السياسي كخلفية للمسلسل ككل، لتنتهي جميع تلك الخطوط في ذروةٍ درامية تصلح لأن تكون فاتحة لبدايات جديدة.

موقع «اكتشف سورية» زار كواليس «وادي السايح» في مطلع شهر حزيران 2010، والتقى بالمخرج ونخبة من نجوم العمل، حيث يجري التصوير في أحد بيوت حي بستان الديوان الذي مازال يحافظ من حيث الشكل على النسيج العمراني لمدينة حمص القديمة، وعن فكرة العمل الرئيسية يقول المخرج محمد بدرخان: «ينطلق العمل من أزمة حقيقية مر بها الشارع العربي بأكمله، ومنه الشارع الحمصي في أعقاب نكسة حزيران، حيث تبدأ أحداث المسلسل في العام 1968 بعد تلك الكارثة التي ألمت بالعالم العربي»، وأضاف: «أنا لا أريد أن أقول بأن هذا العمل «حمصي» بالمعنى الإقليمي أو المؤطر، وإنما الحدث الدرامي يتم في مدينة حمص على خلفية واسعة الطيف من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي مر بها المجتمع الحمصي في تلك المرحلة، فمن المعروف بأن المقاومة في لبنان قد نشأت في تلك المرحلة على أرضية حركة القوميين العرب كردة فعل على هزيمة حزيران، وتطوع فيها مجموعة من الشباب الحمصي ليقاتلوا في صفوف الفدائيين، وخاضوا معهم معركة حيفا، وقدمّوا في تلك المعركة أربعة شهداء، وهم مذكورون لدينا بالاسم، وتوجّب علينا أن نوجه لهم التحية من خلال هذا المسلسل»، وختم بدرخان بالقول: «إضافة إلى ذلك الخط الدرامي المهم، يرصد "وادي السايح" البيئة الحمصية الطريفة والمتنوعة، فحمص معروفة تاريخياً بأنها قدمت رجالاً كباراً على المستوى السياسي والفني والاجتماعي والاقتصادي، ومن هذا الباب يكون هذا العمل فعلياً هو الأول في تاريخ الدراما السورية الذي يسلط الضوء على مدينة حمص».


من مشاهد من مسلسل وادي السايح

وحول سر تسمية المسلسل بـ «وادي السايح» قال المخرج: «يقع هذا الحي شرقي سور حمص القديمة تماماً، وكان تاريخياً بمثابة خندق دفاعي، ويتميز بغناه بكافة أطياف المجتمع الحمصي، ومن هنا أتت رمزية هذا العنوان، فهذا الخندق بما يضمه من فسيفساء اجتماعية هو الذي يدافع عن مدينة حمص، وسمي بـ «السايح» نسبة إلى رجل مبروك كان يعيش في هذا الوادي، وكان الحماصنة يتبرّكون به».

وإلى جانب كون العمل يتناول البيئة الحمصية بمكوناتها الغنية، فإنه يشهد أيضاً ظهور وجوه جديدة من الممثلين الحمصيين، يقول بدرخان: «يقدم هذا المسلسل فرصة جيدة بالنسبة لمجموعة من الممثلين الحماصنة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، إلى جانب مجموعة من النجوم المعروفين في مجال الدراما، وتم اختيار الممثلين بناءً على اختبارات استغرقت حوالي ستة أشهر في الهيئة لاختيار كادر العمل».

ومن بين النجوم المشاركين في «وادي السايح» التقينا بالفنان حسام عيد الذي يلعب شخصية طبيب، حيث تحدث عنها قائلاً: «يعتبر الدكتور علي طبيب العيون مرجعاً رئيسياً في الحارة يحتكم إليه الأهالي في حل مشاكلهم، وهو أيضاً سياسي، ومحبوب من قبل الجميع، هذه الشخصية جديدة بالنسبة لي، وأجدها من الشخصيات الصعبة والمركبة». وكان له أيضاً رأيه في النص، حيث اعتبره ممتعاً، وفيه الكثير من الحميمية والواقعية، فهو «يجسد عائلات من لحم ودم، وعلاقات مميزة وصحيحة، وقد يبدو ظاهرياً وكأنه يتناول تاريخ أحد أحياء حمص، لكنه في الحقيقة يتحدث عن تاريخ سورية ككل في تلك المرحلة».


أثناء تصوير مشاهد مسلسل وادي السايح

كما يؤدي الفنان عبد الرحمن أبو القاسم شخصية «أبو حسين»، وقد وصفها بقوله: «أجسد دور أب تقليدي محافظ، لديه ولدان أحدهما سيء التربية والآخر مدرس، ولكن كلا الولدين لا يعنيان له شيئاً، فهو يتمنى أن يكون ولداه أفضل من ذلك بكثير، فأحد الولدين يذهب باتجاه الحياة الماجنة، والآخر يريد أن يتزوج من فتاة لا تنتمي إلى بيئته، الأمر الذي يمثل خروجاً عن إرادة الأب، مما يؤدي إلى خلاف بينه وبين أبنائه ينتهي بفاجعة درامية واجتماعية بالنسبة للاثنين معاً، وعندما يصحو الأب للمشكلة لا ينفع الندم»، وأضاف:«ما يميز هذه الشخصية قسوتها، حيث تمثل الأب المتسلط الذي لا يطور أسلوبه في التربية، ويبقى رهيناً لقناعاته التي تربى عليها، وهنا تكون الطامة الكبرى، وهذه رسالة العمل إلى الآباء، وهي أن ينظروا إلى أولادهم كأصدقاء أولاً وأخيراً».

وآخر الفنانين الذين التقينا بهم في كواليس «وادي السايح» الفنان زهير عبد الكريم، ويجسد شخصية «أبو سالم الحلاق» التي يقول عنها: «شخصية تحمل الكثير من المقولات، في عمل اجتماعي يتناول فترة تاريخية مهمة، وأبو سالم أحد وجوه الحارة، شخصية طريفة جداً، يحب جمال عبد الناصر حتى النخاع، ويعتقد أن هذا الرئيس سيضع الأمة العربية في مكانةٍ مهمةٍ جداً، فهو بالنسبة له رمز الانتصارات، ولكن تصيبه في النهاية نكسة قوية جداً، بموت هذا الزعيم، وعدم تحقيق أي إنجاز»، وختم بالقول: «تم في هذا الدور استخدام مصطلحات حمصية قديمة غير موجودة في النص أساساً، وبحثت عنها خصيصاً، لأقدم الوجه الطريف في الشخصية، ولكن دون أن تذهب باتجاه كوميدي».

«وادي السايح»: من تأليف حسن الحكيم، إخراج: محمد بدرخان، إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري، ويضم مجموعة من نجوم الدراما السورية بينهم: جيانا عيد، حسام عيد، فايز قزق، زهير عبد الكريم، علاء قاسم، محمد حداقي، عبد الحكيم قطيفان، رنا كرم، وغيرهم.

محمد الأزن - دمشق

اكتشف سورية