ريشة حيدر يازجي توقفت عن الإبداع
14 تشرين الأول 2014
جسد القيمة العظيمة للجندي السوري في ملحمة تشرين
لم تتوقف ريشته يوماً عن الإبداع إلا حين تجمدت أنفاسه، وحين توقف قلبه النابض بالأحاسيس والمشاعر الرقيقة عن الخفقان، هكذا خسر الفن السوري نقيب الفنانين التشكيليين حيدر يازجي الذي ووري الثرى في مدينته اللاذقية. تميزت ريشته كفنان بنمط خاص، فقد أبدع في رسم الأشخاص بمقاساتهم الحقيقية من خلال تجسيد التفاصيل الصغيرة بعبقرية وعفوية وإحساس بأن الأشخاص المرسومين يتحركون، وتنوعت أعماله بين البورتريه والطبيعة والتوثيق.
أهم المحطات
بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة تم ترشيحه لبعثة، كانت لديه الفرصة لدراسة أكثر من اختصاص، وكان يعمل ما بين «15 إلى 17» ساعة يومياً، وحصل على ماجستير في «إخراج الديكور السينمائي والتلفزيوني» وفي الوقت نفسه ماجستير في التصوير الزيتي، وكان من محبي كلية الرسوم المتحركة لذلك كانت أطروحة الدكتوراه وضع أول قوانين حركة لأفلام الكرتون ووضع سلسلة «كيف يمكن أن تحرك الأجسام»، وقد اعتمدت هذه الأطروحة كتاباً يدرس في معهد السينما لكونه أول كتاب يشمل جميع قوانين الحركة للرسوم المتحركة.
يتحدث يازجي عن أهم المحطات في حياته في إحدى حواراته فيقول: «إن في حياتي نقاطاً أساسية تبدأ من مرحلة التكوين في معهد الفنون التشكيلية في حلب وفترة وجودي في موسكو التي أعدّها فترة انتقال من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف والتميّز، وكنت أحاول ملاحظة ودراسة أعمال أعظم الفنانين العالميين والاستفادة منهم، وخلال وجودي في موسكو قدمت نحو 12 معرضاً، وعندما عدت إلى سورية أقمت أول معرض عرض فيه نحو 600 عمل وهو نتاج أعمالي في موسكو.
في سورية
ويتحدث يازجي عن الفن التشكيلي في سورية، فاعتبر أن هناك شيئاً مميزاً في سورية لا نجده في معظم الدول، وهو انتشار العديد من الأماكن في كل أنحاء البلد لتعليم الرسم للأطفال ومن قبل مدرسين محترفين، ما يساعد على تنشئة جيل مبدع إضافة إلى اهتمام الدولة التي تتيح التدريس في مراكز الفنون التشكيلية وبأسعار رمزية، وبالتالي فقد توفرت للجيل الجديد معاهد وكليات ودعم من الدولة والأهل الذين يشجعون أبناءهم على الفن، وأيضاً حركة الإفادة التي قامت بها الدولة بإرسال بعثات إلى الخارج، إضافة إلى أننا في النقابة كنا نقيم معارض سنوية لتشجيع الشباب على عرض أعمالهم الفنية.
قال اليازجي في حوار لمراسلنا: «إن الفنانين الشباب في سورية تميزت إبداعاتهم الفنية وتطورت اطلاعاتهم ونافسوا على مستوى الوطن العربي والعالم ما يدل على سعة خيالهم وقوة مواهبهم، ولاسيما أنهم ينالون رعاية الجهات الرسمية من خلال التشجيع والمسابقات وبعثات المعارض آملاً من هؤلاء الشباب أن يساهموا في بناء مستقبل يليق بسورية وبحضارتها».
وأضاف اليازجي أن الفنان السوري أبدع في كل المجالات سواء كان بالنحت أو بالتصوير الفوتوغرافي أو الزيتي لدرجة وصل فيها إلى «تحويل النفايات من شكل رديء إلى تكوين فني يعبر عن رقي هذا الفنان ومدى احترامه لبيئته وثقافته وتاريخه».
وعن سؤال حول الحركة الفنية في سورية أجاب أن الحركة الفنية في سورية قائمة منذ زمن طويل حيث تميز الفنانون وتركوا خلال مواهبهم صوراً حية تعكس حضارة سورية وثقافة أجيالها وهذا ما كان يبحث عنه اتحاد الفنانين التشكيليين ليقوم بتجسيده وتطوير دوره على الساحة الفنية نظراً لما تمتلكه بلادنا من قدرات فنية صقلتها المعاهد والجامعات والدورات ورعتها وزارة الثقافة واتحاد الفنانين.
حرب تشرين
يازجي هو من رسم لوحة البانوراما الرائعة عن حرب تشرين تلك اللوحة التي ضمّنها كل خبرته الفنية والتقنية ليجسد بها القيمة العظيمة التي أنتجها الجندي العربي السوري في تسطير تلك الملحمة المجيدة في تاريخنا المعاصر.
يقول: «لا أقيد نفسي، فالواقعية الصرفة هي رسم كل شيء كما هو على الواقع، أما أنا فأرسم ما أراه ضمن حدث فلدي ما يسمى الحالة التعبيرية، والفن فيه تعبيري وواقعي وانطباعي، وعندما رسمت تشرين وهي لوحة كبيرة لم أستخدم الواقعية فيها كما هي بل استخدمتها بحالة تعبيرية إذا أنا لم أقيد نفسي بمذهب الواقعية فقد رسمت شخصاً يركض أو صورة شهيد، فهذه عناصر واقعية لكنني أخذتها بتعبيري وانطباعي أنا عن الحرب، والواقعي أقرب إلى التسجيلي والتوثيقي، وأنا لا أسجل بل أرسم ليكون رمزاً للاستمرار فعملي يكون بين التعبيرية والانطباعية وهي على أسس واقعية ولكن الكثيرين لا يعلمون بوجود أعمال تجريدية لدي مثلاً».
في سطور
يمتلك الفنان الراحل صفحة خاصة على الفيسبوك تعنى بتسليط الضوء على البعد الفني والإنساني لأعماله وسيرة حياته، لكنه لم تحظ بالترويج المطلوب ولم تستقطب أكثر من 500 متابع.
ووفقاً لهذه الصفحة فهو من مواليد أنطاكية 1946، درس في مركز الفنون التشكيلية في حلب وكان الخريج الأول عام 1961، ودرس في المعهد العالي للفنون السينمائية في موسكو منذ عام 1970 وحتى عام 1981، حصل خلالها على ماجستير في الرسم والتصوير الزيتي، وماجستير في الديكور والإخراج الفني للأفلام، ودكتوراه فلسفة في العلوم الفنية «رسم وإخراج أفلام الرسوم المتحركة».
عمل في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون منذ عام 1977 حتى عام 2006، وعمل أستاذاً محاضراً في كلية الفنون الجميلة/ جامعة دمشق، ومركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني/ جامعة الدول العربية لمواد أهمها: الرسم والتصوير الزيتي، التكوين وجماليات الكادر السينمائي والتلفزيوني، أفلام الرسوم المتحركة، وهندسة الديكور، كما أسس أول استديو لأفلام الرسوم المتحركة في التلفزيون العربي السوري عام 1986.
والراحل عضو اللجنة العليا للمقتنيات والأعمال الفنية في سورية، وعضو لجان تحكيم في مجال المعارض التشكيلية والمهرجانات التلفزيونية والسينمائية في سورية وخارجها، وشغل منصب مدير مركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني التابع لاتحاد إذاعات الدول العربية منذ عام 2001 وحتى عام 2009، ولديه العديد من الأعمال الفنية واللوحات الجدارية والبانورامية، كما فاز بالعديد من الجوائز وشهادات التقدير والتكريم في سورية والدول العربية والأجنبية.
وقد شغل الفقيد منصب نقيب الفنانين التشكيليين السوريين منذ العام 2000، وأعماله مقتناة من وزارة الثقافة السورية، والمتحف الوطني بدمشق، وضمن مجموعات خاصة داخل سورية وخارجها.
الوطن السورية