العمارة الدمشقية وتفاعلها مع التراث المعماري والعمارة العالمية الحديثة

24 تشرين الأول 2010

خلال القرنين التاسع عشر والعشرين تطورت العمارة في دمشق تطوراً سريعاَ، وانفتحت على أساليب متعددة فرضتها تدخلات المعماريين الأجانب في عمارة بعض المنشآت العامة.

ثم تسربت اتجاهات العمارة الأوروبية الشائعة بواسطة المعماريين المحليين الذين درسوا في الغرب.

وللحديث عن تفاعل العمارة الدمشقية مع المستحدثات المعمارية، لابد أن نتحدث أولاً عن خصائص العمارة التقليدية التي استمرت شائعة قروناً طويلة في أنحاء سورية، وفي هذا البحث سنقوم بجولة سريعة نقف خلالها أمام المنشآت العامة التي تعتبر الأنموذج الأكثر وضوحاً لفن العمارة المحلية في تصاميمها المختلفة.


قصر العظم بدمشق

مارة المسكن التقليدي:
ولكي لا يفوتنا الحديث عن المسكن الخاص أولاً فإننا سنبدأ بالكلام عن قصر العظم، بوصفه منشأة تتمثل فيها جميع خصائص المسكن الدمشقي، ثم بصفته قصراً للوالي يؤدي وظيفة إدارية وسياسية.

وقصر العظم (والذي رمم بعد حرقة عام 1925)، ما زال بحالة سليمة كشف عن ملامحه الأساسية التي كانت عليه منذ أنشأه في العام 1749 بإشراف والي دمشق أسعد باشا العظم. أما القصور الأخرى مثل قصر معاوية والأبلق وقصر السعادة وقصر المشيرية، وقصر الوالي كنج يوسف باشا وقصر ناظم باشا للمهندس خورشيد المصري، فلقد أزيلت ولا محل لدراستها في هذا البحث.

ويتألف قصر العظم من خمسة أقسام، قسم المعيشة، وقسم الاستقبال، وقسم الخدم، وقسم مرآب العربات، والحمام. وتنفتح الأقسام الثلاثة الأولى على فناء داخلي في وسطه بركة ماء. وثمة إيوان كبير في قسم المعيشة، وإيوان أصغر في قسم الاستقبال.

ندخل إلى القصر من باب واحد يؤدي إلى دهليز يتوزع في اتجاهين، واحد إلى قسم الاستقبال، والآخر إلى قسم المعيشة، ومنه إلى قسم الخدم والمطبخ والحمام. وتشكل الأفنية الثلاثة رئات مليئة بالأشجار والورود.

يتألف البناء من طابق واحد، إلا من غرفة سرية في أعلى الإيوان الكبير. وإذا كان هذا البناء هو الأنموذج الأكبر لعمارة البيوت السكنية إلا أن البيوت الأخرى كانت مؤلفة من طابقين اثنين، ومن إيوان واحد يشرف على الفناء الداخلي، وفي طرفيه قاعتان ذات سقف مرتفع حتى مستوى الطابق الثاني.


مئذنة قايتباي
في الجامع الأموي بدمشق

عمارة المسجد:
كان الجامع الأموي الأنموذج الأقدم لبناء المساجد، ثم جاء بعده الأسلوب الفاطمي ثم المملوكي وقد حافظا على أقسام البناء المسجدي (الحرم والصحن) وإن اختلف شكل المئذنة، والقبة، والزخرفة الداخلية، وكان للمئذنة المملوكية طرازها المتميز تمثل في مئذنة قايتباي في الجامع الأموي، ومئذنة القلعي، ومن أبرز المساجد التي أنشئت في العصر العثماني كان التكية السليمانية المؤلفة من مسجد ذي مئذنة وقبة وصحن محاط بحجرات مخصصة لطلاب التكية، ومن تكية صغرى ذات مصلى بدون مئذنة ومن صحن محاط بحجرات أيضاً.


صورة قديمة للتكية السليمانية

وهذه التكية بقسميها، هي من تصميم المعمار العثماني الشهير سنان الذي أنشأ أولاً الخسروية في حلب. ثم أنشأ في تركيا عدداً كبيراً من المساجد الضخمة مثل السليمانية في استنبول والسليمية في أدرنه، ولقد قام العطار الشامي بالإشراف على تنفيذ مخططات التكية السليمانية بدمشق في العام 1520.

طرأ تطوير حداثي على بناء الجامع، نرى أنموذجه الواضح في جامع يلدز، ومنذ عام 1950 ابتدأت بالظهور منشآت مسجدية استمدت تصميماتها من العمارة العربية الحديثة، وكان أكثرها مؤلفاً من بناء منفتح على الخارج مزين بفتحات ونوافذ وزخارف عربية حجرية، ومحاط بحديقة أرادها المعمار صحناً للجامع. ولم تستطع هذه الحدائق أن تقوم بوظيفتها جيداً كمصلى في الهواء الطلق، ولكن ومن ميزات هذه العمارة احتواءها على قاعات للمحاضرات أو الاحتفالات، أو مستوصفات، أو مدارس كما في جامع الإسعاف الخيري، وقد بدت المدرسة أكبر حجماً من المسجد.


صورة قديمة
لنصب ساحة المرجة بدمشق

في أعلى نصب ساحة الشهداء، نموذج برونزي مصغر لجامع السلطان عبد الحميد في قصر يلدز-اسطنبول، أنشئ هذا المسجد في العام 1898 عند زيارة الإمبراطور غليوم الثاني إلى الدولة العثمانية بدءاً من العاصمة.

وكان المعمار الألماني دارانكو قد صمم هذا المسجد الذي حقق فيه تطوراً حداثوياً بارزاً في عمارة المسجد، دون أن يتخلى عن المشهد الخارجي التقليدي للمساجد العثمانية.

ولقد زرت مراراً هذا الجامع لوقوعه تجاه الجناح الذي أعد لضيافة الإمبراطور (والذي أصبح مقراً لمركز أرسيكا الذي توليت رئاسة مجلسه عقداً من الزمن) شدني هذا المسجد إليه لأنه النموذج الناجح لتقريب المسافة بين الطراز المعماري الإسلامي الذي ابتدأه المعمار سنان وبين الطراز الحديثة.

شرط البيئة والمناخ:
لاشك أن المناخ الذي يميل إلى الحرارة والجفاف وهو السائد في منطقتنا تطلب طريقة معمارية تتكيف مع ظروفه، خدمة للإنسان سواء في الصيف حيث يحتاج الساكن إلى تسريب تيارات الهواء. أو في فصل الشتاء حيث لا بد من الاحتفاظ بالمكتسب الحراري الذي توفر عن طريق التمتع الأقصى بحرارة الشمس، مع تقليل فقد الحرارة من المبنى.

وبصورة عامة سعى المعمار لتأمين التكييف الحراري والإضاءة والتهوية، فكيف تم تحقيق هذه الشروط؟..

أولاً: عن طريق اختيار المكان الملائم لإقامة المدينة، موقع تتوفر فيه جميع شروط التمتع بالطبيعة، وضمان الأمن، وتحقيق الاتصال مع أطراف المدينة وبواباتها.

ثانياً: اللجوء إلى مبدأ (التضام) أي تقارب مباني المدينة بعضها مع بعض بشكل متراص، لمنع تعرض الواجهات للعوامل الجوية، كما أن الاختلاف في ارتفاعات المباني سيؤدي إلى التخفيف من تأثير الشمس والرياح.

وكان من نتيجة هذا المبدأ المتضام، أن ضاقت الشوارع وأصبحت مجرد حارات أو نهج ضيقة، تستوعب حركة الناس المشاة، ونادراً ما تستوعب مرور العربات إذ لم يكن يحسب بعد حساب الحافلات وحاجتها إلى الشوارع العريضة.

البحث عن رئة المسكن:
لقد أصبحت كتلة المباني المتراصة تبدو وكأنها بناء واحد مغلق لا يطل على ساحات أو طرق عريضة، فكان لابد من البحث عن رئة خاصة بكل مسكن، وكان الحل في (الفناء الداخلي) لتأمين الانفتاح على نور الشمس، وعلى السكينة، ونقاء الهواء، في فضاء بعيد عن الضوضاء والتلوث، والتبدل الحراري.

ومن جهة أخرى لعبت الطرقات الضيقة والمتعرجة في المدينة القديمة دوراً يحاكي دور الفنان الداخلي في حماية المدينة من العوارض الجوية، فهي تحمي من الحرارة في الصيف وتحمي من البرودة والرياح في الشتاء.

مواد البناء:
تكمن أهم عناصر العمارة التقليدية في خاصية (مواد البناء)، ولقد تأكد أن المواد الأساسية الإنشائية هي الطين، أو الخشب، والحجر، ولم يكن الاسمنت والحديد مألوفاً.

أما الطين فلقد بدا بأشكال متنوعة وهي الدك واللبن المجفف كألواح أي الطوب، والآجر والقرميد المؤلف من الطين المشوي.

ولقد تبين أن مادة الطين على اختلاف أنواعه، كان مادة حافظة من الرطوبة والبرودة والحرارة.

أما الحجر سواء كان كلسياً أو بازلتياً فهو حافظ للحرارة أيضاً، ويصبح وسيلة زخرفية عندما يستعمل مداميك متعاقبة، تتناوب فيها الألوان. كما أن الزخارف المحفورة أو المنقوشة على الحجر الأبلق أضفت على البناء خاصية متميزة وجمالاً.

ويمتاز الخشب بقدرته على امتصاص الحرارة بنسبة كبيرة، كما يمتاز بسهولة تشكيله بالخرط أو الحفر، إلى جانب متانته وخفة وزنه، وإمكان تلوينه.

ولاشك أن كسوة الجدران بمادة الكلس، يساعد جداً في حماية المسكن من التقلبات الحرارية.

التكييف الطبيعي:
تبدأ عملية التكييف الطبيعي بالفناء الداخلي، الذي يعد رئة المسكن فلقد تبين أن هذا الفناء، على الرغم من انفتاحه نحو الفضاء، يحقق حماية كاملة وعزلاً عن المناخ الخارجي وتأثيره الحراري وعن الهواء والرياح، والصوت والضوضاء والتلوث، ذلك إن الهواء الخارجي الحامل للحرارة والغبار، يحوم فوق الفناء دون أن يتسرب إلى العمق، ذلك بسبب عدم وجود منافذ تساعد على تحريك هذا التيار الهوائي وجذبه إلى الخارجي.

ثم إن الفناء وقد قام بوظيفة الرئة، ساعد على التمتع به من خلال الإيوان المفتوح عليه، ومن خلال الزخارف الجدارية المحيطة به، ثم من خلال نباتات الزينة، من أشجار الليمون والكباد والنانرج والمانوليا والياسمين والورود، ومن خلال البرك المائية التي يتدفق إليها الماء من خلال الصنابير والنوافير، فيساعد على ترطيب الهواء الجاف.

لم تحفل دمشق بملاقف الهواء (البادغير) التي تساعد على تهوية وتكييف البناء، وذلك بسبب المناخ المعتدل الذي لا يتوفر في مدن أخرى، مثل دبي وأصفهان، ولكن لابد من ذكر ميزات هذه الطريقة في التكييف لكي تحل محلها وسائل التكييف الاصطناعية والعالية الكلفة.

تطور العمارة في هذا العصر:
عدد كبير من المباني السكنية في دمشق ما زالت محافظة على خصائصها وأصالتها، ولكن ثمة تأثير معماري وافد تمثل بالنظام المعماري الباروكي الذي انتشر في أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، ثم تمثل بالنظام الكلاسي المحدث الذي جاء بعد الباروك، ثم انتشر النظام المعماري المتوسطي في الساحل السوري، وانتقل إلى العاصمة دمشق، وأعقبه نظام كولونيالي ثم ظهرت العمارة الحديثة.

لم يغير أسلوب الباروك من تفاصيل العمارة التقليدية، فلقد استمرت خاصية الجوانية والانكفاء على الفناء الداخلي، واستغلال المياه في ترطيب الجو وتأمين النظافة.

ولكن الشيء الطارئ كان الزخارف الباروكية الحجرية التي انتقلت ولعلها جاهزة مسبقة الصنع، من إيطاليا وألمانيا، ومثالها في بيت شمدين، الذي أزيل بسبب التنظيم في ركن الدين، ولكننا احتفظنا بزخارفه الحجرية والخشبية، وقدمناها لتزيين القاعة الدمشقية التابعة للقصر الجمهوري. ومثال آخر على الطراز الباروكي نراه في مكتب عنبر الذي رمم وحصل على جائزة الآغا خان.

على أن أهم تغيير طرأ على نظام العمارة التقليدية، تم بعد ظهور عمارة تتبع الطراز المتوسطي نسبة للمباني التي انتشرت على امتداد شواطئ البحر المتوسط.

انتشرت في دمشق أكثر هذه المباني على امتداد جادة الصالحية وحتى الجسر الأبيض وما زال منها بناء مدرسة الفيحاء، وفي الشارع الطويل وشارع مدحت باشا، مازالت بعض المباني التي تعود إلى هذا الطراز.

ويعد هذا الطراز تطويراً للطراز الكلاسي المحدث. ولكنه أحدث انقلاباً كاملاً في نظام العمارة المحلية، ويعود السبب في انتشار هذه العمارة، إلى تواجد جاليات أجنبية، والانفتاح على الثقافة الأوروبية.

قام هذا الطراز على مبدأ الانفتاح الكامل على الشارع مع الاعتناء بالواجهات التي زينت بالفتحات والنوافذ المؤطرة والمتوجة. كما يمتاز بظهور طوابق تعلو قبواً واسعاً وفي ذروته غرفة أو مجموعة غرف يعلوها سقف جملوني قرميدي.

وهكذا ألغي الترتيب الجواني الذي قام على الإيوان والديار المزدان بالنباتات والورود، والفسقية في وسطه، ولم يعد للزخارف التقليدية محل في التزيين الداخلي، بل أصبحت الجدران عارية بيضاء وإن زين بعضها بمشاهد ملونة، واقعية ساذجة، كما انتهى عهد الخشبيات الملونة (العجمي) واختفى الأبلق وزخارفه النجمية، ولم يعد للبرك المائية مكان لاستغلال حركة الماء.

إشكالية الحداثة:
أمام زحمة الاتجاهات المعمارية الحديثة، وسيطرة طرزها على العمارة المحلية في العالم. كان لا بد من البحث في مدى تفاعل عمارتنا الحالية مع التراث المعماري والحداثة المعمارية.

ولكن الحداثة المعمارية تعرضت في بلاد منشأها لنقد شديد بسبب اعتمادها على الحداثة التشكيلية التي قامت على التجريد، حتى أصبحت العمارات الحديثة، كتلاً نحتية أكثر منها عمارة، يشهد على ذلك منشآت تابلوت رايت السكنية ومنشآته العامة مثل متحف ـ غوغنهايم في نيويورك... ومن هنا كانت الدعوة إلى ما بعد الحداثة، والتي اتجهت نحو البحث عن الجذور والارتباط بتاريخ العمارة مما ساعد بالبحث عن معالم هوية معمارية، تعيد الارتباط بالإنسان وثقافته، وعقائده، وتقاليده الاجتماعية، ولقد تلاقت هذه الاتجاهات مع مساعي جميع المؤسسات الدولية التي تعنى بالعمارة، عن طريق البحث والتشجيع، للعودة إلى التراث المعماري المتنوع بحسب تنوع الحضارات، شريطة الارتباط بالظروف المعاصرة التي في نفسها أولاً على عمران المدن، وبالتالي على طراز العمارة.

العمران وأثر السيارة:
لقد كان ظهور وسائط النقل الحديثة منذ القرن العشرين أهم مسبب في تعديل النظام العمراني للمدن، هذه الوسائط كالسيارات التي حلت محل عربات تقودها الخيول، فرضت نظام الشوارع العريضة والمستقيمة، وبالتالي فرضت نظاماً معمارياً ينسجم مع التنظيم العمراني وأشكال الشوارع.

ولعل هويسمان الذي خطط شوارع باريس العريضة في العام 1830، بتوجيه من الإمبراطور بونابارت الثالث، قد تنبأ بقدوم وسائل مواصلات متطورة عن الوسائل الراهنة على ضخامتها وترفها، أو لعل المباني الضخمة المستقلة المحاطة بحدائق كبيرة كقصر الإليزيه وبناء البرلمان، قد فرضت بيئة واسعة تمثلت بالساحات الواسعة والشوارع العريضة المحيطة بها.
العمارة في بيئتها:
فرض مبدأ العمارة في بيئتها نفسه على تنظيم المدينة وبالعكس. وهكذا نرى المباني في الأحياء السكنية متراصة على بعضها، منكمشة على ذاتها، كما هي في الأزقة والحارات المتداخلة الضيقة.

وعندما فرضت السيارة حضورها في المدينة، تباعدت المباني عن بعضها بوجائب كافية، وانفتحت البيوت على الشارع الذي شكل هيكل وخارطة المدينة الحديثة، وتخلت المباني عن خصائصها الجوانية. كما تخلت عن كتلتها المتراصة المنخفضة، واستبدلتها بكتل مفككة تتبارى بالتعالي والارتفاع، وأصبحت زينة العمارة خارجية تخدم الشاعر والمدينة، والعالم الخارجين بعد أن كانت داخلية تخص ساكني المنشآت لتكون فردوسهم الخاص تحمي استقلاليتهم، وحاجتهم للتفرد والراحة والاستقلال.

هذه الخصيصة (الجوانية) ألغيت نهائياً، كما ألغي (القياس الإنساني) الذي يكرس العمارة لساكنيها وليس للمدينة، وحل القياس الرياضي الذي يسعى إلى تحقيق انسجام الكتل المعمارية وفراغاتها مع نظام الشوارع المتصالبة، وعاد النظام الشطرنجي الذي كان سائداً في العصور الكلاسية، في المدينة الإغريقية أو الرومانية، ليصبح منطلق منظم المدن الحديثة.

هذا التحول الكبير في شكل المدينة والعمارة، أدى إلى تغيير كبير في حياتنا الاجتماعية التي انتقلت من الخصوصية إلى الانفتاح على العمومية.

وهكذا أصبح البحث عن المقياس الإنساني في العمارة من أهم مطالب المعمار بعد الحداثوي. فقد انتقل الهم من إرضاء منظم المدن، إلى إرضاء الساكن الذي من أجله أنشئت العمارة وأنشئ الشارع، وليس لإرضاء سائق السيارة أو أي حافلة مشابهة.

ولكن لم يصل هذا البحث إلى هدفه، بسبب استحالة إلغاء الشارع، بل على العكس ظهرت الشوارع العالية كالجسور وانتشرت الأنفاق تحت الأرض، لكي تزيد من هيمنة الشبكة الطرقية على المدينة، مما دفع المعمار إلى البحث عن مدينة جديدة، مثل براز يليا التي صممها المعمار أوسكار نيماير وصمم مبانيها، لكي يحقق التناغم بين العمارة والعمران ووضع العمارة في بيئتها.

ولكن ليس سهلاً إهمال المدن التاريخية الكبرى بعد أن أفسدتها الجسور والأنفاق دونما حل عمراني يبدأ في خلق أحياء جديدة في المدينة، لكي تعود إلى المقياس الإنساني في تصميم عمارة المستقبل.

صحيح أن المؤسسات الوطنية والعالمية تسعى إلى إنقاذ العمارة من الهجانة والتجرد من أصالتها، ولكنها لم تفكر أبداً بتحضير البيئة العمرانية التي تجعل عمارة المستقبل محافظة على هويتها ووظائفها الأساسية، عمارة تنشأ في بيئتها.

ونحن نعرف أن مؤسسة الآغا خان ومنظمة المدن العربية وغيرها، تشجع العمارة الأصيلة منتقدة العمارة المنتشرة منذ الحرب العالمية الثانية لهجانتها. ولكن هذه المؤسسات تحاشت دائماً مسألة النظام العمراني الذي يكون البيئة المناسبة للعمارة التي تشجع على انتشارها.

أمثلة عن البيئة المعمارية:
هكذا فإن إشكالية تطوير العمارة باتجاه الأصالة لم تنطلق من نقطة إعادة النظر في تكوين البيئة العمرانية، وهذا ما سعى إليه حسن فتحي، فلقد ابتدأ عمارته التأصيلية بإنشاء مدينة (القرنة) حيث تحكم أولاً بالبيئة العمرانية، ثم انتقل إلى تصميم العمارة الأصيلة. ولكنه عندما انتقل إلى بيئة عمرانية جاهزة أصبحت المباني غريبة وصعبة الالتحام مع البيئة المعمارية التي فرضتها البيئة العمرانية الشوارعية.

ويعود نجاح وداد دالوكابي التركي في تصميم عمارة جامع الفيصل في إسلام آباد عاصمة باكستان، أو المعمار الفرنسي بانصو في تصميم عمارة مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء، إلى أنهما تكفلا تصميم نسيج معماري متكامل، شكل بيئة عمرانية عاش المسجدان في سوطهما..

أما برج العرب في دبي، فلقد كان على شكل سفينة شراعية، وأصبح البحر كله البيئة المناسبة لهذه السفينة المعمارية.

وحاول مصممو فندق شيراتون بدمشق إبداع طريقة ذكية في جعل البناء كتلة تنفتح كلياً على صحن ذي (سلسبيل) ضخم، وهذا الصحن مفتوح على المدينة بوصفها صحن البناء. وعبر (السيباط) عند مدخل الفندق عن علاقة وشيجة بين بناء الفندق وبين بيوت افتراضية متاخمة له.

الطرز المعمارية المتعاقبة في هذا العصر:
منذ نهاية القرن التاسع عشر، ظهرت في دمشق عمارات عامة وخاصة تأثرت بطرز العمارة الأوروبية، بل لعلها نسختها تماماً ومن أبرز هذه الطرز:

1- الطراز الباروكي:
ومثاله واضح في مكتب عنبر وفي بيت شمدين الذي أعيد استعمال زخرفته في القاعة الدمشقية 1982 وكنا تحدثنا عنه.

ومنشأ هذا الطراز أوروبا كلها، فلقد سيطر على عمارتها في القرنين السابع عشر والثامن عشر لكي ينتشر في العمارة الكلاسية (الإغريقية الرومانية) ويتجاوز طراز عصر النهضة لكي ينتشر في العمارة والتصوير والنحت والزخرفة، متمثلاً في جميع أشكال المتاع، من أدوات وملابس وزينة وتصفيف شعر ويتميز هذا الأسلوب بالغنائية والحركية والإفراط بالزخرفة.

ومنذ بداية القرن التاسع عشر عام 1830 ابتدأ هذا الأسلوب بالظهور في استنبول أيام السلطان محمود الثاني وبدا واضحاً في بناء قصر ضولمة بقجة الذي أنشئ في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

وتمثل هذا الطراز في دمشق بالزخارف الحجرية والجصية التي يبدو أنها كانت تستورد جاهزة.

2- الطراز الكلاسي المحدث:
ومثاله في بناء السراي. منذ بداية القرن العشرين كان على الوالي ناظم باشا أن ينفذ مشروعاً هاماً يتعلق بتمديد سكة حديد الحجاز، وكان السراي أولى المنشآت التي أقامها هذا الوالي، وتعود إلى الطراز الكلاسي المحدث الذي ظهر في باريس على يد كاترمير دوكانسي ومن المفترض أن مخططات هذا البناء استوردت جاهزة.

3- الطراز المتوسطي:
نسبة للبحر الأبيض المتوسط ويبدو أنموذج هذا الطراز في عمارات كثيرة مثالها بناء مدرسة الفيحاء في جادة الصالحية بدمشق وعشرات الأبنية التي كانت قائمة في طريق الصالحية وفي منطقة الخراب عدد منها.

4- الطراز الكولونيالي:
وهو الطراز الذي انتشر منذ العصر العثماني في استنبول والمدن الكبرى العربية مثل ـ القاهرة ودمشق والجزائر ـ وأمثلة هذا الطراز وافرة في حلب حي الجميلية والعزيزية، أما في دمشق فإن أبنية المشفى الإيطالي والمدرسة الإيطالية هي من أبرز الشواهد على هذا الطراز ويعتقد أن عناصر هذه الأبنية، كانت مسبقة الصنع.

5- طراز الأسلوب الجديد:
ومثاله بناء العابد الذي أنشئ في العام 1910، ويعتقد أن تصميمه منقول وأن دراسته مستوردة، قدمها المعمار الألماني ماينسر، وقام بتنفيذها بدقة المعمار الإسباني فرناندو دو أراندا، هو من أجمل وأكمل الأبنية التي تمثل هذا الطراز.

6- الطراز المحلي المحدث:
ومثاله بناء محطة الحجاز، وهو بناء غير مستورد بل هو أول بناء يجمع بين الأصالة والحداثة، وضع تصميمه المعمار الإسباني دو أراندا وأشرف هو على تنفيذه، وقام أبو أمين الدهان، بتصميم الزخارف الداخلية وبتنفيذها.

وخلال أكثر من خمسين سنة أنجز المهندس دو أراندا عدداً من الأبنية، فقد صمم بناء البسام تجاه بناء مجلس الشعب ويمتاز هذا البناء على بساطته باستعمال الموازييك الإسمنتي الملون كإطارات للنوافذ والأبواب. كما أنجز المهندس دا أراندا عدداً من البيوت الفخمة مثل منزل عطا الأيوبي ومنزل جميل مردم بيك في حي نوري باشا..

7- الطراز المحلي الحديث:
المشمول بعناصر معمارية تقليدية ومثاله ـ بناء قصر العدل وبناء مؤسسة عين الفيجة وكلاهما للمعمار عبد الرزاق ملص، وقام أبو سليمان الخياط بتصميم زخارف عين الفيجة وتنفيذهما، ويدخل في هذا الوصف بناء البرلمان الذي أشرف على تصميمه وتنفيذه سامي النعماني وبهاء الدين زمبركجي وقام بتصميم زخارفه أبو سليمان الخياط.

وعني هذا الطراز باستغلال العناصر المعمارية التقليدية كالقوس والعمود، وبالزخارف الحجرية في الواجهات. ويدخل في هذا الوصف بناء ديوان المحاسبات للمعمار عمر مالك. والتجهيز الأولى التي صممها المعمار اللبناني يوسف أفتيموس وأشرف على تنفيذها رئيس مهندسي الأشغال العامة سليمان أبو شعر.

8- الطراز الحديث الأوروبي:
وأمثلته كثيرة أبرزها فندق الشرق (أوريان بالاس) غربي محطة الحجاز، من تصميم المهندس اللبناني أنطوان ثابت أنجز عام 1932، ويتبع هذا الطراز أساليب العمارة الحديثة التي ظهرت خلال القرن العشرين في أوروبا وأهم خصائص هذا الطراز تحقيق الوظيفة حسب متطلبات العصر، وإبداع كتلة معمارية جمالية تفرض حضورها على المنطقة، وتفسح في المجال إلى تأمين حاجة الساكن بالإطلالة على بانوراما واسعة من مشهد المدينة، والتمتع بالضياء والشمس.

ولهذا المهندس اللبناني تصميم بناء آخر هو بناء القدسي مقابل بناء البريد ولا يرقى هذا البناء إلى أهمية بناء فندق الشرق.

والمثال الآخر بناء فندق أمية الكبير أو عمر الخيام الذي شيده سامي باشا مردم بك في العام 1928 وقام بتصميمه المعمار اللبناني فريد طراد.

9- طراز الحداثة:
ومثاله مبنى مكتبة الأسد الوطنية، ومبنى دار الأوبرا والمعهد العالي للموسيقى وقد أشرف على تنفيذه المهندس عماد بشور، وإذا كانت واجهات هذا البناء الغربية تقترب من الأصالة، إلا أن واجهته الشرقية صماء مجردة.

ولقد وجه إلى تصميم المكتبة الوطنية نقد حاد، ونظراً لأنها جمعت جميع انحرافات الحداثوية، مما دفع مؤسسة الإسكان العسكرية إلى إضافة زخارف داخلية شرقية محدودة.

أما قصر الشعب الذي صممه المعمار الياباني كينزو تانغي. فلقد استمد عمارته من عمارة قصر تل حلف وأضاف المهندس طلال عقيلي في داخله زخارف شرقية.

البحث عن الأصالة والمعاصرة:
كان هاجس المعماريين وما زال الوصول إلى عمارة تحقق فيها الشرطان. الأصالة والمعاصرة ومن الممكن النظر إلى عمارة فندق الشيراتون على أنها أفضل مشروع يحقق ذلك الهاجس، تم ذلك في كتلة البناء وفي تفاصيله الخارجية والداخلية، فلقد وظف العناصر المعمارية الأصيلة، الأبراج، السيباط، السلسبيل القبوات المصلبة، الحجر الأبلق... إلى جانب الزخارف الشرقية، أحسن توظيف.

قواعد الأصالة المعاصرة:
وأخيراً يجب أن نقف قليلاً عند هذا المطلب الأساسي في تحقيق الأصالة والمعاصرة، فما هي الشروط التي تحققه:

جوائز التحديث والتأهيل والدراسات النظرية:

1- إن استجابة المعماريين لدواعي وأهداف الجوائز المعمارية والإسلامية، قد شجع على القول، إن الطريق إلى عمارة إسلامية معاصرة ومستقبلية أصبحت واضحة، ولكن هذه التصاميم والمشاريع الإبداعية تحتاج دائماً إلى دراسات نظرية قد تقوم المنظمات الوطنية ودورياتها بسد هذا النقص. وتتضمن جوائز الملك فهد جائزة خاصة لأبحاث العمارة الإسلامية، ولقد حصرت هذه الجائزة بالأبحاث الأكاديمية يقوم بها معماريون واختصاصيون ناشئون.

2- بعض المعماريين يسعى إلى تعميق أبحاثه النظرية لدعم مذهبه المعماري التطبيعي، نذكر منهم المعماري بديع العابد (من الأردن)، والمعماري راسم بدران (من فلسطين) ولقد حددت اللجنة الدولية معايير عامة لتقويم التصاميم المعمارية وهي التالية:

العمارة وتفاعلها مع البيئة، العمارة للتعبير عن المتطلبات الإسلامية الاجتماعية، ولتكون داعماً لأسلوب الحياة الإسلامية وجسراً يربط بين التقاليد والمستقبل.

3- لقد استطاع رفعت الجادرجي (من العراق) أن يدعم أعماله المعمارية بفكر جدلي نقدي تبدى في عدد من مؤلفاته، وبخاصة كتاب «مفاهيم ومؤثرات نحو فن معماري دولي ذي أساس إقليمي»، وهو يرى أننا نستطيع أن نغني تاريخ العمارة المعاصرة بعمارة إقليمية نابعة من العمارة الموروثة، وهو يرى أن العمارة نتاج تفاعل جدلي، فليس من مساواة بين الخصوصية الإقليمية وبين النقل من الماضي، فلكل عصر تقنياته وتعبيراته وقيمة الجمالية الخاصة، كما أن الهروب إلى الماضي ما هو إلا تعثر في سياق التقدم المرموق.

ويؤكد الجادرجي على فكرة مهمة، وهي أن العمارة العالمية لا تزدهر وتغنى إلا بإعطاء فرص للبعد الإقليمي، الذي يثري الدولية المعمارية.

4- لقد استطاعت الجوائز المعمارية أن تدفع بالإمكانات الإبداعية للظهور ساعية إلى الأفضل في مجال خلق عمارة إسلامية تنتسب إلى هذا العصر، وفي تكوين معماريين ملتزمين مع تعميق فهمهم لخصائص هذه العمارة الحديثة الأصيلة ويجب الاعتراف أن دور لجان التحكيم كبير جداً ومهم في وضع الأسس التي يمكن أن تقوم عليها العمارة في عصرنا هذا، فلجان التحكيم المؤلفة من معماريين ومؤرخي فن وعلماء اجتماع وأثريين، قادرة على وضع الحدود الدقيقة للعمل الناجح، وفرض الشروط العلمية لتحقيق الأصالة المعمارية. ولابد أن يكون واضحاً أن ما تقدمه هذه الجوائز والمسابقات من شواهد ناجحة على العمارة الإسلامية الحديثة، سيبقى مثالاً وأنموذجاً لدارسي العمارة الإسلامية، وسيدخل تاريخ هذه العمارة من بابه العلمي العملي.

5- نستطيع استخلاص بعض الأسس التي قامت عليها قرارات لجان التحكيم في منح جوائز، لنرى إلى أي حد يمكن أن تتوضح اليوم فلسفة العمارة الإسلامية الحديثة:

أولاً: إن أهم أساس أن ينتسب موضوع العمارة لفن العمارة وليس لفن الزخرفة أو النحت، كما تم في غرناطة وبعض المساجد والقصور، ويجب أن نذكر على ذلك مثال بناء المجلس الوطني في دكا عاصمة بنغلادش، فمع أن شهرة المعمار (لويس كاهن) أصبحت عالمية، فإنه قدم نموذجاً رائعاً من النحت والزخرفة الفراغية في هذا البناء، ولكنه لم يقدم نموذجاً على فن العمارة المحضة.

ثانياً:أن ترتبط المنشأة المعمارية بالمجتمع الذي تنشأ فيه من حيث كونه مجتمعاً ريفياً أو مدنياً، فقيراً أو غنياً، كم تم في مدينة حسن فتحي.

ثالثاً: أن ترتبط هذه المنشأة بالتاريخ والجغرافية فليس من المعقول أن نقيم في الصين بناء من الطراز المملوكي أو العثماني أو نقيم في ألمانيا مصنعاً للتبغ والدخان نستوحي منه بناء المساجد المصرية والعثمانية ولكننا نقبل أن يقام مسجد (نيوتيد) في بكين، لأنه أكثر انتماء لتاريخ وجغرافية الصين، وإن كنا نشعر بجمال الثقافة الإسلامية من خلال مسجد (ابتليكا) في (كاشي) (الصين).

رابعاً: أن تتلاءم العمارة الإسلامية الحديثة مع الحضارة القائمة والأسلوب المعماري الشائع، وهذا ما يطلق عليه اسم العمارة في موطنها.

مع ذلك فإننا نجد أنفسنا مضطرين أحياناً لإقامة عمارة إسلامية حديثة في وسط حضاري مختلف نشأت فيه أو انتقلت إليه جالية إسلامية، كما يتم في أوروبا وأمريكا، فهذه العمارة الزائرة تحتاج إلى رعاية خاصة، تخفف من حدة اختلاف الشخصيات المعمارية.

إن هذا يتوضح بجلاء في تعدد الشخصيات المعمارية في الحي الدبلوماسي في الرياض. لقد استطاع المصممون أن يخففوا من حدة التعددية بابتكار فضاء حدائقي ينتمي إلى البيئة، وإقامة مجمعات كبيرة ذات طراز عربي محلي، هكذا أصبحت ملامح الحي موحدة، ولكنها أشبه بالوحدة المتحفية التي تضم أنماطاً استعراضية لطراز الفن المعماري الحديث في العالم.

ولابد من التذكير أن مسألة التوفيق بين أسلوب العمارة المضيف والأسلوب الضيف، كانت موضوع التصاميم المرشحة لجائزة الملك فهد للتصميم والبحث في مجال العمارة الإسلامية، في دورتها الأولى 1985-1986.

خامساً: يجب أن يكون الإبداع المعماري الحديث مفهوماً بمنطق الجمالية الإسلامية، وليس شرطاً لذلك أن يكرر عناصر تقليدية إلا عندما يكون ذلك ضرورياً من الناحية الثقافية أو التاريخية، فالمساجد التي أنشئت في (كوالالامبور) و(بريوني) و(سلطنة صباح) انفصلت عن التقاليد الهندية والصينية، ولكنها لم ترتبط بالجمالية الإسلامية.

سادساً: عدم الانزلاق إلى التبعية الغربية، وهو شرط هام، وبخاصة بعد أن توضحت أكثر فأكثر مبادئ مدرسة ما بعد الحداثة، وبعد أن تدخل في تصميم المنشآت الإسلامية، معماريون عالميون يميلون إلى هذه المدرسة، ونقول بعدم الانزلاق إلى هذا التيار خشية العودة إلى التبعية وإلى ضياع الشخصية المعمارية الإسلامية من جديد، وهذا ما نراه واضحاً في عمارة المجلس الوطني في (دكا) التي تنتسب بوضوح لمدرسة ما بعد الحداثة، ولا تلتقي مع الأصالة المحلية.

6- إن منزلق الانحراف نحو ما بعد الحداثة، يبدو أكثر سهولة عندما نرى أن الأصالة وما بعد الحداثة اتجاهان معاديان للحداثة بصفتها التجريدية غير المنتمية، ولكن ما بعد الحداثة تعود بالمعمار الغربي إلى تاريخه وتراثه هو، حيث يراه في الفن الروماني والقوطي والباروكي والفكتوري والكلاسي المحدث... الخ. وليس من الممكن إتباع هذا المذهب، ولكننا مع ذلك نفهم الأصالة من خلال وحدة الهوية المعمارية، ومن خلال التعددية، ونحن نشترك مع مدرسة ما بعد الحداثة في هذا، على أن نفهم جيداً أن الهوية المعمارية الإسلامية ليست أبداً هي الهوية المعمارية الأوروبية أو المسيحية.

7- إن هذه الشروط الأولية التي لا بد أن تأخذ لجان التحكيم بها، ولا بد أن تدخل في توصيف العمارة الإسلامية الحديثة، نراها ماثلة باطراد في كثير من المباني العامة والخاصة التي تنشأ في البلاد العربية الإسلامية، ويجب أن نسوق مثلاً على هذه المباني التي يقوم بتصميمها معماريون محليون أو أجانب، عمارة وزارة الخارجية في الرياض التي استحقت جائزة الآغا خان عام 1985 بجدارة، وهي للمعمار هينيج Larsen Henning، هذه العمارة تستطيع أن ترسم شكل العمارة السعودية في المستقبل، فلقد ارتبطت بتقاليد العمارة المحلية، وهي عمارة إسلامية صرف، واستجابت لظروف المناخ وللوظيفة وللمحيط العمراني، وعبرت عن جدية العمارة وجلالها بوصفها مقراً لوزارة الخارجية موئل الأجانب والممثلين الدبلوماسيين، الذين يفضلون أن يدخلوا في مناخ ثقافي واجتماعي ومعماري أصيل. واستطاعت هذه المنشأة أن تدخل عالم الإبداع من أبوابه المعاصرة، بمنظور حضاري إسلامي، ولقد استخدمت في هذه المنشأة عناصر معمارية إسلامية كثيرة دون أن يشكل هذا تكراراً ونسخاً.

8- إن أبنية كثيرة صممها معماريون من غير المسلمين، كانت ناجحة وتقوم على أسس سليمة، مما يجعلني أقول أن ثمة مدرسة استشراقية في العمارة الحديثة، لا بد أن تكون موضع اهتمامنا ودراستنا في معاهدنا المعمارية، التي تحتاج إلى كثير من المعطيات لتوضيح معالم العمارة الإسلامية في العلم الحديث والتأهيل المعماري الحديث.

9- إن مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء هو أحدث عمارة إسلامية أصيلة، إضافة إلى ضخامته التي تفوق مساحة أي مسجد مماثل، ثم إن هذا المسجد أقيم على نشز من الأرض امتدت تحته خصيصاً، لكي يتحدى البحر، فيجثم فوقه شامخاً بمئذنته التي تعلو فوق السحاب والغيوم، مهيمنة على مدينة الدار البيضاء، هذه المدينة الحديثة التي أصبحت تفخر بأروع منشأة إسلامية.

إن المساجد المغربية التي بناها المرابطون والموحدون من المغاربة، الذين أسهموا في بناء مجد العمارة الإسلامية، مازالت ذكرياتها ماثلة في صوامع مساجد إشبيلية في الأندلس والكتبية في مراكش وحسان في الرباط. ولقد جاءت الصومعة الجديدة لتكون الرابعة في تاريخ الأوابد المغربية، وإن كانت تفوق مثيلاتها حجماً وارتفاعاً. فلقد قامت على مساحة 625م2 وبارتفاع 200م تقريباً، يمتد هذا الصرح المعماري على مساحة واسعة مقدارها تسعة هكتارات، وهو مسجد ومدرسة في جهة، ومكتبة ومتحف في جهة أخرى، ضمن وحدة معمارية متماسكة، تجلت فيها جميع سمات الفن المعماري والزخرفي المغربي الذي ما زال مزدهراً حتى اليوم.

ومازالت الفنون المغربية منتشرة وشائعة في المغرب بفضل الصناع المهرة الذين يمارسون الزخرفة بالزليج أي الخزف بأشكال هندسية وكتابات، وبالزخرفة الجصية والخشبية والرخامية، ولقد استوعب هذا الصرح إبداعاتهم التقليدية مع إضافات معاصرة، وبخاصة في الصيغ والتقنيات. وليس هذا الصرح نقلاً حرفياً عن عمارة الصروح القديمة، ولكنه حافظ إلى حد بعيد عن تقاليد العمارة الغربية الأوروبية التي انتشرت في مدينة الدار البيضاء بحكم صفتها التجارية والسياحية، وقد لايكون المكان كافياً للحديث عن التقنيات الحديثة التي أضيفت إليه، وبخاصة استعمال الليزر للدلالة عل القبلة، وإقامة ركائز مضادة للهزات والأمواج، والتَحات بفعل المياه، وعن سقف المسجد القابل للانفتاح مما أنجزه مصمم البناء (ميشيل بانصو)، ذلك أن الروائع التي أنجزها آلاف المعلمين المغاربة، هي الأكثر أهمية في هذا المسجد.

==
مصدر المادة
: الحياة التشكيلية العدد 81، 82، 83


د. عفيف البهنسي

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

arch-news.net:

جميل ورائع هذا الموضوع واسمحوا لي ان اضيف ان سورية تمثل سلة من فاكهة الفكر المعماري على مر العصور

wafa:

vrément c'est magnifique
ce sing la grandeur de la construction de syrie
mais svp
vous pouvez afficher l'edifice de office de anber
les plan les façades
j'ai cherché déja sur google mais j'ai pas trouvé bcp d'info
je vais etre remerciant

algerie