أكثـم عبد الحميد: النحات السوري مبدع ينتظر الدعم
16 أيار 2015
.
لم يكتف النحات أكثم عبد الحميد يوماً بهمه الذاتي كفنان تشغله صناعة مجده الشخصي فمنذ بداية مشواره وبعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة عام 1981 كانت تتلبسه حالة عشق تجاه النحت وسورية معاً، فحمل همّ كل النحت السوري على عاتقه ولم يدّخر جهداً في التأسيس لحركة نحتية احترافية في سورية عبر تأمين كل ما يلزم لدعم النحات السوري وخاصة الشباب منهم لذا يستحق لقب «أبو النحاتين السوريين الجدد».
يحمل عبد الحميد في رصيده الفني الكثير من الإنجازات الذاتية والإدارية للنحت السوري فهو عندما كان مديراً للمعهد التقاني للفنون التطبيقية استطاع تحويل هذه المؤسسة الصغيرة والفقيرة بإمكاناتها المادية إلى نبع جميل يعطي أجيالاً من النحاتين الشباب الموهوبين والمتمتعين بخبرة عجز عن تقديمها كثير من الأكاديميات الفنية في العالم، ولعل كلية الفنون الجميلة في دمشق منها، إذ استطاع خلق حالة إبداعية في هذا المعهد قائمة على المنافسة واكتساب الخبرات من خلال استقدام الأسماء المهمة في النحت من سورية والعالم لإقامة ورشات عمل وملتقيات داخلية وخارجية عديدة ما أسس لجيل من النحاتين الشباب المميزين خاصة من الجنس اللطيف الذي كان بعيداً قبل ذلك عن عالم النحت وخشونته وما يتطلبه من عناء في التعامل مع الكتل الكبيرة خاصة الحجر والرخام.
أسس عبد الحميد، عندما كان مديراً للفنون الجميلة في وزارة الثقافة، لحركة نحتية سورية نشيطة من خلال مجموعة ملتقيات دولية للنحت على الحجر والخشب مستفيداً من عضويته في منظمة «ايزم» العالمية المهتمة بالملتقيات النحتية خارج الأستوديو حيث كان واحداً من بين 42 مديراً من كل أنحاء العالم واستطاع إدراج اسم سورية على أجندة ملتقيات النحت العالمي وبدأت الملتقيات منذ عام 2008 واستمرت حتى عام 2012 في قلعة دمشق حين بدأت الأزمة بالاشتداد.. يقول عبد الحميد عنها في لقائنا معه في بلدة الشيخ بدر بطرطوس: «لم نستطع بعد آخر ملتقى في عام 2012 أن نستقدم أي نحات عالمي إلى سورية بسبب الضخ الإعلامي الكبير المعادي لبلدنا ما شكل حالة خوف وتراجع لدى النحاتين العالمين عن القدوم والمشاركة في أي ملتقى أو فعالية».
إن فكرة الحدائق النحتية السورية في إسبانيا التي أطلقها عبد الحميد وأشرف عليها حيث ضمت 40 عملاً نحتياً في مدينة «المونيكار» انتهى تنفيذها عام 2010 تعد أهم مشروع ثقافي استراتيجي سوري في الخارج، ويرى صاحب هذه التجربة أننا بحاجة فعلية اليوم للتخلص من العقلية الفردية والمزاجية في التعاطي مع الفعل الثقافي والفني وتكريس العمل المؤسساتي المخطط مع وجود هيئة استشارية للشؤون الثقافية الاستراتيجية الداخلية والخارجية لترسيخ فعل دائم ومستمر في كل الجوانب الثقافية والتشكيلية. يقول: «نعاني اليوم من عدم وجود ملتقى نحتي يكتسب سمة الديمومة كملتقى أسوان الدولي في مصر، وهذا يتطلب تخصيص ميزانية خاصة وسنوية لهذا الملتقى وغيره من الأنشطة كالورشات والمعارض، ويكون منظماً من قبل لجنة متخصصة وبعيداً عن مزاجية أصحاب القرار وغير مرتبط بوجود مسؤول معين حتى لا يتوقف بذهابه أو تغييره». يتذكر عبد الحميد تجربة الملتقيات النحتية التي بدأت وانتعشت مع مهرجان المحبة لكنها فيما بعد توقفت مع توقفه.
ولأنه لا يعرف الراحة أو الانتظار اتجه مدير المركز الثقافي السوري في إسبانيا بعد عودته مؤخراً إلى إقامة ملتقى نحتي على الحجر في مدينة الشيخ بدر تكريما للمجاهد الشيخ صالح العلي بمشاركة عشرة من أبرز الأسماء في النحت السوري وعن هذا الملتقى يقول: «تم إطلاق هذا الملتقى بزمن قياسي حيث تم تحديد ميزانية مختصرة تفي بالمطلوب من دون الضغط على ميزانية وزارة الثقافة، واستفدت من خبرتي الطويلة في تنظيم الملتقيات للتغلب على الوقت فحضرت الكتل الحجرية من الحجر التدمري الأبيض المناسب للمنطقة التي نشتغل فيها حيث ستبقى الأعمال فيما بعد فيها عشرات السنين، كما وقع اختياري على أسماء لها خبرة طويلة في التعامل مع الحجر وبإمكانها تقديم المطلوب في زمن قياسي نسبياً قبل انطلاق مهرجان الشيخ صالح العلي الثقافي في المكان ذاته في ساحة الضريح»، موضحاً أهمية تكريم رموز المقاومة السورية الذين رفضوا تقسيم سورية رغم الإغراءات وزرعوا ثقافة المقاومة فينا كشعب أصيل حتى صارت الأسرة السورية اليوم تقدم أولادها فداء للوطن من دون تردد بكل نبل وكرامة وشجاعة.
عبد الحميد المولود في جبلة عام 1955 يؤكد أن الأزمة التي نعيشها أثرت بقوة في كل شيء ومنها النحت فهناك الكثير ممن غادروا البلد للخارج، كما أن أغلب الصالات الفنية أغلق أبوابه واقتصرت النشاطات على وزارة الثقافة التي اختزلت أيضاً الفعاليات التي كانت ترعاها ما شكل حالة عدم توازن في المناخ التشكيلي عامة والنحت بشكل خاص، عن ذلك يقول: «إن النحات السوري في الخارج تائه في بيئة جديدة لا مكان فيها للموهبة من دون دعم إعلامي وجهة مسوقة للعمل الفني وهذا الدعم لا يحصل عليه إلا عدد قليل من النحاتين السوريين في الخارج والبقية يناضلون للتعريف بأعمالهم عبر مشاركات في ملتقيات أو معارض ليشكلوا نواة تؤسس لحضور فني وعملي لهم».
النحت السوري متميز وله هوية خاصة -كما يراه عبد الحميد- وهذا التميز تم تأسيسه من خلال أسماء في النحت السوري ظهرت في فترة الثمانينيات حملت همّ النحت الجاد والمرتبط بالأرض والإنسان السوري مثل محمد بعجانو ومظهر برشين إلى جانب عبد الحميد، وهذا أخذ يظهر فيما بعد من خلال تنامي حضور الأعمال النحتية السورية في الملتقيات الخارجية وحصولها على الجوائز في فترة التسعينيات وما بعدها وصولا للجيل الجديد الذي يعلق أبو النحاتين السوريين الجدد آمالا كبيرة عليه قائلاً: «أنا مؤمن بالشباب لأننا كجيل أسسنا لهم نواة لينطلقوا منها للعالمية من خلال تكوين حالة ثقافية وتقنية في النحت السوري، فاليوم النحاتون الشباب يشاركون في ملتقيات عالمية ويحققون حضوراً جميلاً في سياق التجارب الحداثية التي يشهدها النحت العالمي وهذا شيء مهم من جميع النواحي للحالة الفنية والثقافية السورية، وأغلب هؤلاء الشباب شاركوا في تنفيذ الحدائق النحتية السورية في إسبانيا وأثبتوا حضورهم المهم».
عبد الحميد حاصل على عدة جوائز عالمية منها الجائزة الثانية في ملتقى دبي للنحت عام 2005 من بين أربعين دولة مشاركة، والجائزة الثانية في ملتقى طهران للنحت عام 2011 من بين 25 دولة مشاركة، ويعبر صاحب التجربة الفنية الطويلة في ختام حديثه عن تفاؤله بمستقبل النحت السوري بقوله: «نمتلك نحاتين بمستوى فني عالمي كما لدينا أرضية مهمة للإبداع ينقصها فقط الظرف الملائم للعمل والدعم المادي فالنحات اليوم تعب كما الإنسان السوري وينتظر انتهاء الأزمة وسيحقق إبداعات وإنجازات مهمة جداً في عالم النحت عند توافر المناخ المناسب والدعم اللازم»..
محمد سمير طحان
tishreen.news.sy