قنوات
تقع قنوات القديمة (كاناثا Canatha) على بعد 7 كيلومترات شمال شرقي السويداء، 95 كيلومتر جنوب شرقي دمشق، في الجانب الشمالي الغربي لكتلة جبل العرب، وعلى ارتفاع 1250 متراً عن سطح البحر.
يحد المدينة من الجهة الغربية سفوح جبل العرب، ومن الشرق وادي الغار. يقطع المدينة شارع شرقي – غربي، يتطابق مع الشارع الرئيسي القديم فيقسمها إلى مدينة عليا جنوبية، ومدينة سفلى شمالية، وبنيت المدينة بكاملها بالحجر البازلتي المحلي، مما أعطاها مظهراً فريداً من نوعه.
يعود الاستيطان في المنطقة إلى العصر الحجري الحديث، ثم استمر في العهود اللاحقة حتى العصور العربية الإسلامية، ولكنه شهد انقطاعات من القرن التاسع الميلادي وحتى نهاية القرن السابع عشر الميلادي، مما جعل المنطقة خاضعة لسيادة القبائل البدوية المتنقلة، حتى استوطنها من جديد السكان الحاليون القادمون من شمال سورية ولبنان وفلسطين، منذ أواخر القرن السابع عشر الميلادي.
ورد اسم قنوات القديم (كاناثا) في كتابات المصريين، وفي مؤلفات المؤرخين القدامى مثل: بلينيوس الأكبر وأوسيبيوس القيساري وهيروكليس، كما ورد اسمها في وثائق مجمع خلقيدونية 451م، ويبدو اسم كاناثا واضحاً على على النقود الرومانية في عصر الأباطرة كومودوس وإيلاغابال، وفي الكتابات المكتشفة في سهل النقرة في حوران.
وتبرز أهميتها التاريخية والحضارية كونها انضمت نحو عام 50 ق.م إلى اتحاد المدن العشر وعدت في ذلك الوقت محطة تجارية هامة على طريق دمشق-بصرى، وكانت المدينة تحكم بواسطة مجلس الشيوخ المحلي، بالإضافة إلى مسؤولين عن التموين والشرطة ومفتشين. وقد عرفت في القرن الأول تطوراً اقتصادياً مهماً في مجال الزراعة، وشغلت في العصر البيزنطي مركزاً أسقفياً ارتبط بأنطاكية، وشكلت مركزاً مهماً للحج المسيحي إلى جانب مدينة السويداء.
بدأ التنقيب الأثري في قنوات عام 1960م برئاسة بعثة وطنية كشفت عن مقبرة الأساقفة الواقعة شرقي مجموعة الكنائس. وعثر فيها على أربعة نواويس حجرية أثرية مزخرفة بموضوعات نباتية وكتابات يونانية وصلبان. وبين العامين 1962-1965 تم الكشف عن كامل منطقة المعابد والكنائس وملحقاتهما، كما تم استكمال التنقيب في مبنى الحمامات العامة الذي اكتشف عام 1926، حيث تبين وجود مرحلتي بناء فيها، رومانية وبيزنطية. وبين عامي 1997 و 2002 نفذت بعثة سورية-ألمانية عدة مواسم تنقيب في عدد من المباني المكتشفة، ومنها معبد زيوس ماجيستوس الذي يعود إلى القرن الثالث الميلادي، ومعبد الإله تياندريوس المقام خارج الأسوار والعائد للقرن الثاني الميلادي، ومعبد حوريات الماء ويعود للقرن الثالث الميلادي، وكانت وظيفته تقديس الينابيع؛ والمسرح الصغير الواقع شمالي معبد الحوريات، وقد خصص لإقامة الحفلات الموسيقية وكان يتسع لـ 300 شخص، ثم موقع المقابر الشمالية. وكان من نتائج أعمال التنقيب العثور على لقى مهمة: أوان فخارية وزجاجية، نقود فضية وبرونزية، عقود من الخرز، أساور وخواتم برونزية وفضية، رقاقات ذهبية، منحوتات بازلتية، تماثيل، زخارف، كتابات يونانية، وفي وادي قنوات تم اكتشاف طبقات تعود إلى العصر العربي الإسلامي، كما عثر على مجموعة من الأقنية الحجرية بطول 60 متراً كانت المياه تأتي بواسطتها لتمر بمعبد الحوريات.
لقد ذكر اسم هذه المدينة إلى جانب أسماء الأباطرة والقادة على النقود والنقوش الكتابية مثل: «سبتيما كاناثا» نسبة للإمبراطور سبتيموس سيفيروس و«غابينا كاناثا» نسبة إلى الإمبراطور غابينوس. كما أن نشاط سكانها امتد ليشمل كافة أنحاء الإمبراطورية الرومانية، ومن الجدير بالذكر أن نصباً كتابياً يونانياً عثر عليه في موقع قرب ليون بفرنسا، يحمل تذكاراً لأحد تجار قنوات واسمه تيم بن سعد، مما يؤكد الدور الذي قامت به قنوات من خلال أبنائها والذين وصلوا بتجارتهم إلى أنحاء مختلفة من أوروبا.
مواضيع ذات صلة: