الحسكة
المحتويات
.
الحسكة
تقع محافظة الحسكة في شمال شرقي الجزيرة (منقار البطة)، ومساحتها 23333كم2، أي ما يعادل مساحة نصف الجزيرة تقريباً. وللموقع أهمية مميزة دولية، إذ تحدها تركيا من الشمال والعراق من الشرق، مما جعل منها منطقة احتكاك دولية ومركزاً لتجمع أعراق وعقائد عدة.
الظروف الطبيعية
يمكن أن تقسم تضاريس الحسكة منشئياً إلى الوحدات التضريسية الآتية:
سهول الجزيرة العليا
تمتد هذه السهول في أحضان وهدة بلاد الرافدين عند أقدام الجبال التركية، السهل تراكمي انجرافي المنشأ، غذ عن الأنهار والجداول والمجاري السيلية المنطلقة من الجبال التركية قد حملت كميات عظيمة من المجروفات ممثلة في الرمال والطين والحصى ووضعتها في الوهدة.
نميز في هذه السهول نموذجين سهليين نتيجة لتباين طبيعة المجروفات المائية الصخرية، وهما:
1 ـ سهل أقدام الجبال الانجرافي: يجاور السهل أقدام الجبال التركية، يقع كاملاً ضمن وهدة بلاد الرافدين، أو ما يُعرف في سورية بالجزيرة العليا، ويصل عرضه إلى 10-15كم، ويمتد ما بين مرتفعات قره تشوك شرقاً ونهوض رأس العين الكلسي. ارتفاعات السهل بسيطة (350-450م)، وهي قليلة التموج تخترقها مجار مائية كثيرة، تمثل روافد نهر الخابور.
2 ـ السهل التراكمي الانجرافي؛ أكثر انخفاضاً من الأول وأشد استواءً، وتحده من الجنوب سلسلة مرتفعات طوال العبا، عبد العزيز، سنجار، ويمثل حفرة واسعة مكونة من عناصر صخرية دقيقة غضارية ورملية، تتوضع فوق قاعدة غير عميقة بحيرية الصخور مالحة. هنا تنتهي أغلب المجاري السيلية بمراوحها الفيضية الواسعة، كما تلتقي المجاري المائية مع نهر الخابور.
المرتفعات الجبلية
مرتفع قره تشوك: تعني الكلمة السواد الكثير بسبب سيطرة الصخور البازلتية الداكنة، ويقع المرتفع في أقصى شمال شرقي الجزيرة، مطلاً على منخفض عين ديوار، ارتفاعه قليل (769م)، ولكنه معقد التضاريس، وعلت صخوره النيوجينية الكلسية المسكوبات المهلية البازلتية بطبقات سميكة فازداد وعورة. وللمرتفع وبسبب حركات البناء الصاعدة شكل غير متناظر، فالسفوح الجنوبية مصدعة جرفية في الأعلى، ومنحدرة في الأسفل. أما السفوح الشمالية فإنها أكثر طولاً وأقل ميلاً، وتخترقها الأودية النشطة، مما حولها إلى سفوح تلالية المظهر، تفصلها أودية عميقة واسعة ذات مصاطب عدة.
مرتفعات طوال العبا، عبد العزيز، سنجار
تحد وهدة بلاد الرافدين جنوباً وتعلو هامش الصفيحة العربية، التي أدى تكسرها إلى ظهور هذه المنظومة من المرتفعات، وأضفت هذه العمليات الشكل اللامتناظر للمرتفعات، فالسفوح الشمالية التوائية صدعية شديدة الانحدار وجرفية أحياناً، وتتكون عموماً من الصخور الكلسية والحوارية والكدّانية (المارن) إضافة للحجر الرملي. أما السفوح الجنوبية، فإنها طويلة قليلة الميل عموماً، تشقها الأودية الواسعة الناضجة حيناً مما جعلها تلالية المظهر.
في إطار المحافظة نرى المرتفعات الآتية، وذلك من الغرب إلى الشرق:
أ ـ طوال العبا (483م) وهو أقرب للتلال في مظهر منه للجبال.
ب ـ جبل عبد العزيز: وهو الأكبر والأعلى (920م).
ج ـ مرتفع جمبه (646م) ويقع شرق الخابور ويعد الامتداد الغربي لجبل سنجار (1500م) الواقع في العراق.
سهل الجزيرة السفلي الحتي
بقايا سهل حتي نيوجيني سابق، أعادت صوغه المجاري السيلية المنطلقة من المرتفعات السابقة، والسهل تلالي المظهر، وتخرقه مجاري أودية واسعة ومنخفضات حتية، ويتدرج في ارتفاعاته من (400-500م) عند وادي الفرات. والسهل مكون من الصخور الجبسية والكلسية ولاصخور الفتاتية المائية المنشأ.
التضاريس البركانية المهلية (الصُّهارية)
تصادف في أماكن متفرقة من الجزيرة، وهي مكونة من فتات صخري بازلتي، ومن بعض المخاريط البركانية الصغيرة، مثل جبل كوكب قرب الحسكة، وقليب في أرض الشيخ.
التضاريس المائية المنشأ
أوجدتها عمليات الحت المائي، خلال الحقب الرابع، وتمثل تضاريس واديي نهري الخابور ودجلة، وهي عبارة عن مصاطب مكونة من الرمل والحصى والغضار، ومن الجبس في المصاطب العليا وعددها (3-4) مصاطب، كما تتكون من سريري النهرين (السهل الفيضي). يضاف إلى ذلك تضاريس الأودية السيلية، وهي تشبه النهرية.
المناخ
متوسطي النموذج قاري الطابع، صيفه طويل جاف وهواؤه مداري وشبه مداري ساخن شحيح الرطوبة، وشتاؤه واضح البرودة والقارية، وفيه تفد إلى المحافظة الكتل الهوائية الباردة منطلقة من العروض المتوسطة خاصة، وأحياناً من القطبية بأنواعها الرطبة والجافة القارصة. في الصيف تهب رياح شمالية وشمالية شرقية شديدة الجفاف، قادمة من الجبال التركية (رياح الفوهن) فتزداد الجزيرة العليا حرارة وجفافاً، إلا أن لهذه الجبال دوراً محموداً شتاءً، فوجودها يسمح بدفع كتل الهواء الرطبة (الجبهات الجوية) جنوباً باتجاه المحافظة، مما يزيد من الهطل، وتساعد في الربيع على ارتفاع الكتل الهوائية الرطبة عالياً فتحدث أمطاراً ربيعية عالياً فتحدث أمطاراً ربيعية تصاعدية.
النظام الحراري يخضع للتبدلات في قيم الطاقة الحرارية الشمسية فصلياً، ففي كانون الثاني مثلاً، تنخفض الحرارة المتوسطة في هذا الشهر إلى 6-8 درجات، بينما في تموز ترتفع الحرارة إلى (33-34 درجة مئوية) وسطياً، والمتوسط الحراري السنوي يبلغ (17-18 درجة مئوية).
قيم الهطل متباينة بشدة، وتتناقص بسرعة من الشمال إلى الجنوب، غذ نجدها تفوق 600مم في عين ديوار، وتهبط إلى 450مم في القامشلي وإلى 280مم في الحسكة وإلى 250-200مم في جنوب جبل عبد العزيز، ولكن قيم التبخر مرتفعة في كل أنحاء المحافظة ولا تقل عن 2000مم سنوياً.
الموارد المائية
المحافظة غنية بثرواتها المائية، وخاصة في الجزيرة العليا، فكميات الهطل جيدة إلى متوسطة، وهناك كميات كبيرة من المياه الباطنية، وهي السبب في ظهور الكثير من المجاري المائية المتوسطة والصغيرة، إضافة إلى نهري الخابور والبليخ.
نهر الخابرو هو الأهم في المحافظة إذ يقدم سنوياً (1500-1600 مليون م3) من المياه وغزارته المتوسطة (45-50م3/ثا)، وتغذيته باطنية ثابتة، ولكن تدخل الإنسان قد أثر في نظامه الجرياني جذرياً. للخابور روافد صغيرة عدة قد جفف الأتراك أكثرها نتيجة لاستثماراتهم الزراعية.
للمياه الباطنية دور هام في أعمال الري الصيفية خاصة، وكمياتها جيدة في شمال المحافظة، وهي مياه عذبة هيدروكربونية، ولكن بدءاً من شمال مرتفعات عبد العزيز ـ سنجار، حيث تبدأ الصحراء تقل كميات المياه الباطنية، وتتحول في أعظمها إلى مياه قليلة العذوبة مالحة بدرجات مختلفة.
الغطاء النباتي
ينتمي للنبات flora الإيراني الطوراني، وهو في الأساس سهبي وصحراوي، لذا تكثر النباتات الحشائشية السهبية في المناطق شبه الجافة والجافة، أما في الصحراء فتكثر النباتات الشوكية والحشائش التي تتحمل وطأة الجفاف، وأكثرها ينهي دورته الحياتية في المرحلة الرطبة من السنة. ومن الملاحظ، أن النباتات السهبية قد اختفت تقريباً في المناطق السهبية وحلت مكانها زراعة الحبوب البعلية.
النباتات الشجرية لا تُرى سوى مجاري الأنهار والأماكن المروية (حور وصفصاف وغرب)، وفي المرتفعات الجبلية، مثل قره تشوك وعبد العزيز، وهنا نشاهد بقايا الغابات المتوسطية القديمة، كالبطم والبلوط والزعرور والخوخ البري والتين البري وكذلك الزيتون.
الغطاء الترابي
على الرغم من صغر مساحة المحافظة، تتنوع الترب في أحضانها، وذلك لأن قيم الهطل تتباين بفعالية نطاقياً من الشمال إلى الجنوب كالآتي:
1 ـ نطاق الترب الكستناوية والبنية الداكنة، وكمية الهطل السنوية فيه 500-700مم.
2 ـ نطاق الترب البنية، وكمية الهطل السنوية فيه 400-500مم.
3 ـ نطاق الترب البنية الرمادية، وكمية الهطل السنوية فيه 300-400مم.
4 ـ نطاق الترب الرمادية (السيرازيومية)، وكمية الهطل السنوية فيه 250-300مم.
5 ـ نطاق الترب الصحراوية الجبسية الكاربونية، وكمية الهطل السنوية فيه 250مم وأقل.
أدت التباينات الطبيعية النطاقية المناخية والنباتية والترابية إلى ظهور النطاقات الطبيعية الآتية:
1 ـ السهب العادي.
2 ـ السهب الجاف.
3 ـ الصحراء.
السكان
مركز المحافظة الحسكة، وتعرف محلياً بالحسجة، نسبة لاسم شوك معروف في المنطقة، وتقع عند التقاء جغجغ مع نهر الخابور، وأصلها ثكنة عسكرية عثمانية، ثم تحولت إلى قرية، وبقيت حتى عام 1930 تابعة لـدير الزور، ولكنها تطورت بسرعة منذ منتصف القرن العشرين بسبب الثورة الزراعية في المحافظة، وخاصة زراعة القطن والحبوب، مما أدى إلى تطور المدينة بسرعة وإلى قدوم أعداد كبيرة من المهاجرين من المحافظات السورية الشمالية خاصة، لذا فإن عدد سكانها قد ازداد من بضع مئات في مطلع القرن العشرين إلى أكثر من 100000 نسمة في نهايته.
تضم المحافظة أربع مناطق، الحسكة والقامشلي ورأس العين والمالكية، وفيها 11 ناحية وأكثر من 1360 قرية وعدد كبير من المزارع، أما عدد سكان المدن بحسب تقديرات عام 2000 فهو (الحسكة 115000 ـ القامشلي 120000 ـ رأس العين 30000 ـ المالكية 20000)، أما عدد سكان القرى فيراوح بين 100-600 نسمة.
توزع السكان وحركتهم
يخضع توزع السكان للظروف الطبيعية إلى حد كبير، فالمحافظة قليلة السكان (201 مليون نسمة)، لذا فإن الكثافة العامة تقارب 50ن/كم2، وبالواقع يخضع التوزع للعوامل الطبيعية الآتية: تباين قيم الهطل من الشمال إلى الجنوب ثم وفرة المصادر المائية السطحية والباطنية، ثم توافر الترب الجيدة، ونتيجة لذلك فإن الكثافة تزيد على 100ن/كم2 في الأحواض النهرية، وفي مناطق زراعة الحبوب (السهب) (100-50ن)، بينما في المناطق الجافة (50-25ن) وفي الصحاري أقل من 10ن/كم2. التزايد السكاني كبير 30 بالألف وأكثر، ومتوسط الأعمار (65-67سنة)، والهرم السكاني شبابي المظهر، إذ تزيد نسبة من هم أقل من 15 سنة على 50%، ونسبة الشيوخ 5%، بينما تبلغ اليد العاملة المنتجة قرابة 35%، والنسبة الحقيقية لليد العاملة أدنى بكثير 20-22%، لأن عدداً كبيراً من النساء لا يعمل.
الواقع الصحي مقبول، فوفيات الأطفال تدنت من 150ن في الألف على 50-60 بالألف في نهاية القرن العشرين، ولكن الأمية مرتفعة كثيراً وخاصة وسط النساء الريفيات.
الاقتصاد
لمحافظة الحسكة مركز اقتصادي زراعي ومعدني مرموق في سورية، وذلك لأن الظروف الطبيعية في المحافظة تؤهلها لاحتلالها هذا المركز. ثمة مساحات جيدة من الأرض لا تقل فيها كميات الهطل السنوية عن 300مم، وهذا ما يضمن نجاح الزراعات البعلية من الحبوب في أكثر السنوات، ومثل هذه المساحات تؤمن مراعي صيفية طيبة للمواشي، وذلك في أثناء موسم الحصاد وبعده. كما أن مثل هذا الهطل، إضافة للمياه السطحية والباطنية القادمة من الأراضي التركية، يُؤمن ثروة مائية مهمة، تسمح بنجاح الزراعات الصيفية كالقطن والخضراوات والفواكه. ويمكن أن يضاف إلى ما سبق، وجود الترب الزراعية، والتي تعطي مردوداً مناسباً للزراعات البعلية ومردوداً ممتازاً في الزراعات المروية. ومن الأمور المهمة كذلك انتشار سيطرة الأراضي السهلية، فهي أكثر صلاحاً من المناطق الجبلية، غذ إن المساحات هنا أكبر، كما يمكن استعمال التقنيات الزراعية المتطورة بسهولة.
أما المناطق الصحراوية، فإنها أفضل بقاع الصحراء السورية، وذلك لأن الهطل السنوي لا يقل عن 200مم، ويصل إلى 250مم في بعض الأماكن، وكل ذلك يساعد على وجود مراعٍ شتوية ربيعية جيدة في أغلب السنوات، وهذا ما يفسر وجود بضعة ملايين من الماشية في المحافظة والجزيرة عامة.
ومما يزيد في الأهمية الاقتصادية للمحافظة وجوود الثروات النفطية، كما في حقول السويدية ورميلان والجبسة، ويقدر إنتاج الحقول من 8-9 مليون طن سنوياً. وهكذا فإن دور المحافظة الاقتصادي الإنتاجي بارز في سورية، ولكن دورها الصناعي بشقيه الزراعي والتقني محدود كثيراً.
شاهر جمال آغا
الموسوعة العربية