«إن عدم وعينا لأهمية تراثنا سيجعلنا غرباء عن هذا التراث، فعدم القراءة الجديدة له عبر واقعنا الراهن سيفسح المجال أمام التشويه المضر بمستقبلنا الإبداعي وبهويتنا الأصلية. إن المرحلة الراهنة للأمة العربية تتميز بوجود غزو ثقافي يستهدف الوجود، ما يستدعي من الفن الحقيقي أن يكون شاهداً على عصره، ومسؤوليات الفنان العربي حيال ذلك كثيرة جداً».
هذه فقرة من آخر ما قاله الراحل طارق الشريف الناقد والمؤرخ للتجربة التشكيلية العربية عموماً، والسورية على وجه الخصوص. برحيله يوم الثلاثاء 12 شباط 2013، تكون الحركة التشكيلية السورية قد خسرت أحد أهم رجالات الحركة النقدية التشكيلية، وذلك في الوقت الذي انشغلنا به بمفرزات وتداعيات الأزمة التي يعيشها الوطن.
نعم تأخرنا عن نعيك أيها الكبير، كما قال الناقد السوري سعد القاسم عبر صفحته على «فيسبوك»، عندما قال: «بصمت رحل طارق الشريف.. وهو الذي كان صوته يصدح في المشهد التشكيلي السوري والعربي.. صمتٌ هو النقيض المطلق لحيوية ملأت معارض وملتقيات الفن التشكيلي.. لم يُنشر عنه ولو مجرد خبر صحفي وقد كانت كتاباته الصحفية شاغلة التشكيليين ومالئة فضائهم.. وكثيرون من معارفه وأصدقائه لم يعلموا برحيله حتى بعد انتهاء مراسم العزاء، فيما القلة القليلة عرفت ذلك عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت».
ونحن في «اكتشف سورية» نشعر بالخجل في تأخرنا في تكريم «الراحل بصمت»، بعد أن غرفنا من معرفته وكلماته ودراساته ما أغنت صفحاتنا، نعتذر منك أيها الراحل، فقد تركتنا في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى من ينقد الجنون الذي نعيشه، وينقد من نسي أو تجاهل أو تحجج بعدم علمه برحيلك.
ماذا نقول عنك وأنت من تذوق وحلل بعقلانية العارف، فكنتَ المشجع والمهذب والمراقب الحيادي لأعمال الفنانين ولتجاربهم الإبداعية. لقد قمتَ أيها الراحل بتوثيق تجارب أهم التشكيليين السوريين يوم لم يكن هناك تقنيات تساعد على إنجاز مثل هذا العمل المميز، مئات الصفحات كتبتها بخط يدك في نقد الأعمال التشكيلية السورية، ورحلتَ صامتاً بعد مرض طويل، ولم يكلف أحد نفسه ممن كتبت عنهم صفحات عناء كتابة صفحة عنك لحظة رحيلك.
تعرفنا عليك أكثر أثناء تكريمك في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية بدمشق بتاريخ 5 آذار 2011، عندها قال الجميع: «مرحباً طارق الشريف»، واليوم نقول كلمة «وداعاً طارق الشريف». لقد كنت شريفاً في حياتك، صادقاً في كتاباتك، وتركت لنا ميراثاً له فضله على الحراك التشكيلي السوري المعاصر، ويكفيك محبة الجميع لك في زمن أصبحت المحبة ضائعة في متاهات أزمتنا..
نستذكر أيها «الراحل بصمت» بعض ما قيل عنك:
الدكتور راتب الغوثاني: كتب طارق الشريف في الفن يوم كان الفن التشكيلي ظلاً باهتاً للثقافة السورية كما كان مسجلاً وموثقاً ومتابعاً للتحولات الفكرية والإبداعية عصراً بعصر، إضافة إلى ذلك فقد كتب طارق الشريف بحيوية الأطفال وصبر الشيوخ.. كتب بحب وصدق وإخلاص. ربّى أجيالاً من المشتغلين بالفن ولا يمكن لأي مشتغل بالفن وعلى مدى أجيال إلا وفي مكتبته الكثير مما أنجزه، فقد كتب مقالات في الحياة التشكيلية حررها، أغناها، حماها، صنفها، ورعاها لعقود طويلة واليوم نستخدمها مرجعاً حقيقياً للفكر الإبداعي.. طارق الشريف وجه حاضر في كل تحولات المراحل الفنية، هذا هو طارق الشريف الفنان والناقد والإنسان.
الفنان التشكيلي خازم بطرس: طارق الشريف مجاز فلسفي، وفي الفلسفة يدرسون علم الجمال، ومن هنا استطاع الفنان "طارق" بأن يؤسس فلسفة فكرية أهلته للنجاح الكبير في مجاله، فقد كان مديراً لمركز "أدهم إسماعيل" للفنون، ومن ثم أصبح عميداً لكلية الفنون الجميلة، و كان من مؤسسي مجلة "الحياة التشكيلية" والمنضد الدائم لها لفترة طويلة، لقد كان من التشكيليين المهمين والرائعين في سورية، لما لديه من وثائق فنية في سورية.
الفنانة التشكيلية ريم الخطيب -مديرة مركز "أدهم اسماعيل"- التي سعت لتكريمه في المركز قالت عنه آنذاك: لهذا التكريم أهمية خاصة، وذلك لما للفنان "طارق الشريف" من أهمية نقدية تشكيلية على المستوى العربي والسوري بالتحديد، فهو منذ ستينيات القرن الماضي، مواكب للحراك التشكيلي السوري من خلال المقالات والدراسات العديدة التي أغنت الحركة التشكيلية في سورية، فقد امتاز الناقد "الشريف" بحيادية عالية في تقديم النص التشكيلي النقدي بموازاة اللوحة التشكيلية بكل أبعادها دون الانحياز إلا للجمال وقيمته الحقيقية.
ونذكر أيضاً حديث الفنانة التشكيلية عتاب حريب أثناء تكريم الراحل في مركز أدهم إسماعيل: لقد كان بصمة كبيرة في الفن التشكيلي السوري، وهو من الأشخاص المهمين الذين لعبوا دوراً كبيراً في تنشيط الحركة التشكيلية في سورية، المدهش فيما نقرأ لهذا الرجل أنه كتب بإجادة وإدهاش وبسوية عالية في كل مجالات الفن والجمال، كتب في فن الحفر وفن النحت وفن الإعلان والحداثة والتاريخ وفي الفن الإسلامي وفي فن الجمال. تابع طارق الشريف الكثير من التظاهرات الإبداعية في العالم الحديثة والجديدة ونقلها إلينا مدونة ومقروءة فكانت مرجعاً لنا نحن الذين كبرنا مع كتاباته ورؤاه وإنسانيته.
الأستاذ هشام التقي -مدير مديرية الثقافة بدمشق- قال: لقد كان لهذا الناقد والرائد في حركة الحداثة التشكيلية في سورية دور هام في تنشيط كافة المجالات النقدية وفي تعزيز الحياة التشكيلية في سورية، وقد كان تكريمه في مركز أدهم اسماعيل كهدية من رفاق الدرب وتلاميذه.
الفنان التشكيلي اسماعيل نصرة: اقد كان طارق الشريف كاتب عصري وموسوعي في الفن والجمال والنحت والغرافيك والحياة والحداثة المعاصرة، وحقيقة لم أجد موضوعاً ضعيفاً رغم اختلاف الموضوعات والفنون بل كان في كل ما كتبه راصداً بإجادة بالغة وبخبرة المؤرخ والباحث فجاءت كل هذه المواضيع مرجعاً للدارسين ومتعة للباحثين، وثقافة عميقة لكل الناهلين والمحبين للكلمة والمعنى.
أما الناقد التشكيلي أديب مخزوم فيقول في كتاب "تيارات الحداثة في التشكيل السوري": يوجد أشخاص درسوا النقد أكاديمياً ولكن لم يستطيعوا أن يوجدوا شيئا جديداً، أما طارق الشريف رئيس تحرير مجلة الحياة التشكيلية (سابقًا) لم يدرس النقد، ومع ذلك يعتبر من أهم النقاد التشكيليين العرب، ولقد ترأس تحرير المجلة على مدى أكثر من ربع قرن وهي تابعة لوزارة الثقافة.
طارق الشريف في سطور:
مواليد دمشق 1935
إجازة في الفلسفة من جامعة دمشق 1959
عمل مديراً لمركز أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية بين عامي 1965-1975
عمل مديراً للمركز الثقافي بأبورمانة ومديراً للفنون الجميلة
من أهم مؤلفات طارق الشريف:
عشرون فناناً من سورية، 1970
الفنان بول سيزان، 1985
الفنان نعيم إسماعيل "قصة في لوحات"، 1977
الفن واللافن، 1983
الفنان فاتح المدرس "فن حديث بروح تعبيرية"، 1992
الفن التشكيلي المعاصر، 1997
خمس فنانين من سورية، 1996
أسهم في تأليف كتاب الفن التشكيلي المعاصر في سورية، عام 1998
مازن عباس
اكتشف سورية