حفل الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في دار الأوبرا
03 آذار 2014
عملان لموتزارت وآخر لبورن
اعتمدت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان في حفلها يوم الأربعاء 26 شباط 2014 على مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون- أوبرا دمشق على أعمال موسيقية ضخمة وصعبة، منها جاء عملين من نصيب المؤلف الموسيقي النمساوي ولفغانغ أماديوس موتزات، الأول كونشيرتو لآلة الفاغوت والأوركسترا مصنف رقم191، من ثلاث حركات (حيوية، معتدلة وبتأني، روندو- مينويه)، فاغوت منفرد طوني الأمير. و الفاغوت هي آلة نفخ خشبية ذات ريشة مزدوجة أغلظ صوتاً من آلة الأوبوا، قصبتها مخروطية قليلا، وهي أطول وأعرض من قصبة الأوبوا.
ويعتبر موتزارت أهم من كتب الكونشيرتو حيث جمع بين التنويع والمستوى الفني الرفيع، والصفة المشتركة بين جميع أعماله الكونشرتاليه هي الفهم العميق للطبيعة الحقيقية لكل آلة صولو كتب لها على حدة، حتى ولو لم تكن من الآلات المفضلة لديه. ويمكننا تلخيص إنجاز موتزارت الرئيسي في عالم كونشيرتو بأنه جمع بين فكرة جديدة تماماً في مبدأ الكونشيرتو قوامها التناقض في الحجم والدور والصوت، وبين أقصى إمكانيات المرونة الصوتية والشكلية. لم يقم موتزارت برفض المبدأ القديم القائم على موضوعين لحنيين رئيسيين في مقامين مترابطين، يطرحان ثم يطوران، ثم يعاد عرضهما وتلخيصهما، بل وسع نسيجه البنياني مستخدماً حوالي ستة وأو سبعة مواضيع لحنية أحياناً، بحيث أن كل اثنين منهما يمكن حياكته بشكل كاليدوسكوبي، بواسطة الأوركسترا، وعازف الصولو سوية وبالتقابل، بل وأكثر من هذا قام موتزارت بإعطاء عازف الصولو لحناً او اثنين جديدين تماماً، بحيث يؤدي دخولهما المفاجئ في العمل إلى إضفاء قوة درامية عليه، حيث أن الدور الأوركسترالي لم يكن قد مهد لظهور اللحن الجديد من قبل.
كما أن أسلوب موتزرات في الوصول إلى قلوب مستمعيه هو اللجوء إلى أسلوب تكنيكي مطلق الكمال، تكنيكه سلس وطبيعي للغاية عندما ننظر إليه نظرة عامة. والحقيقة أنه لا يفترض بنا أن ننظر إلى تكنيكه بتفحص، أو تعجب به، فهو ليس إلا وسيلة لهدف معين. وبالنسبة لموسيقي ذي موهبة استثنائية كموتزارت، فإن هذه الوسيلة قد وصلت إلى ذروة الكمال، ولا تسبب للمستمع أي مشكلة، حتى عندما تتضمن صعوبات تكنيكية هائلة بالنسبة للعازفين، انني لا أكاد أعرف عرضاً مشابهاً للمهارات والصنعة التي لدى موتزارت، في أعماله تحافظ الموسيقا على وضوحها ويظل سطحها صافياً نقياً غير مشوش بالمشاكل البوليفونية التي يعالجها،، وإن البساطة الكبيرة التي يعالج بها موتزارت الكونتربونيت (التأليف الموسيقي الذي نوجه فيه عنايتنا إلى الحركة الأفقية للمواضيع اللحنية)،، هي الأساس الحقيقي لأسلوبه التأليفي وخاصة السيمفوني.
والعمل الثاني لذات المؤلف كان سيمفونية رقم39 سلم مي بيمول ماجور مصنف رقم543، من اربع حركات. تبدأ الحركة الأولى بمقدمة ثقيلة ورصينة وبطيئة، عبر تكرار مستمر لنماذج ايقاعية وتآلفات ثابتة. إنها إحدى اصعب الحركات الموسيقية بالنسبة للعازفين، ذلك انها تتضمن عدداً كبيراً من المواضيع، والمقارنات العاطفية والدرامية في سرعة إيقاعية واحدة، أما الحركة الثانية البطيئة فهي تبدأ بسهولة خادعة، ولكن موتزارت سرعان ما يستعمل موضوعها بتفنن مدهش، بعد مزجه بجملة غنائية جميلة، يليه أحد أعظم مقاطع موتزارت البوليفونية. وعظمة هذا المقطع لا تكمن فقط صنعته المنسابة السهلة، بل لأنه يحقق جمالية متأججة لا نظير لها، أما الحركة الثالثة فهي مينويت هادئ ومباشر، بينما الخاتمة السريعة هي إحدى أقرب أعمال موتزارت إلى أعمال هايدن. وهنا يلجأ موتزارت إلى استعمال موضوع موسيقي وحيد ويسمح له بالهيمنة على أجواء الحركة بأكملها.
كما أدت الفرقة بين العملين المذكورين فانتازيا براقة لآلة الفلوت والأوركسترا (على ألحان من أوبرا كارمن للمؤلف بيزية)، للمؤلف الفرنسي فرانسوا بورن، فلوت منفرد روبينا أرتينيان.
وفي لقاء مع اكتشف سورية قال المايسترو ميساك باغبودريان: «بشكل عام البرنامج الموسيقية التي تقدمها الفرقة السيمفونية لها أهداف عدة منها هدف موسيقي تساهم في رفع مستوى الفرقة ورفع جاهزيتها، وتقنياً تعطي أشياء جديدة للفرقة، فالسيمفونية 39 لموتزارت التي قدمناها هي وحدة من الأعمال التي تنمي تقنيات الفرقة، سواء للعزف الفردي أوالجماعي، ولذلك بين فترة وأخرى نقدم مثل هذه الأعمال».
وأضاف: «الهدف بإقحام عمل لفرنسوا بورن بين العملين لموتزارت هو تشجيع أعضاء الأوركسترا الذين يؤدون الأعمال المنفردة، وإعطاء البرنامج شكل من التنوع بعمل مختلف وآلة مختلفة، وهنا قدمنا آلتين الأول فاغوت التي قدمت أول قطعة والثانية بآلة الفلوت اللامعة مع بريقها في عمل يعرفه الناس وهو كارمن برؤية جديدة اشتغل المؤلف بورن المتوفي عام 1920 ويعتبر أكثر حداثة بالنسبة لموتزارت وأسلوبه مختلف تماماً، فأتى العمل لكسر وتغيير السمعي للمتلقي مابين مقطوعتي موتزارت».
وقال أيضاً: «تقديم الأعمال الطويلة هي مغامرة ولكن يجب خوضها ليتعود الجمهور عليها، تمهيداً لتقديم أعمال كبيرة أخرى في مقبلات الأيام لأنها تحتاج لتركيز نفسي ومعنوي من الحضور».
عن العازفين المنفردين في الحفل قال: «العازفان يعزفان لأول مرة بشكل افرادي مع الاوركسترا، وكان لهما ايجابيات وسلبيات ولكن كان من المهم أن يخوضا هذه التجربة، كما أن العزف الإفرادي يعرّف الجمهور على آلات موسيقية جديدة».
وعن الحفلة القادمة أنهى باغبودريان حديثه قائلاً: «الحفلة القادمة ستكون مع كورال الحجرة، وأيضاً هناك عملين تشارك فيها آلتين منفردتين وهما البزق والكمنجة».
إدريس مراد
اكتشف سورية
لقطات من حفل الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في دار الأوبرا |
لقطات من حفل الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في دار الأوبرا |
لقطات من حفل الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في دار الأوبرا |