الشرق والغرب في مدونات الأنماط الزخرفية التدمرية

15 حزيران 2007


في السنوات ما بين 1981 و1990 عملت في تدمر بعثة أثرية سورية ألمانية مشتركة في المدافن-البيوت مثل المدفن رقم 36 في وادي القبور. اقترنت أعمال التنقيب هذه مع دراسة مقارنة أجريت على هندسة العمارة والزخرفة المعمارية لكل المدافن-البيوت في تدمر. ما يزال المؤلف النهائي لهذا البحث تحت الطبع. أود من خلال هذه الورقة القصيرة التأكيد على مسألة أصل وانتقال مختلف الأنماط الزخرفية المستخدمة في المنحوتات المعمارية في المدفن رقم 36 من جهة، وفي الزخرفة المعمارية لهذا القبر من جهة أخرى.

عموماً يُظهر النحت المعماري في المدفن رقم 36 (المؤرخ بحوالي 210-220م) موضوعات حب الحياة (ديونيزية) وموضوعات بحرية وكذلك الموضوع الشائع في الرمزية الجنائزية للغرب الروماني. وبالفعل يمكن البرهنة على أن النحت المعماري للقبر رقم 36 يرجع إلى الأنماط الزخرفية الكرتونية أو أنماط المدونات الزخرفية التي تطورت في الأصل أو على الأقل استعملت لنحت التوابيت إما في روما أو في أثينا أو في آسيا الصغرى. فمثلاً الكيوبيد الممتطي صهوة الدلفين والذي يحمل المظلة والذي يمكن رؤيته فوق أحد مداخل المدفن رقم 36 له ما يماثله بشكل تصويري بارز على التابوت المصنوع في روما في منتصف القرن الثاني الميلادي، وهو أقدم من كيوبيد تدمر بجيلين.

فُسر كيوبيد روما حتى الآن بأنه إضافة هزلية لـ"مالينتندو" أو لبنّاء غريب. لكن العمل الفريد في تدمر المشابه له إلى حد بعيد يستدعي تفسيراً آخر: فبنّاء تدمر ربما لم يعرف شخصياً شيئاً عن تابوت روما. لذلك علينا أن نسلم بوجود كارتون أو مدونة للأنماط الزخرفية والتي استخدمت في مثل هذه الحالة في ورشة للتوابيت بروما واستعملت لاحقاً بسورية من قبل ورشة يبدو أنها نقلت هذا الكرتون لنحت عمارة النصب. تؤكد سائر المنحوتات المعمارية الأخرى في القبر رقم 36 استعمال مدونات الأنماط الزخرفية المختلفة للتوابيت الغربية ونقلها إلى النحت المعماري.

نستطيع أيضاً أن نتتبع بالتفصيل هذا الانتقال لأمثال مدونات الأنماط الزخرفية التابوتية من الغرب إلى تدمر. إن الوضعية الفنية للنحت المعماري في القبر رقم 36 تبرهن أن الزخارف النافرة لم تنفذها ورشة تدمرية محلية بل ورشة كانت قادرة على تنفيذ هذه الموضوعات الغربية بأسلوب غربي ملائم. ويرجح أن الزخارف النافرة نفذت من قبل الورش الكبرى المقيمة على الساحل السوري (صور/صيدا): لقد استوردت هذه الورش توابيت من الغرب بكميات كبيرة، وقلدوها محلياً ووزعوها في المناطق السورية الداخلية. إن الإقامة المؤقتة لمثل هذه الورشة في تدمر والقادمة من الساحل السوري يتلاءم أيضاً وما نعرفه حول انتقال الرخام الأجنبي كمادة بناء: وصل هذا الرخام أيضاً إلى البلاطات الرخامية الضخمة على الساحل ووزع من هناك إلى سورية الداخلية وكذلك إلى تدمر ذاتها.

منحوتات جنائزية من مدفن الأخوة الثلاث

على النقيض من النحت المعماري فإن الزخرفة المعمارية للقبر رقم 36 قد نفذت بعناية من قبل ورش محلية تدمرية. لا يؤكد ذلك على الأسلوب التدمري الفني النموذجي في الزخرفة فحسب بل يتأكد ذلك من خلال أسماء البنائين التدمريين المكتوبة على العديد من الأحجار. ويبدو أن هذه الورش المحلية استخدمت نوعين من الكرتون أو مدونات الأنماط الزخرفية: كارتونات الغرب الروماني من جهة، ومدونات الأنماط الزخرفية من جهة أخرى والتي تعود إلى تقاليد المنسوجات المحلية.

تمثلت المجموعة الأولى ـ مثلاً ـ من خلال زخرفة السقف التي ترد إلى تفاصيل زخارف السقوف من آسيا الصغرى الجنوبية. طوّر نظام الرسم الهندسي للسقف الآخر من القبر رقم 36 بالأصل ضمن فن الفسيفساء الروماني في الغرب.

أما المجموعة الثانية من مدونات الأنماط الزخرفية فقد استخدمت من قبل بنائين تدمريين من أجل نقاط معمارية زخرفية ترجع إلى أنماط زخرفية نسيجية محلية أو شرقية. يصبح هذا دليلاً عندما يتم رسم سائر الموتيفات الإفرادية للزخرفة في القبر رقم 36 ووضعها ضمن تسلسل منتظم. وهذا يجعلنا قادرين على إعادة تصميم مدونات الأنماط الزخرفية التي استخدمها البناؤون. تُظهر مدونات الأنماط الزخرفية عدداً قليلاً من الموتيفات الأساسية المختلفة والتي حوّرت تبعاً لنظام محدد وتكررت بعد ذلك بشكل دائم.

يمكن أن تستخدم الطريقة ذاتها لإعادة تصميم مدونات الأنماط الزخرفية من خلال رسم سائر الموتيفات الإفرادية للزخرفة وتنظيمها لزخرفة المنسوجات في النحت الجنائزي. ومن خلال مقارنة هذه المدونات المعاد تصميمها يتضح أن الأنماط ذاتها قد استخدمت لأجزاء محددة من الزخرفة المعمارية، وبخاصة لزخرفة الأسقف والأعمدة، ولزخرفة المنسوجات ضمن النحت الجنائزي وبمقارنة هذا الدليل مع الأوابد الأخرى من تدمر يتضح بمقياس أكبر أن الورش المعمارية التدمرية قد طبقت مدونات الأنماط الزخرفية لمشاغل النحت التدمري.

إضافة إلى ذلك تبرهن اللقى النسيجية الأصلية من تدمر بالتأكيد أن أنماطاً زخرفية نسيجية محلية أو مشرقية قد نقلت إلى نحت الحجارة ومن ثم إلى العمارة. ويمكن البرهنة على أن النقل اتبع هذا السبيل وليس السبيل الآخر كالكثير من الأنماط التي يمكن العثور عليها في المنسوجات بشكل أقدم من المنحوتات أو في الزخرفة المعمارية. فمثلاً نظام الدوائر المضفورة كنوع من الموتيف الرئيس للزخارف المعمارية التدمرية في القرن الثالث، يظهر أيضاً على ملابس الأمير الفرثي سنطروق من مدينة الحضر في القرن الميلادي الثاني بل وأقدم من ذلك يمكن مشاهدة نظام الزخرفة ذاته على قطع نسيجية أصلية عثرت عليها حالياً البعثة البولندية في تدمر في مدفن كيتوت البرجي (40م). تُظهر قطع نسيجية أخرى من المدفن ذاته سلاسل تامة من الأنماط الزخرفية التي تكرر ظهورها فقط في النحت الجنائزي وكذلك في الزخرفة المعمارية بتدمر. ضمن هذا السياق فإن المثال الأكثر أهمية هو الأنماط الزخرفية للنجم الثماني الرؤوس المكون من مربعين متداخلين: يمكن العثور على هذا الموتيف على الثوب الذي عثر عليه في القبر البرجي لإيلابل (103م) ويمكن أن يرجع إلى رمز فرثي للفضاء. وبالدقة فإن الأنماط ذاتها (انظر اللآلئ حول النجم والزهرة في المركز) تظهر ثانية لاحقاً في الزخرفة المعمارية في القبر رقم 36.

كملخص لما تقدم نستطيع أن نعيد تصميم وجود مدونات الأنماط الزخرفية الواسعة الانتشار ذات الأصول المختلفة والحياة المديدة. إن هذه المدونات للأنماط الزخرفية استخدمت بجلاء ونقلت من قبل ورش عملت في مجالات مختلفة لمشاغل المنسوجات ومشاغل النحت والورش المعمارية.


أندرياس شميت كولينيه

الحوليات الأثرية العربية السورية|المجلد الثاني والأربعون|1996

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق