الموقع:
أوغاريت (رأس شمرا) تقع في الطرف الشمالي الشرقي لمدينة اللاذقية على بعد 11 كم (وحالياً 3 كم بعد التعديلات الأخيرة) على الطريق المؤدي إلى الموقع (الشكل1). ينتصب التل الأثري بين المزارع التي تتألف منها قرية برج القصب على شكل مربع منحرف قليلاً، تبلغ مساحة سطحه اثنين وعشرين هكتاراً، ومتوسط ارتفاعه عن مستوى الأراضي المجاورة يبلغ ثمانية عشر متراً (الشكل2) [1].
بين عامي 1939 و1945م توقفت الأعمال بسبب الحرب العالمية الثانية، ولاحقاً حصلت سورية على استقلالها، وحينها وافقت الحكومة السورية على استمرار الأعمال بشكل محدود في الموقع خلال عامي 1948 و1949.
في عام 1950م منحت الحكومة السورية موافقة رسمية للبعثة الفرنسية بالعمل ضمن الموقع لمدة خمس سنوات مع التجديد، وكانت الشروط التي فرضتها الاحتفاظ بنسخة عن كامل أعمال التوثيق لجميع القطع والرسومات والصور، والأهم من ذلك أن جميع المكتشفات هي ملك الحكومة السورية ولا يحق للبعثة نقل أي قطعة خارج سورية. وفي عام 1960 جرت الأعمال الأولى لفريق سوري بقيادة قبل عدنان البني ونسيب صليبي، ومن ثم استمرت الأعمال في مواسم الأعوام 1971 و72 و73 من قبل الجانبين الفرنسي والسوري، وكان ينوب عن الجانب الفرنسي هنري دو كونتانسون «H. DE CONTENSON» وبمشاركة جاك لاغارس «J.LAGARCE»، ومن ثم أدار الفريق الفرنسي لموسم 1975 و1976 جان مارغرون «J.C.MARGUERON»، وتتابعت الأعمال والاكتشافات بعد ذلك، ثم تجددت الأعمال مع نهاية السبعينيات من القرن العشرين بإدارة مارغريت يون «M.YON» حتى التسعينيات بالتعاون مع الجانب السوري ولا تزال الأعمال مستمرة في الموقع حتى الوقت الحاضر[3].
السويات الأثرية في أُوغاريت:
أسفرت الأعمال الأثرية عن اكتشاف كامل سويات الاستيطان في الموقع وهي على الشكل التالي:
- عصر النيوليت (7500- 6000 ق.م): وتمثلت بقايا هذه الحقبة بالأدوات الصوانية والكسر العظمية لحيوانات مدجنة وأدوات مصنعة من العظام.
- عصر الكالكوليت (6000-3900 ق.م): أدوات صوانية وعظمية، فخار، عظام إنسانية وحيوانية، حلي، أدوات نحاسية.
- عصر البرونز القديم (2650- 2100 ق.م): مجموعة سكنية مؤلفة من أساسات حجرية ومداميك اللبن، فخار مطلي، جرار كبيرة، أدوات الحياة اليومية، صوامع حبوب تحت المساكن، معصرة زيتون، وغيرها.
- عصر البرونز الوسيط (2100- 1650 ق.م): سور المدينة، معابد، مدافن، جرار نبيذ، تعدين البرونز، وثائق كتابية تتعلق بالحياة الاقتصادية والعلاقات التجارية، وغيرها.
- عصر البرونز الحديث (1650- 1365 ق.م): وجود نفوذ مصري، ذكر المدينة في وثائق تل العمارنة، بناء القصر، وفي عصر البرونز الحديث الثالث عرفت المدينة بشكل أفضل حيث أن أغلب النصوص التي اكتشفت تعود لهذه الفترة ومنها وثائق القصر الملكي، إلى جانب الأبنية السكنية والرسمية والمحلات التجارية والمعابد.
- فترة شعوب البحر (1195- 1185 ق.م): اجتياح شعوب البحر لأوغاريت وتدميرها.
- في العصر الهلنستي والروماني: تم استيطان الموقع بشكل بسيط من جديد وخصوصاً منطقة الأكروبول وأعيد استخدام حجارة الأبنية القديمة في تشييد مبانٍ جديدة[4].
أبجدية أوغاريت:
تحتل أوغاريت موقعاً متقدماً على خارطة الحضارات القديمة في المشرق العربي للأهمية التي تتمتع بها وما قدمته من معطيات وما تم الكشف عنه من آثار لمدينة متقدمة. وكان أهم ما قدمته هذه المملكة للعالم أبجديتها، فخلال موسم أعمال 1933م وما بعده أظهرت الحفريات اثني عشر رقيماً من رقم «الأبجدية»[5]، وهي رقم تحمل أحرف أبجدية أوغاريت الثلاثين بالترتيب الشائع في ذلك العصر، وهي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد (الشكل3)، وهو الترتيب نفسه في الألفباء اليونانية وحروف الهجاء العربية. وتبين أن اللغة الأوغاريتية قريبة كل القرب من اللغة العربية من حيث التراكيب وقواعد النحو والصرف، ومن حيث المفردات خاصة، ففيها نحو ألف كلمة هي نفسها في اللغة العربية، كما تبين أن بعض الكلمات الأوغاريتية ليست موجودة في اللغة العربية الفصحى بل هي في اللهجة العامية الدارجة في الساحل السوري عامة وفي مدينة اللاذقية خاصة.
وتتناول النصوص المكتشفة ميادين مختلفة، منها ذات طابع ديني تتناول ملاحم مثل ملحمة بعل وتتألف من بضعة فصول، وملحمة مولد الآلهة، وملحمة عرس القمر، وملحمة الرفائيم، ومنها أسطورتان هما أسطورة دانيال وأقهات وغيرها.
وهناك أيضاً نصوص أدبية تشتمل على قصائد ومجموعات حكم ونصائح. ومن الوثائق القانونية عقود بيع وشراء ووصايا وغيرها أبرمت بين أفراد عاديين، ونصوص رسمية صادرة عن ملوك أوغاريت من هبات وقرارات وأحكام مختلفة. أما النصوص الإدارية فتشتمل على قوائم بأسماء الموظفين والتجار والحرفيين، وقوائم بأسماء المدن والقرى والمزارع التابعة لمملكة أوغاريت. وهناك نصوص اقتصادية تتناول التبادل التجاري بين الأوغاريتيين أنفسهم أو التبادل التجاري بين أوغاريت وبلاد أخرى[6].
أهم المكتشفات:
أسفرت أعمال التنقيب حتى الوقت الحاضر عن كشف العديد من المنشآت والمباني الهامة في المدينة، والتي لا يمكننا الحديث عنها جميعها، فهناك الكثير من المؤلفات التي تناولت مملكة أوغاريت ولا يمكننا أن نختصرها بعدة صفحات، بل سنلقي الضوء هنا على بعض هذه المنشآت ومنها:
الحواشي:
[1] سعادة، جبرائيل: أُغاريت، الموسوعة العربية، م2، هيئة أعمال الموسوعة، دمشق، ص 810.
[2] SAADE G ; 2011, Ougarit et son royaume, IFPO, Beyrouth, p. 18.
[3] بخصوص الأعمال الأولى لبعثة شيفر يمكن مراجعة
SCHAEFFER C; 1929, Les fouilles de Minet el-beida et de Ras Shamra, Syria, vol, 10, Beyrouth.
1931, Les fouilles de Minet el-beida et de Ras Shamra, Syria, vol, 12, Beyrouth.
1932, Les fouilles de Minet el-beida et de Ras Shamra, Syria, vol, 13, Beyrouth.
1933, Les fouilles de Minet el-beida et de Ras Shamra, Syria, vol, 14, Beyrouth.
بخصوص بعض أعمال صليبي والبني راجع
BOUNI A; 1969, Une installation d eau de l époque romaine a Ras Shamra, Ugaritica, VI, p. 533-539.
SALIBY N; 1979-80 , Une tombe d Ugarit découvert fortuitement en 1970,AAAS, Vol 29-30, Damas, p. 105-139.
[4] SAADE G ; 2011, p. 34, 35, 36.
[5] SCHAEFFER C; 1934, Les fouilles de Minet el-beida et de Ras Shamra, Syria, vol, 15, Beyrouth, p. 105-131.
[6] سعادة، جبرائيل: أُغاريت، ص 811.
[7] للمزيد عن القصر الملكي راجع
SAADE G ; 2011, p. 192.
PARROT A; 1971, Le Palais royal d'Ugarit, Syria, vol, 48, Beyrouth, p. 231.
SCHAEFFER C; 1939, Les fouilles de Minet el-beida et de Ras Shamra, Syria, vol, 20, Beyrouth, p. 277-292.
[8] SAADE G ; 2011, p. 267.
إعداد: همّام سعد
اكتشف سورية