«نبض» مأمون الخطيب: جبل قاسيون شاهداً على الفاجعة
28 نيسان 2014
.
حرص المخرج السوري مأمون الخطيب على إطلاق آخر إنتاجاته «نبض» بالتزامن مع ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية. أراد لعرضه الذي يقام على خشبة «مسرح الحمراء» أن يكون، كما المناسبة، سورياً خالصاً. ينكشف ظلام المسرح على أرضية مكسوة بأوراق حمراء متساقطة نال منها الخريف. في الرواق الأيسر للخشبة شجرةٌ عاريةٌ تقف شاهداً صامتاً على جملة الأحداث الحاصلة في الحديقة التي شكّلت على امتداد العرض، حاضناً مكانياً ثابتاً لبطلات الحكاية. حافظت السينوغرافيا لـ أحمد روماني على حقيقية الحدث وبساطته، ولم تخل من دلالات شرطية على مستوى الجغرافيا كان أبرزها جبل قاسيون، الذي انتصب في أقصى العمق حاملاً برج بثّ لم يتوقف عن النبض لحظة واحدة.
النص الذي كتبه الخطيب، يستند إلى مسرحية «أمّهات الرّجال» لبيرسيفال وايلد (1887 ــ 1953). يتحدث الكاتب الأميركي عن شابين يحملان الاسم ذاته «توم شيبسو» يقفان مرابضين على خطوط الاشتباك، ويخوضان معاً، معركة المصير دفاعاً عن قدسية الأرض. أجرى المخرج السوري تعديلات محدودة على شكلانية النص. اسم الشابين صار «فادي سلوم». وأُسقط اسم النسخة الأميركية واسم مؤلفها من بروشور العرض الدمشقي. التبدّل في المعطى الحكائي بين النسختين لم يكن جوهرياً.
عرض من وحي الأزمة
يحكي قصة ثلاث أمهات في دوامة النزوح والتهجير
استحضر صاحب «ليلة القتلة» شخصية ثالثة هي «أمّ لارا» تُضاف إلى سيدتين تحمل كل منهما لقب «أم فادي». ثلاثُ أمهات جمعتهن فاجعة الغياب، يعدن في انتماءاتهن المذهبية والديموغرافية إلى أصول مختلفة. تغفو أولاهن، الممثلة نسرين فندي في حقيبة سفر، تحوّلت اليوم، إلى متلازمة دلالية ترافق مفهومي النزوح والتهجير. ينشأ بينها وبين أم فادي «هناء نصور» صنف من صنوف الصداقة. تعيش السيدتان على هامش الانتظار، يمثل الهاتف الخلوي وسيلة اتصال يتيمة تربطهما بالمحيط الخارجي الخاضع لشرط الحرب، حالهما في ذلك حال الأم الثالثة «رنا جمّول».
تشتغل الممثلة الأخيرة على ملامح نمط شائع لمديرات المدارس. إقحام بعض المفردات الفصيحة في سياق اللهجة المحكية مثل محاولة متواضعة لصناعة مفارقة كوميدية تهدف إلى التخفيف من كابوسية العرض والحد من بكائيّته. لا يستند التصعيد إلى حوادث ملموسة. تبدو الفرجة البصرية خجولة في كثافتها إذا ما قيست بكثافة المونولوجات القائمة في أساسها على لغة شعرية نجحت، أحياناً، في استجرار عواطف الحاضرين رغم الإطالة التي حكمت بعضها.
يختتم العرض بـ «جيست» ثابت للأمهات الثلاث تحت طرحة قيل إنّها «بتشبه طرحة العدرا» بحسب الممثلات. استعان الخطيب بالمؤلف الموسيقي طاهر مامللي الذي نقل تجربته التلفزيونية إلى الصنعة المسرحية، معتمداً نظام الجينيريك في صناعة موضوعة موسيقية ثابتة أنعشت إيقاع العرض وانتصرت لجماليته في لحظات كثيرة. علماً أنّ «نبض» هو ثاني إنتاجات «المسرح القومي» هذا العام بعد «عن الحرب وأشياء أخرى» لزيد الظريف وعروة العربي.
رامي كوسا
الأخبار اللبنانية