ناهد كوسا في حوار مع «اكتشف سورية»
كوسا يستكمل مشروعه: «على خطى الأسدي»
استكمالاً لمشروعه الذي بدأه لتوثيق كل ما يتعلق بخير الدين الأسدي علامة حلب وصاحب موسوعة حلب المقارنة التي استغرق في كتابتها الأسدي ثلاثين عاماً وسجل فيها تراث حلب غير المادي من حكم وأمثال وعادات وأخبار، وبحث في جذور كلمات اللهجة الحلبية بحثاً عميقاً متميزاً، يعود الدكتور ناهد كوسا إلى مدينة حلب ليتتبع خطى الأسدي حتى مثواه الأخير .
فقبل مدة من الزمن وضع برنامجاً خاصاً يتضمن البحث عن خير الدين الأسدي، عن كتبه ومخطوطاته، وكل مايتعلق به، وكان قد خصص في برنامج ليالي يامال الشام في مونتريال - كندا، والذي يعده مع مجموعة من المذيعين والإعلاميين البارعين، حلقات خاصة تتحدث عن الأسدي وما تركه من نفائس، إلى أن أصبح الجميع في كندا يحكي عن الأسدي ويظنون الدكتور ناهد أحد أقاربه.
في رحلة التقصي تلك عرف ما بقي مخفياً من حياة الأسدي الخاصة، ومن كتبه ومخطوطاته، فجمع ما كُتِب عنه، وبحث عن المخطوطات الضائعة وراجع سجلاته في معهد التراث العلمي في جامعة حلب، وسعى للحصول على نسخ من مخطوطاته وتسجيلات حية من صوته من إذاعة حلب، واجتمع بأصدقائه ومن خلفه في جمعية العاديات.
الدكتور ناهد كوسا الحلبي المقيم في كندا، له بصمات فنية في العديد من المجالات فهو أولاً مهندس زراعي خريج جامعة حلب 1980، تخصص في علوم البيوتكنولوجيا وله أطروحة دكتوراه في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي من جامعة السوربون في باريس. وإلى جانب دراسته الأساسية، حصد العديد من الشهادات في علوم الآثار والمستحاثات والتنمية الإحتماعية.
ناهد كوسا
عمل باحثاً ومحرراً في المعهد العربي للدراسات الدولية في باريس 1985-1990 ومن ثم مدرساً ومحاضراً في جامعة كيبك في مونتريال 1991-1996.
عين مساعداً برلمانياً في مجلس العموم في أوتوا ثم مستشاراً لأمور الهجرة في البرلمان الكندي منذ العام 2003.
وفي الحقل الاجتماعي له أربعون سنة خدمة في السلك الكشفي، ويشغل منصب المفوض العام لكشافة كندا في مدينة لافال.
ويعتبر أول مواطن سوري يدخل الهيئة الدولية للكشاف العالمي في جنيف، وقد أسس مؤخراً فرقة الكشاف العربي وفرقة كشافة من غير حدود في مونتريال، وإليه يعود تأسيس فرقة كشافة سيدة مصر في لافال.
فنان هاو منذ نعومة أظافره، حصل على بطاقة هوية طالب فنان بعمر 13 سنة 1970 من مركز
فتحي محمد للفنون التشكيلية في حلب. أقام العديد من المعارض التشكيلية وحصل على العديد من الجوائز في وطنه الأم
سورية وفي كل من فرنسا وكندا. له كتاب تعليم الرسم للأولاد. مؤسس التجمع الفني العربي للرسوم والفنون التشكيلية في مونتريال والمعروف باسم Le Levant.
غير أن ما عرف عنه.. وما يميزه عن غيره، كونه أول شخص عربي يدخل موسوعة الأرقام القياسية الدولية «غينيس» عام 1988 بعرضه في باريس أصغر لوحة مائية رسمت تحت المجهر ولا تتجاوز أبعادها الملليمتر الواحد.
بعد عقد من الزمن 1998 يعود ويدخل الموسوعة الدولية ثانية بكتابته أطول نص على حبة الأرز الطبيعية، كونه كتب بالألوان 37 كلمة على حبة أرز لا تتجاوز الـ 3 ملليمتر نقلتها مباشرة عبر الفضائيات وكالات الأنباء العربية والكندية والعالمية.
حبات الأرز النادرة موزعة في كبرى المتاحف وفي مختلف بلاد العالم: «سورية، لبنان، القدس، الإمارات العربية، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، الفاتيكان، السويد، الولايات المتحدة وكندا». ومن أشهر هذه الحبات تلك التي كتب عليها
النشيد الوطني السوري بألوان
العلم السوري وهي موجودة في القصر الجمهوري بدمشق، وعلى حبة ثانية كتب سورة الفاتحة وهي موجودة في
الجامع الكبير في حلب، وعلى حبة ثالثة كتب حكم وأقوال وهي موجودة في متحف بيت وكيل بحلب، وأخيراً كتب قصيدة المحبة وهي موجودة في متحف جبران خليل جبران في بشري بلبنان.
وخلال زيارة بابا روما يوحنا بولس الثاني للأماكن المقدسة في سورية، في بداية الألفية الثالثة، قدم الفنان ناهد كوسا لقداسته في استاد العباسيين بـ
دمشق- 2001 أصغر مخطوط للإنجيل في العالم، مدون بخطوط عربية وآرامية على أوراق سجائر رقيقة، مزخرفة ومذهبة الأطراف، لا تتجاوز أبعادها السنتمتر الواحد والنصف. يحتفظ متحف الفاتيكان الشهير بهذا المخطوط العربي النادر وهو ثالث أرقامه القياسية العالمية المسجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية الدولية.
يحمل فناننا وسام الاستحقاق من حاكم كندا ممثل الملكة إليزابيت، كما يحمل وسام ملك السويد شارل غوستاف، ووسام الإبداع والابتكار من الحكومة السورية، ومنحه كاردينال مونتريال سيف الرحالة كريستوف كولومبس مرفقا برتبة فارس من بابا روما.
وقد
اختارته وزارة المغتربين في دمشق في الآونة الأخيرة ليكون الشخصية الأولى المميزة من المغتربين السوريين في المهجر، ضمن موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت، وهو من الذين تفوقوا في مختلف الميادين العلمية أو الاجتماعية أو السياسية أو التجارية، أو ممن تبوأ منهم مناصب وتميز في مجال الثقافة أو الفن أو الأدب وسواها.
«اكتشف سورية» التقى الدكتور ناهد كوسا في زيارته لمدينة حلب لسؤاله عن خطواته الأخيرة في رحلة البحث عن العلامة خير الدين الأسدي، وعن أوضاع الجالية السورية في كندا، وعن غير ذلك من أمور تشغل بال الدكتور كوسا، فكان معه هذا الحوار:
العلامة خير الدين الأسدي
بريشة الدكتور ناهد كوسا
ماذا عن المشروع الذي بدأته دكتور ناهد حول البحث عن خطى الأسدي ليتم نشره على الانترنت؟
توقفت في السنة الماضية عند الأشخاص الذين عاشروا الأسدي في المبرة الإسلامية، أما في رحلتي هذه فقد صورت المخطوطات الموجودة في معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب، وقد سهّل لي الأمور عميد المعهد الدكتور محمد مصطفى موالدي، كما التقيت مدير المبرة الإسلامية الذي أكد لي أن هناك مشروعاً متوقفاً منذ العام 2007 وهو تسمية جناح الرجال في المبرة باسم الأسدي.
كما أن هناك اتصالات بالسيدة راضية عكش التي عاشرت الأسدي قبل وفاته وكانت مشرفة عليه، لمعرفة كيفية كتابة الأسدي لموسوعته حلب المقارنة ووضعه اللمسات الأخيرة لها.
كما ذهبت إلى دائرة النفوس للبحث في السجلات، ويظن أن سجل الأسدي تابع لسجلات
العثمانيين الذي لا يمكن الرجوع إليه إلا بمرسوم جمهوري، ولكن من غير المتوقع أن يكون قد سجل الأسدي في تلك المرحلة الزمنية.
كما استرجعت الصفحات نفسها التي كان يكتبها الأسدي أمامنا في مدرسة الحكمة، وصورت نسخاً منها، تلك المحفوظة في معهد التراث العلمي في خزائن مقفلة.
ولكن يبقى جزء من المخطوط وهو «ذيل الموسوعة» ضائعاً، وما زال البحث جارياً عنه، وهو ملحق خاص يضم البذيء من الكلمات «حسب تعبير الأسدي نفسه» أو الكلمات غير المهذبة وكل ما يتعلق بالجنس وبالمعتقدات وبرجال الدين.
عرِّفنا دكتور ناهد ماهو ذيل الموسوعة، ولكن ماذا عما يسمى فوات الموسوعة؟
الفوات موجود في الموسوعة لكن الأستاذ محمد كمال الذي نشر ودقق الموسوعة في جامعة حلب، رفع بعض الكلمات غير المهذبة وتمثل ما يقارب 3 – 4 % من مجمل كلمات الموسوعة.
الدكتور ناهد كوسا مع محمد كمال
ماهو سبب اشتغالك على الأسدي؟
كثيراً ما أُسأل هذا السؤال، ويعود السبب الأول إلى أن الموسوعة هي الموسوعة الأولى للأدب المقارن في العالم العربي، إذ لم يسبق الأسدي أحد في تلك المقارنة، فهو أرجع كل كلمة إلى أصلها الآرامي أو الآشوري أو الفينيقي، وكذلك كل الكلمات الأجنبية المستعملة والتي ترجع إلى أصل إيطالي أو فرنسي أو إنكليزي أو تركي أو فارسي .
ما كتبه الأسدي هو تراثنا وجميل أن نستعيد ذكرياتنا في هذا التراث ونوثقه، فالكلمات المستخدمة الشاثعة تندثر شيئاً فشيئاً.
أما السبب الآخر فيعود إلى أن الأسدي كان أستاذي في مدرسة الحكمة، ولم أكن أدري أن يصبح هذا الأستاذ أشهر عالم في الأدب المقارن، وعلى سبيل المثال صورته التي أعطاني إياها في منزله الكائن في الشيخ طه بحلب، لم أكن أعلم أنها ستكون لعلامة حلب الكبير وصاحب أكبر موسوعة مقارنة.
مايحز في قلبي هو أن أهل بلده نسوه بسرعة، ولولا جمعية أسرة الأسدي التي أسست في عام 1979 أي بعد ثماني سنوات من وفاته لما تم حفظ تراث الأسدي، وقد ضمت تلك الأسرة كلاً من عبد الكريم شحادة، وعبد الوهاب صابوني، ومحمد كمال، وفريد جحا، وناظم صقال، وعمر الدقاق، ومحمد الأنطاكي، وقد انحلت تلك الجمعية بتكليف محمد كمال بطباعة الموسوعة في جامعة حلب.
ما أود أن أشير إليه هو تقدير هذا العلامة بإقامة نصب تذكاري له في مدينة حلب، وتسمية جناح الرجال في المبرة الإسلامية باسمه.
أين اختفى قبر الأسدي؟
الدكتورة بثينة شعبان مع الدكتور ناهد كوسا
كان متوقعاً أن يتم دفن جثة الأسدي في مقبرة الغرباء بحلب، ويقال إن حفار القبور واسمه وليد عندما عرف أنه لم يكن هناك أقرباء للأسدي، وقد قيل له إنه مجنون ومصاب بانفصام في الشخصية، باع جثة الأسدي لكلية الطب البشري بمبلغ 25 ل.س في 29 كانون الثاني من عام 1971.
ماذا عن نشاطات الجالية السورية في كندا؟
آخر إحصاء للجالية السورية في مونتريال كان ما يقارب بين 75 – 80 ألف نسمة، ويوجد للجالية عدة جمعيات منها النادي الكندي السوري، وجمعية جلجامش الثقافية، ونادي الجزيرة السوري، وإذاعة ليالي يامال الشام.
تلتقي هذه الجمعيات في المناسبات الوطنية والدينية، وفي السنة الماضية تم تسليط الضوء على بعض فعاليات هذه الجمعيات من خلال برنامج «البلد بلدك» في الفضائية السورية، إذ كان هناك لقاءات مع رجال الأعمال مع المثقفين ومع الكشاف، كما زرنا مدرسة عربية في أوتاوا.
ما نأمله من الفعاليات التجارية أن تدعم النشاطات الثقافية والفكرية، فعلى سبيل المثال وفي إذاعة ليالي يامال الشام يتم الاعتماد على الدعم الذاتي، فجمعينا متطوعون، وإن لم يأتنا الدعم المالي من رجال الأعمال فإن الإذاعة ستتوقف، نحن بحاجة إلى دعم رجال الأعمال لنبقى مستمرين في عطاءاتنا الثقافية.
.
بيانكا ماضيّة - حلب
اكتشف سورية