الباحث الدكتور علي القيم: آثارنا سفيرتنا إلى العالم

13 آب 2014

.

رغم تخصصه العميق في علم الآثار يرفض الباحث الدكتور علي القيم التخصص الذي يقيد صاحبه ويمنعه من الخوض في شتى مجالات المعرفة مقتديا في ذلك بسيرة أعلام العلماء العرب رغم إقراره بأن الآثار في سورية تحتاج إلى المزيد من البحث والاكتشاف لتسبر أغوار أعرق الحضارات التي عرفتها البشرية وبأن الآثار هي سفيرتنا إلى العالم.

وفي حديث خاص لـ سانا قال القيم إن العمل الأثري هو بحث عن تاريخ وحضارة وفن كما هو منجز إنساني وإبداعي كبير وبالتالي من يعمل في الآثار على أيدي كبار العلماء مثل عدنان البني ومحمد أبو الفرج العش وعفيف بهنسي وقاسم طوير وباولو ماتييه وفان لون وديدريك ماير وسواهم لا شك بأنه سيتعلم من علومهم وثقافتهم ومنهجهم الكثير كما سيضيف إلى منظومته الثقافية كثيرا من الخبرات.

وعن المنهج الذي يتبعه في البحث الأثري قال أحاول أن أحقق شيئا من الشمول في المزج بين الأدب والثقافة والفن والتاريخ والحضارة.. فانا نشرت في هذا المجال أكثر من خمسة وأربعين كتابا وآلاف المقالات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ما جعلني أطلع على كثير من التجارب والثقافات وخصوصا أني دعمتها خلال حضوري مؤتمرات عربية ودولية.

وأضاف القيم.. «أنا لا أؤمن بالفصل أو بالتخصص في العلوم الإنسانية وأعتبرها مكملة لبعضها وهذا ما كنت أذهب إليه فأعتبر نفسي من الرعيل القديم يحرص على الوصول إلى المعرفة والتواصل مع الآخر لأن عملي كان بالثقافة ومن يعمل بهذا المجال فعليه أن يتعرف إلى أغلب الألوان الثقافية حتى يتمكن من التعامل مع الأشياء فلا أرى ضيرا من معرفة المسرح والفن التشكيلي والصناعات التقليدية والسينما والآثار والمتاحف كالشعر والقصة والمقالة».

وسرد الباحث القيم جانبا من مسيرته منذ بداية عمله في مديرية الآثار والمتاحف وتدرجه من موظف بسيط إلى مدير متحف الطب والعلوم عند العرب وتعمقه في هذا العلم موءكدا أنه لو استمر في هذا المجال لحقق إنجازات أكبر ولاسيما في علم الفلك والصيدلة الأثريين ولكن العمل الإداري جعله يهتم بالنهوض الثقافي منذ عام 1990 وحتى يومنا هذا.

وأوضح القيم أن العمل الأثري هو الرائد والمنطلق وما زال هو الدافع للكتابة وتسليط الضوء على منجزات الحضارة السورية والفنون القديمة وإبدعات الإنسان السوري عبر عصور زمنية موغلة في القدم لأننا أحوج إلى معرفة هذا التاريخ والعناصر المشرقة فيه وهي كثيرة جدا ولا بد من تسليط الضوء عليها لتكون مشعلا لمنطلق حياتنا بصفة التاريخ محركا للحضارة وتحولاتها.

وقال: «القيم إن ما تعرفت عليه من ثقافات أثرية وخبرات جعلني أبحث في حضارة سورية عبر مليون سنة مضت فمررت بعمق على إمبراطورية ايبلا والممالك الأخرى وكتبت عن المرأة في حضارات بلاد الشام القديمة وما يحمله الجامع الأموي من معان ثقافية وحضارية منذ عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك إلى عهد القائد الخالد +(بنك:حافظ الأسد)+).

وأضاف القيم إن المواقع الأثرية الكثيرة الموجودة في سورية تحتاج إلى اهتمام أكثر لأن هناك من المواقع المهملة والتي تحتاج إلى عناية قد توءدي إلى اكتشاف حضارات عريقة غير معروفة مبينا أن سورية تعتبر «متحف آثار في الهواء الطلق» حيث تضم ما بين ستة و سبعة آلاف موقع أثري وما نقب عنه حاليا لا يزيد على ثلاثمئة موقع.

وبرأي القيم فإن عظمة الإنسان السوري تمثلت بشموليته وثقافته وبكون حضارة بلاده فاعلة ومنفعلة وصانعة للحضارة منذ بدايات الثورة الزراعية الأولى وقبلها الأداة الصوانية الأولى التي استخدمها الإنسان في حياته العملية والفنية وبعدها عمليات التطور الحضاري التي كانت في الفنون والميثولوجيا والبناء وصناعة العربات إضافة إلى أن الأبجدية الأولى أيضا كانت في سورية التي أعطت للعالم دون حساب ما يرتب على هذا العالم الحفاظ على هذه العطاءات.

وبين القيم أن سورية كانت ملتقى الحضارات والشعوب وفي كل الدول كان هناك طريق واحد للحرير أما سورية فاحتوت على طريقين فالأول في حلب والثاني في تدمر وبالتالي كانت محطة للقوافل والتجارة وتلاقح الأفكار والمعتقدات وتبادل المنتجات الصناعية والفنية وهذا ما أعطاها قيمة كبيرة تؤكد أن حضارتها لا تقل عن حضارة بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي النيل.

وهذه الأسباب بحسب القيم جعلت سورية محطا لأنظار الشعوب الأخرى ومطمعا للمستعمرين وأصحاب نزعات الاحتلال فكان الإنسان السوري برغم ما يتعرض إليه من قهر وحرمان وطغيان ينتفض من تحت الرماد ويعود أقوى وهذا ما نراه الآن أيضا فما حدث في سورية لو حدث في بلد اخر لما تحمل هذا التآمر ولانتهى في حينه.

وشرح الباحث فكرته حول الإنسان السوري الذي منذ وجد على الأرض كان يبحث عن الممكن ويطوره ويعده ليخدم البشرية جمعاء متخطيا في ذلك نفسه موضحا أن أقدم أنشودة حب في العالم وجدت في موقع ايبلا 2400 قبل الميلاد وأقدم تعويذة وجدت في ايبلا واقدم مدرسة لتعليم الموسيقا وجدت في ماري وأقدم نوطة موسيقية وأبجدية في مدينة أوغاريت واقدم قاموس مشترك بين آكاد وايبلا وجد في ايبلا وأقدم معاهدة سلام في العالم كانت بين ايبلا وابارسال عثر عليها قرب المصب الأعلى لنهر دجلة وأقدم معاهدة انتهت سلما بالزواج بين الحثيين والفراعنة عام 2580 قبل الميلاد اثر معركة قادش الشهيرة قرب بحيرة قطينة والتي دونت بنودها على جدران معبد الكرنك في مصر القديمة.

ومن خلال عمله بالبحث الأثري درس القيم كثيرا من المكتشفات الموسيقية والإيقاعية من خلال الآثار ومعرفته بالموسيقا من بينها أنشودة العبادة الأوغاريتية التي وجدت في أوغاريت 1400 قبل الميلاد وهي أقدم مدونة موسيقية وجدت في العالم.

كما عمل القيم عبر علاقته مع أعلام الموسيقا في سورية أمثال محمود عجان وصميم الشريف وصباح فخري وجبرائيل سعادة وصفوان بهلوان وسعد الله آغا القلعة ونجاة قصاب حسن وعبر رصده للمدارس الموسيقية ومتابعته للأمسيات الفنية في تأليف عدة كتب في هذا المجال أمثال الأبجدية الموسيقية وعلم الجمال الموسيقي.

ومما عمل عليه القيم وضع التصور الأولي لسيمفونية أوغاريت التي تتألف من اربع حركات وتنتهي بنشيد يغنى باللغة الأوغاريتية الأصيلة وهو مستمد من نشيد ملحمة الإله بعل حيث يتضرع الناس إلى الإله ايل بإعادة الحياة لبعل لتنفجر ينابيع الحياة وتقول: «قم يا بعل اينع الأزهار وفجر الينابيع» ومنها جاءت رقصة الدبكة حيث كان الأهالي يذهبون إلى أعالي الجبال ويدقون ويحركون أرجلهم على الأرض ليعود بعل وتعود الحياة.

غير أن هذا العمل الضخم الذي تعاون فيه القيم مع الموسيقار صفوان بهلوان يحتاج إلى إمكانيات هائلة حتى يرى طريقه إلى النور أسوة بأعمال بهلوان الكبيرة كقصيدة جبهة المجد والقصيد السيمفوني الربان والعاصفة.

يذكر أن الدكتور الباحث علي القيم يرأس حاليا تحرير مجلة المعرفة في وزارة الثقافة.. بدأ عمله في المديرية العامة للآثار والمتاحف في أغلب مواقعها وعين معاونا لوزير الثقافة كما سمي نائبا وعضوا في اللجنة العليا لإصلاح الجامع الأموي ونائبا لرئيس اللجنة الدائمة للثقافة العربية المنبثقة عن مؤتمرات وزراء الثقافة في الوطن العربي وهو عضو اتحاد الكتاب العرب ومارس العمل الأثري من خلال دورات تدريبية عديدة ومثل سورية لدى بعض البعثات التي تعمل في سورية.

له ما يقارب خمسين مؤلفا إلى جانب آلاف المقالات والدراسات المنشورة في الصحف السورية والعربية ومنها متحف الطب والعلوم عند العرب .. بيمارستان نور الدين .. إضاءات من الذاكرة القديمة .. المرأة في حضارات بلاد الشام القديمة.. ابن النفيس الدمشقي..امبراطوربة ايبلا.. سورية وعمقها الحضاري..سورية
مليون سنة حضارة وكتب أخرى.


اكتشف سورية

سانا

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق