نزيه أبو عفش.. يعرض جدليته «الحجر والبشر» بريشة شاعر يرسم قسوة الحاضر في معرضه المتميز بالمركز الوطني للفنون البصرية
04 حزيران 2018
.
افتتح المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق معرض الفنان الشاعر نزيه أبو عفش بعد ظهر يوم الأحد 3 حزيران الجاري، بحضور لافت من متذوقي الفن والفنانين والإعلاميين..
ورافق افتتاح المعرض توزيع دليل أنيق لأعمال المعرض ضم كلمة للأستاذ غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز جاء فيها:
«نزيه أبو عفش» الكاتب والشاعر، والفنان، في معرضه نكتشف عمق الانسجام التعبيري بين هذه التسميات الثلاثة، لكن في أعماله الفنية التي تتماثل أمام الرائي تبقى المحاكاة مباشرة أكثر، إذ إن كثيراً من المفردات: حجر وقماش، مربعات وكتل وتفاصيل عديدة، تنصهر في إبداعه للتعبير عن حالة إنسانية شديدة الحساسية اتجاه قسوة الحاضر.
الجميل أن الكتل الصخرية والحجرية في تفاصيلها وتكويناتها هي «وجوه» بشكل من الأشكال وتتقارب بما يثير النظر بروحها التعبيرية التي تحتويها أو تحملها.!
ما يميز أعمال الأبيض والأسود هو التماهي والاختصار في التفاصيل والتكثيف الأصيل ما يكسب الأسود والأبيض حضوراً ذا أهمية عميقة. أبيضه نور ملون.. وأسوده محرض كبير.. وعدم وجود كم كبير من التفاصيل يجعل المأساة مخرزاً في العين.
اللون لم يُنقص مما قيل. لكن أعطاه بعداً بصرياً آخراً، وهذا يدل على أصالة التعبير بالأبيض والأسود، تكويناته متميزة جداً على تنوع الخامات التي يشتغل عليها، وتقنية اللون الواحد تحددها «عصبية» اللحظة من الموضوع الذي أمامه. خامات قليلة ولكنها غنية حيث وجودها..
مفرداته قليلة وزاهدة، كما تقانته، لكنها تصبح متعددة وغنية حسب تناوله للموضوع ونسيج بنائه وخاماته، فتعامله مع مادة الأسود، وفي نفس الوقت رهافة تدرجاته، يجعل أعماله بمنتهى الحساسية وشاعريتها حادة. وعندما نشاهد معالجته للحجم والفراغ، نشعر بـ «نزيه» النحات، كما نشعر بـ«نزيه» الحفار أمام الخامة ومداعبته للأبيض بشكل خاص، هنا نكتشف جانب من الشاعر الرسام.
كم من الشعراء كانوا رسامين مدهشين ومختلفين ومميزين عن أقرانهم انطلاقاً من جمعهم لمواهب مختلفة، نزيه أبو عفش واحد منهم باقتدار..
وكان للفنان بسام كوسا كلمة في مستهل الدليل جاء فيها:
هل تستطيع أن ترى الأزرق في الكأس الأسود؟
وأن ترى لون الأرجوان في الورة السوداء؟
وترى الحزي الشفيف الأبيض في الخطوط السو لوجوه متعبة؟
«نزيه» حمل بكفيه حفنة خزر ملون ونثرها فوق.. فوق جداً، ليلتقط اللحظة الحلم ويقدمها لنا مساحة روح، أجسادٌ متعبةٌ ملتصقةٌ ببعضها، مشكلة كحومة حنان وألم، وعيون تشي بالهلع وكسر الخاطر مما أتى وما قد يأتي.
حوَّل الأحمر، والسيكلما، والبرتقالي الصارخ، والأصفر الحلو، والأزرق، واللازوردي، والأخضر الفستقي، إلى لون سيد واحد، إلى الأمير العبقري الأنيق، فارس الألوان، شاغل الدنيا ومائي الأرواح.. سيدنا الأسود البهي النضر.
أما الإعلامي بديع صنيج، عضو مجلس أمناء المركز، كان له كلمة حول المعرض جاء فيها:
ليست فقط لوحة العشاء السري هي ما يحيلنا في أعمال نزيه أبو عفش التشكيلية إلى الحديث عن الأيقونات، فجل ما يشتغل عليه هو تقديس البشر، واستنباط أكبر قدر ممكن من إنسانيتهم التي تظهر بشفافياتها المختلفة في معرضه، حتى كأن خطوط أعماله بمثابة رسم للهالات أكثر منها تحديد ملامح، وستكتشف رويداً رويداً أنه لا يشبع وجوه لوحاته بالتفاصيل بقدر ما يعزز مقادير عطائها للرائي، فالصلة مع أعمال «نزيه» تكمن في عمق النور وتفاسير الظلال وتواشيح الفحم التي تميل لأن تكون ذهبية. إذ إن الحكمة التي فطر عليها الشاعر لا بد ستتبدى في لوحاته ذهباً، وكما أنه ينشغل بتكثيف صوره الشعرية ودلالات نصوصه فإنه يختزل في لوحاته ما استطاع ليبقي على روح الشكل ونورانيته، وكأن كل ما رسمه ووقع عليه تشكيلياً لا يخرج من كونه أيقونات من نور، ولو كان ما يرسمه مجرد بضعة حجارة.
هنا تتبدى يومياته الناقصة والربيع الذي مضى ككائنات من روح الألم، وكي لا تقام لها تماثيل التكريم المر، فإن «نزيه» يمرر خطوطه عليها، ويؤسطرها كجزء من بحثه المستمر في ذاكرة العناصر، وسعيه الدائم لتخليدها، باختيارات مشبعة بالحساسية على صعيد التكوين الكلي وملء تشظي الكائن بضوء الشعر، فكأنه يرسم قصائده وشخوص يومياته، ولذا لا تستطيع أن تفصل بين ما يكتبه صاحب «الله قريب من قلبي» وبين ما يرسمه، ففي كلا الحالتين هو ثاقب الرؤيا، وفريد في روحانية وصدق ما يشتغل، ومولع دائم بتقشير طبقات الألم والظلمة، بغية الوصول إلى جوهر النور والسلام والسكينة، ولو كان ذلك بأسرِ البياض الناصع داخل خطوط سوداء تشع بهاء.
من الجدير ذكره أن المعرض مستمر في قاعات المركز الوطني للفنون البصرية، مقابل كلية الاقتصاد، في البرامكة بدمشق، والدعوة عامة
اكتشف سورية
المركز الوطني للفنون البصرية |
من أعمال الفنان الشاعر نزيه أبو عفش |
من أعمال الفنان الشاعر نزيه أبو عفش |