محمد محسن

1922-2007

يعتبر الفنان "محمد الناشف" الشهير "بمحمد محسن" أحد اللذين صنعوا فن الأغنية العربية السورية في الأربعينيات، والأغنية العربية عموماً في الخمسينيات وحتى اليوم.
ومحمد محسن الذي ولد في حي شعبي من أحياء دمشق (قصر حجاج) عام 1922 بدأ حياته الفنية هاوياً مذ كان طالباً في مدرسة الحي الابتدائية، وظل هاجس الموسيقا مرافقاً له حتى أنهى دراسته الثانوية، وفي أثناء دراسته هذه أخذ يتعلم العزف على العود سراً على يدي الأستاذ صبحي سعيد، خوفاً من أسرته المحافظة.
و"محمد محسن" ليس الوحيد في الأسرة الذي تعب وراء الفن فأخوه الفنان التشكيلي الراحل "صلاح الناشف"، كان أحد رواد الفن التشكيلي الذي نهله من منابعه عندما استبدل دراسته العلمية في إيطاليا بدراسة الفن التشكيلي، ليحل عليه غضب الأسرة بعد عودته.
ظل "محمد محسن" هاوياً للموسيقا وعازفاً على العود، يتردد على أندية دمشق الموسيقية ليزيد معارفه وعلومه عدة سنوات، إلى أن قرر في أواخر الثلاثينيات احتراف العمل الفني بصورة رسمية.
تأثر "محمد محسن" في بداية عمله كغيره من الفنانين بمحمد عبد الوهاب، ولكنه لم يقلده، بل أخذ عنه ما وصل إليه فن الأغنية العربية الحديثة من تطوير في مصر. وعمل على أن يطبق ذلك على الأغنية السورية، مبتعداً غاية البعد عن التقليد، ليعطي الأغنية السورية من وراء فن المونولوغ المصري والطقطوقة سمات فن الغناء العربي السوري، فنجح في بعض ما غنى، وأخفق في بعضه الآخر لأنه جاء صورة عن فن الأغنية المصرية.
ومحمد محسن الذي يعيب عليه بعض المشتغلين بفن الغناء، هذا الخروج على فن الأغنية السورية، وجد في تجديد قوالب الغناء العربي الكلاسيكي على أيدي شيوخ التلحين في مصر، الهدف الذي يتطلع إليه من أجل مستقبل الأغنية السورية، فعمل على الاستفادة من ذلك مستغلاً البيئة السورية، وطريقة الإلقاء الغنائي الخاصة بالمطربين السوريين ليضفي على قالب الأغنية العربية المصرية طابعاً سورياً خاصاً. وعلى الرغم من هذا، فإن محمد محسن لم ينج من بعض المزالق التي نلمسها في بعض أغانيه الأولى التي قام بأدائها بنفسه قبل أن يعتزل الغناء في إذاعة دمشق الضعيفة قبل الجلاء ومن إذاعة دمشق القوية التي أنشأها العهد الوطني بعد الجلاء، ثم من إذاعة الشرق الأدنى التي تعاقد معها في العام 1951 وظل يعمل فيها كمراقب للموسيقا والغناء مدة عامين.
أدرك محمد محسن، بأن صوته الصغير رغم النواحي الجمالية التي يتميز بها، غير قادر على مجابهة المطربين الأقوياء الذين يتفوقون عليه بمساحاتهم الصوتية وأصواتهم القادرة "كسري طمبورجي"، و"صابر الصفح"، فآثر أن يترك الساحة الغنائية إلى التلحين، لأنه لن يتمكن من أن يكون شيئاً أمام أئمة الطرب في الوطن العربي. ولما كان يتمتع بموهبة موسيقية قوية، فإنه عمل على تثقيف نفسه فنياً قبل أن يحترف التلحين، ويحيا في أجوائه بصورة نهائية، واستغل دعوة جاءته من إذاعة القدس لتسجيل بعض أغنياته، فاتصل خلال وجوده فيها بالموسيقار "حنا الخل" ودرس على يديه علم التدوين الموسيقي، ثم قفل عائداً إلى دمشق، ليبدأ رحلته في سماء التلحين وليحقق طموحه الفني في إثراء الغناء العربي بألحانه في كل المنطقة العربية.
دفع "محمد محسن" بألحانه أصواتاً مغمورة إلى الأضواء والشهرة، ووطد عن طريقها أقدام مطربين بلغوا مستوى القمة، وأول مطربة غنت له وكانت تعمل في أحد ملاهي دمشق ـ الكروان اليوم ـ هي "سعاد محمد" التي اعتادت في بداية حياتها الفنية ترديد أغنيات أم كلثوم، فغنت من ألحانه رائعته الشهيرة "دمعة على خد الزمن" التي كتب كلماتها الشاعر الغنائي "محمد علي فتوح" الذي تزوج منها فيما بعد.
ذاع صيت "سعاد محمد" بعد هذا المونولوغ العاطفي، واشتهر أمرها، فعمدت وقد أدركت بحسها السليم بأن موهبة "محمد محسن" هي مفتاح طريقها إلى الشهرة في عالم الطرب، إلى احتكار كل ألحانه. ولم يبخل عليها محمد محسن فزودها بمونولوغ "ليه يا زمان الوفا" وبأغنية "مظلومة يا ناس" لتكرسها نهائياً بين المطربات الأوائل في منطقة ديار الشام العربية.
بعد هذه الأغنيات، والأغاني الأخرى التي رفدها بها، أخذ يوطد مكانته الفنية مستفيداً من تطور الحركة الفنية في مصر، وليعمل من جانبه على تطويرها في سورية، ولما كان قالب القصيدة قد اكتمل تقريباً في مصر آنذاك بفضل "رياض السنباطي" وبخاصة بالنسبة للقصيدة الوطنية والقومية فقد انصرف إلى معالجة هذا القالب من خلال قصيدة "جلونا الفاتحين" للشاعر الكبير "بدوي الجبل". وفي هذه القصيدة التي غنتها "سعاد محمد" في ذكرى الجلاء، صاغ محمد محسن ألحانها على الطريقة السنباطية في التلحين، واستخدم أسلوبي المد والترجيع في الإلقاء الغنائي بنجاح كبير، لتغدو القصيدة أسلوباً وتلحيناً وأداء متكاملة، وهي تعتبر اليوم من أقوى ما لحن في ضرب القصيدة الوطنية والقومية.
غنت "سعاد محمد" "جلونا الفاتحين" بشموخ فأبدعت، وكانت أكثر من رائعة، واستطاعت أن تحلق إلى الأجواء اللحنية التي أرادها "محمد محسن" بإبداع قلما وصلت إليه مطربة باستثناء "أم كلثوم".
غادر "محمد محسن" القطر العربي السوري كما أسلفنا في العام 1951 ليعمل في إذاعة الشرق الأدنى، ومنذ ذلك التاريخ، وهو يتجول في وطنه العربي الكبير ليتحف مختلف الإذاعات العربية بألحانه التي كان يهدف من ورائها نحو الأغنية الأفضل.
تعاقد معه الموسيقار الراحل "محمد حسن الشجاعي" المشرف العام على الدائرة الموسيقية في إذاعة القاهرة، عام 1959 كملحن رئيسي للمطربين الذين تعتمدهم الإذاعة المصرية، وظل يمارس عمله هذا ويلحن للنخبة من المطربين المصريين لغاية عام 1963، ومن ثم آثر العمل الحر، فانتقل إلى بيروت، وانصرف كملحن محترف إلى عمله الذي يحب "التلحين". وبعد أحداث لبنان في العام 1975 عاد إلى الوطن ليستأنف نشاطه الفني في دمشق بحيوية الشباب.
يمكن القول من خلال الشواهد السمعية الكثيرة، أن ألحان محمد محسن اتسمت بشخصيته على الرغم من تأثره في بدايات عهده بمحمد عبد الوهاب ثم برياض السنباطي، حتى أنه انصرف إلى تقليد محمد عبد الوهاب في اختيار العناوين، مثال ذلك نجده في أغنية "الحبيب المجهول" لمحمد عبد الوهاب، التي أعطى على غرارها "الحبيب الجديد"، وعندما لحن محمد عبد الوهاب أغاني الفيلم الذي أنتجه بعنوان "الحب الأول" وشاركه في تلحينه المطرب "جلال حرب" نجد محمد محسن قد وضع أغنية بعنوان "الحب الأول" والفرق بين مضمون العملين يكمن في أن عمل محمد عبد الوهاب موسيقي بحت، بينما عمل محمد محسن غنائي.
وتأثر "محمد محسن" بمحمد عبد الوهاب لم يستمر طويلاً، إذا استأثر باهتمامه منذ احترف التلحين كما ذكرنا الملحن الكبير "رياض السنباطي" فاقتدى به، ولولا شخصية "محمد محسن" الواضحة في كل ما قدم، لحسبنا أعماله التي لحنها لغيره ومنهم سعاد محمد من ألحان رياض السنباطي.
 
أعماله:
مرت أعمال "محمد محسن" الغنائية بمرحلتين، المرحلة الأولى وتضم كل أعماله التي لحنها وغناها بنفسه إبان احترافه الغناء في سني الأربعينيات. أما المرحلة الثانية ـ وهي مرحلة اعتزاله الغناء والتلحين لغيره ـ فتمتد من أوائل الخمسينيات وحتى الآن.
وفي هذه المرحلة التي تزيد عن الثلاثين عاماً، لا نلمس تطوراً ملحوظاً عنده، اللهم إلا من طفرات كانت تتبدى هنا وهناك.
ألحان المرحلة الأولى لا تزيد عن خمس عشرة أغنية، منها أربع قصائد هي "نشوة، لقاء، وهي من نظم رامي ـ أين كأسي، ومن هي.." وأغنيتان شعبيتان "يا أم العيون الكحيلة، والليلة الليلة سهرتنا حلوة الليلة" وهذه الأخيرة نالت شعبية كبيرة حتى أضحت شعاراً لبرامج سهرات إذاعة صوت العرب الأسبوعية، وقد غنتها فيما بعد المطربة المعروفة "نجاح سلام"، وأربع أغنيات في قالب المونولوغ هي: "يا طير، الحب الأول، على باب الحبيب، والحبيب الجديد" وخمس أغنيات خفيفة من النوع الدارج آنذاك هي: "مين أنت، مالك يا أحلى من القمر، عيني لما القمر، عدد نجوم السما، وغننا يا شادي، ورقصة الفن".
في المرحلة الثانية، وهي مرحلة التلحين لغيره، نجد أن ألحان هذه المرحلة اتسمت بالغزارة، وأنه لحن لعدد كبير من المطربات والمطربين ومازال يقوم بالتلحين لهم. أشهر المطربات اللائي لحن لهن: سعاد محمد، نجاح سلام، وردة، نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، نازك، نور الهدى، فيروز، سميرة توفيق، صباح، وداد، حنان، فدوى عبيد، ماري جبران، شريفة فاضل، مها الجابري" وغيرهن.
وأشهر المطربين الذين لحن لهم واشتهروا بألحانه هم: "وديع الصافي، نصري شمس الدين، عادل مأمون، محرم فؤاد، محمد قنديل، طلال المداح، محمد عبده، صباح فخري، محمد رشدي، فهد بلان.
أجمل القصائد التي لحنها هي: "جلونا الفاتحين" لسعاد محمد، "حاضرنا وماضينا المجد يتغزل فينا" لنازك، "ابنة الأحزان" و"حبي الكبير" من شعر "عبد الله الفيصل" وغناء "نور الهدى"، "أبحث عن سمراء" لمحرم فؤاد "زهر الرياض انثنى" لماري جبران.
أما الموشحات التي أبدعها بأسلوبه الحديث فأعذبها: "يا غزالاً" لحنان، "سيد الهوى قمري" من نظم عاصي الرحباني وغناء فيروز، "أنحلتني بالهجر ما أظلمك" لنور الهدى، "رماه" لمها الجابري، وموشح ديني "يا رب صلي على النبي" الذي غنته فايزة أحمد.
احتل المونولوغ جانباً كبيراً من اهتمام "محمد محسن" فلحن فيه عدداً كبيراً منذ أعطى سعاد محمد لحنه الشهير لأغنية "دمعة على خد الزمن" في مستهل الخمسينيات، ومن أبدع ما أعطى في هذا الضرب من الغناء "يا مسافر" لطلال المداح و"خاصمتني عيني" لمحمد عبده، و"أداري وأنت مش داري" لنجاة الصغيرة، و"النجمات صاروا يسألوا" لوديع الصافي، و"حبايبي نسيوني" لماري جبران. أما في باب الأغنية الدارجة والخفيفة، فلحن لكل المطربين والمطربات العشرات من الأغاني، منها على سبيل المثال: "يا أغلى الحبايب" و"على باب حارتنا" لوردة الجزائرية، و"سلم عالحبايب"، وطق ودوب، وحبيتك لالالا" لصباح، و"ياوابور الساعة اثنا عشر" لمحمد رشدي و"سيبوه لوحده" لعادل مأمون، و"طل الحليوه وآه يا زين" لشريفة فاضل،و"عهد الله" لمحمد قنديل و"انسيت كيف انسيت" لنجاة الصغيرة، وأغنية متفردة بألحانها لنصري شمس الدين هي "ما أصعب عا القلب يوم السفر"، وأغنية "يا حلوة تحت التوته" لنازك.
وإلى جانب هذا الإنتاج الثر، نجد محمد محسن يشارك ويلحن العديد من المسلسلات فلحن بالاشتراك مع بليغ حمدي مسلسلاً تلفزيونياً لوردة الجزائرية، وانفرد بتلحين مسلسل "الوادي" لصباح فخري، ومسلسل آخر لوديع الصافي لحساب تلفزيون الكويت.
ولمحمد محسن بعد هذا عدد من الأغنيات التي غناها إبان نشأة الإذاعة السورية بعد الجلاء. وقد عثرنا على أغنيتين من أغانيه المفقودة وهي أغنية "يا بوسطجي" من تأليف "صلاح نقشبندي" وأذيعت من إذاعة دمشق في الخامس من كانون الأول 1947، والثانية "الأبيض والأسمر" من تأليف "عمر حلبي" وأذيعت في الثاني عشر من كانون الأول عام 1947. وأغنية ثالثة لحنها لمطربة قديرة تعرف باسم "نجاح فتحي" التي اعتزلت بعد زواجها، واسم الأغنية "أنا وأنت في الدنيا" وهي من نظم أنور الكاوردي، وأذيعت من الإذاعة السورية بتاريخ الأول من كانون الأول عام 1947.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق