بدعوة من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى والبيت العربي، أقيمت محاضرة «الرواية والترجمة» للمترجم الأديب صالح علماني، وذلك في مقر المعهد بحلب -دار حمّاض-.
قدمت للمحاضرة الدكتورة شهلا العجيلي مدير المعهد بالحديث عن المبدع علماني، وقد وصفته بـ المترجم المدهش مؤكدة أن الترجمة في مرحلة ما تصبح ترفاً، ترفَ أن تنتقي ترجمة محددة، وخاصة ترجمة لصالح علماني، مشيرة إلى أن علماني هو من النخبة التي تحمل إلينا روح النص وروح الثقافة الأخرى، وقد نقل إلينا روائع أدب أمريكا اللاتينية، ولروائيين كبار من أمثال: غابرييل غارسيا ماركيز، وإيزابيل الليندي، وماريو فارغاس يوسّا.
وفي أوراقه التي فرشها أمامه المترجم صالح علماني بدأ حديثه بسؤال: هل المترجم كاتب فاشل ومحبط؟! مشيراً إلى تجربته في الكتابة الروائية والتي انتهت بتمزيقه الرواية التي كتبها في شبابه، مؤكداً أن المترجم قبل أن يكون مترجماً هو قارئ محب، وهو يعيد كتابة العمل الأدبي بلغته، بلغة المترجم خاصة، لافتاً إلى «أن عظمة الترجمة الأدبية تتمثل في أنها تتيح للمترجم إمكانية إعادة الروح لعالم جديد، من التخييل، انطلاقاً من إبداع الآخر، أو من إبداع شخص آخر، هو عالم له خصوصيته، عالم بالغ الحقيقية والشرعية مثلما هو عالم المؤلف».
ويرى علماني أن: «الترجمة بدأت تتحول إلى جنس أدبي قائم بذاته، فالمترجم صار يعتبر مؤلفاً للترجمة، كما تعرّفه قوانين وأنظمة الملكية الفكرية».
كما تحدث عن دور الترجمة في تطوير اللغة مؤكداً أن «هذا التطور سيرورة طويلة المدى، صحيح أنه لايمكن القول بأن ترجمة الرواية هي المؤثر الأساس والمباشر في تطور لغة النثر، ولكنها المؤثر الأهم بالمقابل في تطور الرواية العربية كجنس أدبي، من حيث المقومات، البناء، الأساليب الفنية».
وقد أكد أهمية الترجمة في تطور أساليب النثر العربي بإيراده مثالاً عن ترجمة ابن المقفع لكتاب كلية ودمنة عن الفارسية، بعد أن ضاع الأصل السنسكريتي، والترجمة الفارسية أيضاً له، مؤكداً أن الترجمة العربية هي التي أنقذت الكتاب من الضياع النهائي.
وعن دور الترجمة في ذلك التطور يطرح سؤالاً : «هل كان يمكن لنجيب محفوظ وعشرات الروائيين العرب المبدعين أن يصلوا إلى ما وصل إليه لو أنهم لم يقرؤوا فيكتور هيجو، ودستويفسكي، تولستوي، تشيخوف، لوبير، ومئات من الروائيين الآخرين الذين عرفناهم من خلال الترجمة، هل كان يمكن لهؤلاء الروائيين أن يتمكنوا من الرواية كفن، وليس فقط كفن قائم بذاته، وليس في تطوير النثرية العربية فقط وإنما في تطوير الفن الروائي؟».
وهو يرى أن الترجمة ليست خضوعاً للآخر، أو هي نوع من الغزو الثقافي، مؤكداً أنها «ظاهرة ديمقراطية، لأنها نتيجة اختلاف ومنابر للاختلاف، وهي ظاهرة اجتماعية لا يمكن لها أن تتحقق على هامش المجتمع، ففيها تلتقي ثقافتان وتتيح التعرف على ثقافة أخرى مختلفة»، وهي «تضمن بقاء جميع اللغات وتحافظ عليها، بما في ذلك أكثرها بدائية، وبهذا تتحول الترجمة إلى أداة ديمقراطية تنقذ الفكر وتوفّر التواصل».
وقد ختم محاضرته بالحديث عن صعوبات الترجمة، وقد أجملها في مصاعب مرتبطة بتباين منطق اللغات وأساليبها ودلالاتها، ومصاعب ناشئة عن عدم الفهم الجيد، ومصاعب ناشئة عن عجز المترجم عن التعبير بلغته الأصلية.
يذكر أن صالح علماني مترجم من فلسطين، من مواليد حمص 1949، يترجم عن الإسبانية، وقد أمضى أكثر من ربع قرن في خدمة الأدب اللاتيني ليُعرّف القرّاء العرب على هذا النوع من الأدب، وإليه يعود الفضل في ترجمة عشرات الروايات التي شكّلت ما يسمى بموجة «الواقعية السحرية».
بيانكا ماضية - حلب
اكتشف سورية