تل السن
الموقع:
الشكل1: موقع تل السن على خريطة سورية
يقع تل السن في محافظة
دير الزور على بعد 10 كم جنوب شرق المدينة، بالقرب من قريتي مراط ومظلوم، فوق مكان مرتفع (جرف) على الضفة اليسرى لنهر الفرات، والذي يشكل في نفس الوقت حدوده الجنوبية والغربية
[1] (الشكل1). وقد ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان على أنه تل أثري قديم
[2]، ويأخذ الموقع شكل شبه مستطيل وتبلغ مساحته 25 هكتاراً ويتألف من قسمين: الأكرُبول ويتوضع في الجزء المرتفع، ومنطقة منخفضة. يحيط بالموقع سور من ثلاث جهات في حين شكل المجرى القديم لنهر الفرات حماية طبيعية لباقي أجزاء الموقع (الشكل2)، وخارج الأسوار تتوزع المدافن في الجهة الشمالية والشمالية الشرقية وتمتد على مساحة كبيرة جداً وتضم العديد من النماذج ذات الأشكال المختلفة.
الشكل2: مخطط موقع تل السن
الأعمال السابقة وبداية الاكتشافات الأثرية:
ذُكر تل السن في البداية بشكل غير صريح خلال الرحلات الاستكشافية لنهر الفرات عام 1898 من قبل ب. بيتر
[3] «J.P.Peters» الذي تحدث عن وجود موقع يحتوي بقايا أثرية هامة وكان يقصد به تل السن. أما في عام 1911م فقد وصل هيرزفلد «S.Herzfeld» إلى الموقع وكان أول من أرخ الموقع على العصر الروماني البيزنطي، وزاره من بعده دوفيرتي
[4] «Dougherty» الذي تجول في الموقع والتقط عن السطح العديد من العينات الفخارية وأرخ بعضها على عصر البرونز والعصر الروماني والبيزنطي والعربي (يقصد به العصر الإسلامي). خلال فترة
الانتداب الفرنسي على سورية تم أخذ العديد من الصور الجوية لمناطق مختلفة من
سورية وكان من بينها منطقة الفرات، وقد تم تمييز الكثير من أسوار المواقع الأثرية من خلال هذه الصور، وكان من ضمنها تل السن، وقد وصف بوادبيرد «Poidebard» الموقع بأنه مدينة محصنة لها مخطط خماسي الأضلاع، يتوضع بالقرب من مدينة دير الزور
[5]. أما بخصوص أولى أعمال التنقيب في الموقع فتعود للعام 1978 من قبل دائرة آثار دير الزور
[6] وذلك ضمن منطقة المدافن، ومن ثم كانت هناك أعمال أخرى أيضاً ضمن منطقة المدافن في عام 2003 عندما كانت بلدية قرية مظلوم تقوم بشق طرق لتنفيذ المخطط التنظيمي، وقد أسفرت هذه الأعمال عن كشف عدد من المدافن، وبناء على هذا الاكتشاف تم تشكيل فريق أثري من دائرة آثار دير الزور الذي تابع أعمال تنقيب المدافن المكتشفة خلال العام نفسه
[7].
الشكل3: صورة جوية تظهر حدود موقع تل السن مع منطقة ا لمدافن
بين عامي 2005- 2007م تم تشكيل بعثة أثرية مشتركة سورية- إسبانية للعمل في موقع تل السن
[8]، وقد باشرت أعمالها بعمل مخطط طبوغرافي للموقع، إلى جانب إجراء أسبار أثرية لمعرفة التسلسل التاريخي له. وخلال المواسم اللاحقة تم التركيز على منطقة المدافن حيث تم إحصاء ما يزيد عن 170 مدفناً سنأتي على ذكرها لاحقاً (الشكل3).
الشكل4: منطقة الأكربول
تاريخ الموقع:
إنّ المكتشفات الأثرية التي تمت في الموقع ضئيلة جداً، وتتمثل بسبر في منطقة الأكرُبول (الشكل4) وآخر ضمن منطقة السور، بينما تركزت أغلب أعمال التنقيب والدراسة ضمن قطاع المدافن. ومع هذا فقد قدمت هذه الأسبار معلومات تشير إلى فترات استيطان الموقع ووجود مدينة محصنة تعود للعصر البيزنطي، أي أن البقايا الأثرية للموقع الحالي مؤرخة على القرنين الخامس والسادس الميلادي، كذلك تم التأكد من وجود سويات مؤرخة على عصر النيوليت. أما بخصوص الأسبار على السور فقدمت نتائج مهمة تتعلق بتقنية بناء التحصينات في تلك الفترة والمواد المستخدمة التي كانت في أغلبها من اللبن (الشكل5). ومن جهة أخرى فإن أعمال التنقيب والدراسة التي شملت المدافن كانت في غاية الأهمية، لا سيما وأنها احتوت على عدد كبير منها بلغ 170 مدفناً جماعياً، وهذا العدد يشير إلى أهمية الموقع، وفي نفس الوقت قدمت هذه المدافن الكثير من المعلومات المتعلقة بالسكان في ظل غياب المعلومات الكتابية وندرة أعمال التنقيب، ويمكن القول أن البعثة الأثرية السورية الإسبانية ركزت أعمالها ضمن هذا القطاع بسبب أعمال التخريب والنهب التي حصلت في هذه المدافن باعتبار أنها ظاهرة ومرئية للجميع.
الشكل5: جانب من السور
المدافن:
ذكرنا أعلاه أنه تم توثيق أكثر من 170 مدفناً خلال مواسم العمل بين 2005-2007 من قبل البعثة السورية الإسبانية، علماً أنه لا يزال هناك الكثير منها التي لم توثق بعد، وهذه المدافن امتدت على مساحة تزيد عن هكتار ونصف (الشكل6)، وتقسم إلى مجموعتين الأولى وهي الأقدم مدافن عادية عبارة عن حفرة مستطيلة تضم معزباً واحداً أو معزبين ويتم إغلاقها بواسطة لوح من القرميد (الشكل7) ويبدو أن هذا النوع تم هجره لاحقاً بعد أن ساد نوع جديد وهو عبارة عن مدافن أرضية مؤلفة من درج وفي نهاية الدرج مدخل يفضي إلى حجرة جنائزية منحوتة ضمن الصخر تحتوي على ثلاثة قبور حجرية معقودة تأخذ شكل صليب
[9] (الشكل8).
الشكل6: مخطط القطاع A من منطقة المدافن
وهذا النوع من المدافن يعد من النماذج الشائعة في المنطقة الشمالية من سورية بدءاً من القرن الثاني الميلادي وحتى القرن السادس الميلادي، وقد قدمت هذه المدافن معلومات مهمة عن سكان المدينة وعاداتهم، وبينت الكسر العظمية التي تم العثور عليها نسبة الوفيات العالية للشباب مقارنة مع كبار السن والأطفال. أما بخصوص الطقوس الجنائزية فقد أمكن التعرف على بعضها من خلال اللقى، فقد تبين استخدام توابيت خشبية وعثر على مسامير معدنية وبقايا من مادة الخشب ضمن معازب الدفن، كما تم العثور على لقى وحلي كانت مدفونة مع أصحابها، ورغم أنها بسيطة إلا أنها ذات قيمة للدلالة على الاعتقاد بالحياة الأخرى وهذه اللقى كانت تقدم للمتوفى باعتبار أنه سيحتاجها مثل الأواني الفخارية والزجاجية وأدوات تجميل كالمرايا ومكاحل ومشابك عظمية بالإضافة إلى الخواتم والأساور
[10].
الشكل7: نموذج المجموعة الأولى من المدافن
من جهة أخرى تم العثور ضمن هذه المدافن على الكثير من الرموز الدينية التي تشير إلى الصفة المسيحية، حيث أنه فضلاً عن الأسماء التي نقشت ضمن المدافن، يوجد الكثير من الصلبان سواء تلك المرسومة باللون الأحمر على مداخل المدافن أو داخلها، أو تلك التي عثر عليها على شكل ميداليات معدنية كانت مدفونة مع أصحابها وهي تشير إلى معتقدات السكان وهويتهم (الشكل9).
الشكل8 -أ-: نموذج المجموعة الثانية من المدافن
الشكل8 -ب-: نموذج تخيلي للمجموعة الثانية من المدافن
عموماً إن أعمال التنقيب المستقبلية في الموقع من شأنها أن تلقي الضوء على الكثير من الأمور المجهولة عن المدينة، وحتى الوقت الحاضر لا توجد لدينا أية معلومات عن الفترة التي هجر فيها الموقع، إلا أن اللقى الفخارية المنتشرة على السطح تشير إلى استمرار الحياة إلى ما بعد الفتوحات العربية، وأن وجود الموقع على ضفة الفرات يشير إلى أهميته، لا سيما وأنه يتمتع بموقع مميز، وربما كان له دور تجاري إلى جانب دوره العسكري أيضاً، وهذا لا يمكننا تأكيده، خصوصاً في ظل غياب المصادر الكتابية، وتل السن هو الاسم الذي يعرف به حالياً وعلى الأرجح فقد كان هناك اسم آخر عرف به سابقاً، ونأمل أن تكشف التنقيبات ما هو مجهول بالنسبة لنا عن هذا الموقع الهام من وادي الفرات الأوسط السوري.
الشكل9 -أ-: رسم الصليب على مداخل المدافن
الشكل9 -ب-: شاهدة نقش عليها اسم المتوفى ورسم الصليب
الحواشي:
[1] الشهابي، قتيبة: 2006، معجم المواقع الأثرية في سورية، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق، ص71.
[2] الحموي، ياقوت: 1979، معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
[3] PETERS J P; 1898, Nippur or exploration and adventure on the Euphrates, v1, Londres, p. 123.
[4] DOUGHERTY R P; 1926, From Jerusalem to Baghdad down the Euphrates, Bulletin of the American schools of oriental research 21, pp. 11-21.
[5] POIDEBARD A; 1934, La trace de Rome dans le désert de Syrie, Paris, p. 89.
[6] بدأت بعثة أثرية أعمالها من قبل أسعد المحمود بعد أن تم الكشف عن احد المدافن بالصدفة.
[7] شكل الفريق من قبل دائرة آثار دير الزور وكان برئاسة معين العلي أمين المتحف.
[8] ينوب عن الجانب السوري شاكر الشبيب وعن الجانب الإسباني خوان مونتيرو إضافة إلى مجموعة من الآثاريين والمهندسين واختصاصات أخرى.
[9] ROWE I M; 2008, Las inscripciones funnerarias y los simbolos cristianos, La necropolis bizantina de Tall as Sin, Madrid, p. 275.
[10] FENOLLOS J M; 2008, Los ajuares funerarios, La necropolis bizantina de Tall as Sin, Madrid, p. 253.
إعداد: همّام سعد
اكتشف سورية