زلزال 1759

المصدر: حوادث دمشق اليومية، الشيخ أحمد البديري الحلاق، ص 222.



سنة 1172هـ /(1758-1759)م


ودخل ربيع الثاني الموافق تشرين ثاني ولم ينزل من السماء قطرة ماء. وفي ليلة الثلاثاء ثامن ربيع الثاني من تشرين الثاني من هذه السنة في الثلث الأخير من الليل والمؤذنون في ا لمآذن يشتغلون المراسلة صارت زلزلة خفيفة، وتبعتها ثانية ثم ثالثة زُلزلت منها دمشق زلزالاً شديداً، حسبت أهل دمشق أن القيامة قد قامت، فتهدَّمت رؤوس غالب مآذن الشام ودور كثيرة وجوامع وأماكن لا تحصى، حتى قبة النصر التي بأعلى جبل قاسيون زلزلتها ورمت نصفها، وأما قرى الشام فكان فيها الهدم الكثير، والقتلى التي وجدت تحت الهدم لا تحصى عدداً. وفي الليلة الثانية زُلزلت أيضاً في الوقت الذي زُلزلت فيه الأولى، ثم حصلت في وقت صلاة الصبح وبالنهار أيضاً، ولا زالت تتكرر مراراً لكنها أخف من الأولين. وقد زاد الخوف والبلاء، وهجرت الناس بيوتهم، ونامت في الأزقة والبساتين وفي المقابر والمرجة، وفي صحن الجامع الأموي. وفي هذه الزلزلة وقع خان القنيطرة على كل من كان فيه، فلم يسلم من الدواب والناس إلا القليل، وكذلك خان سعسع. وقد وردت الأخبار إلى دمشق الشام أن بعض البلاد والقرى انهدمت على أهلها، فلم يسلم منها ولا من دوابها أحد.

ثم في ليلة الثلاثاء الساعة العاشرة من الليل خامس ربيع الأول انشقّت السماء وسمع منها صريخ ودمدمةٌ ودويٌّ وهول عظيم، حتى إن بعض أهل الكشف رأى أن السقوف ارتفعت، وظهرت النجوم وعادت السقوف كما كانت. ووردت أخبار أن في بعض البلاد انطبق جبلان على بعض القرى، فذهبت القرى ولم يظهر لها أثر. وفي ليلة الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول في محل آذان العشاء خرّ نجم من السماء من جهة الغرب إلى جهة الشرق، فأضاءت منه الجبال والدور. ثم سقط فُسمِع له صوتٌ عظيم أعلى من (صوت) المدافع والصواعق.

وفي الزلزلة الأولى وقعت صخرة عظيمة في نهر القنوات فسدّت النهر، وانقطع الماء عن البلد أحد عشر يوماً، وبقيت قُطّاع الأحجار يقطعون فيها أحد عشر يوماً، فصارت الناس في غَمَّين: غمّ الزلزلة وغمّ قلة الماء.

وفي ليلة الاثنين سادس ربيع الثاني في الساعة الخامسة صارت زلزلة عظيمة أعظم من الأولى بدرجات. وقد صارت معها رجّة مهولة أسقطت غالب بقية المآذن، ورمت قبة الجامع الأموي الكبيرة والرواق الشمالي جميعه من مدرسة الكلاسة وباب بريد وأبراج القلعة وغالب دور دمشق، والذي سلم من الوقوع تناثر من بعضه البعض، وقُتل خلق كثير خصوصاً في القرايا، ورحلت الخلائق للبساتين وللجبال والتُرب وإلى المرجة، ونصبوا بها وبالبراري الخيام وناموا بعيالهم وأولادهم، ومع ذلك (لم تهدأ) الزلزلة والرجفان لا ليلاً ولا نهاراً. ثم أمر عبد الله باشا الشتجي والي الشام وفقه الله تعالى منادياً ينادي بالناس أن يصوموا ثلاثة أيام وأن يخرجوا في اليوم الرابع إلى جامع المصلّى، فإنه مشهور بإجابة الدعاء فيه. فخرجت الناس من كل فج عميق إلى المصلّى، وخرج حضرة الوزير معهم وجميع الأعيان والمفتي والقاضي، وخرجت العلماء وأهل الطرق والصوفية والنساء والأولاد، ولازموا الدعاء في المصلى ثلاثة أيام بضجيج وبكاء وخشوع كيوم عرفات، بل كموقف القيامة، فرحمهم أرحم الراحمين، وعاملهم باللطف والتخفيف، فصارت الأرض تختلج اختلاجاً خفيفاً، ولم تزل الناس في البساتين والبراري خائفة حتى نزل عليهم الثلج والمطر وصار الجليد إلى أن خفّت الزلزلة ورجعت الناس خائفين.

وفي ليلة الاثنين الخامسة والعشرين من جمادى الثانية قُبيل السحر صارت في الشام أيضاً زلزلة خفيفة أخف من الزلازل المتقدمة. ثم شاع الخبر بين الناس أنه سيحدث زلزلة عظيمة، ففزعت الناس فزعاً شديداً، ورجعوا إلى ما كانوا عليه من الخوف والفزع والخروج للبساتين والمقابر، نسأله تعالى اللطف.

مواضيع ذات صلة: