تيمورلنك
تيمورلنك أو تيمور كوجان (كوكان): Timerlaine ابن ترغاي بن ابغاي: مؤسس مملكة المغول الثانية.
ومعنى (تيمور) الحديد، واللنك – الأعرج أو الكسيح بلغتهم، لأن راعيا ضربه -كما قيل- بسهم في فخده فجعله أعرج. وقيل أنه أصيب بسهم في الحرب في صباه.
ولد تيمورلنك في قرية (خواجه ايلغار) من أعمال (كش) من مدن ما وراء النهر سنة 737هـ 1336م ومات في (اوترار) سنة 807-1405 بينما كان ذاهبا لفتح بلاد الخطا في الصين، وجيء به إلى سمرقند فدفن فيها.
يمت تيمور بقرابة بعيدة إلى آل البيت الملوكي من المغول –ذرية جنكيز خان- وذلك من جهة الأمهات، وترأس والده قبيلة برلاس التركية، وحكم ولاية كش، وقد تيتم صغيرا وسلبه جيرانه إمارته، فتوسل تيمور إلى أمير بلاد كشغر ملك الجغتاي فانعم عليه بولاية ما وراء نهر جيحون. ثم نزع يده من يد أمير كشغر، وانضم إلى عمه حسين. ولما ماتت زوجته – وقيل انه هو الذي قتلها بيده – أصبح تيمور في حل من أمره وداهم حسينا وتغلب عليه واستولى على بلخ، فأصبح ملكا على بلاد الجغتاي كلها.
ولما استولى تيمور على ما وراء النهر وفاق الاقران تزوج بنات الملوك فزادوه في ألقابه (كوركان) وهو بلغة المغول (الختن)، وكان عهد تيمور كله عهد حروب وفظائع في القتل، يقتل الناس بالألوف وعشرات الألوف، اذا لم يخضعوا لسلطانه في الحال.
أنجد تيمور أحد الخانات على (اوروس خان) ملك قسم من بلاد روسيا الجنوبية الشرقية، ثم فتح خراسان وهرات وطوريس وقارص وتفليس وشيراز واصفهان وكشغر ومازندان والعراق بأسره. وخرب حفيده محمد بلاد بولونيا وروسيا. ودخل الهند فنازل مملكة المسلمين حتى غلب عليها، وفتح أفغانستان، وجلب من الهند إلى بلاده المهندسين والنقاشين. ثم حارب السلطان بايزيد العثماني (805) وغلبه، ووضعه في قفص من حديد وأخذ يعرضه على الناس فهلك قهراً، واستولى على ازمير واجبر امبراطور القسطنطينية على تأدية الجزية له.
خرب تيمورلنك حلب والشام، ومدنا كثيرة كانت عامرة في آسيا، وخافه ملوك أوربا وأرسلوا الوفود لخطب وده.
قال ابن تغري بردي:
لما وصل الخبر إلى دمشق باستيلاء تيمورلنك على حلب. نودي في الناس بالرحيل من ظاهر المدينة إلى داخلها والاستعداد لقتال العدو، وقدم المنهزمون من حماه وعظم الخوف، وهم الناس بالجلاء فمنعوه وهدد من يريد السفر بالنهب فعادوا وحصنت المدينة ونصبت المناجيق على القلعة، ووصل عسكر تيمور فنزل على قطنا وملأ عسكره الأرض، ووقعت أولى الاشتباكات فلم يتوقف فيها عسكر تيمور، وطلب الصلح مع السلطان، وهرب السلطان إلى مصر فارا بجماعته لأنه بلغه أنهم يسلطنون غيره هناك. وبقي عساكر دمشق وأهاليها في الموقف وحدهم، فأغلقوا أبواب دمشق وركبوا أسوار البلد ونادوا بالجهاد، وزحف تيمور فقاتلوه أشد قتال وردوه عن السور والخندق وأسروا جماعة ممن اقتحم باب دمشق وقتلوا منهم نحو الألف، ولما عجز تيمور عن اقتحام المدينة عمد للحيلة فطلب الصلح والطقزات (أي التسعة الأصناف من المأكول والمشروب والملبوس وغيره، وهذه كانت عادته في كل بلد يفتحه صلحا)، فأجابه أهالي دمشق إلى طلبه بإقناع ابن مفلح، وتقرر أن يقدم لتيمور ألف ألف دينار، فلم يرض تيمور بها وطلب عشرة آلاف ألف دينار أو ألف تومان – والتومان عبارة عن عشرة آلاف دينار من الذهب – واستقر الصلح على ألف ألف دينار فتوزعت على أهل البلد، وتراجع تيمورلنك وقال: انه طلب ألف تومان، ولما أخذه ابن مفلح إلى تيمور، قال: هذا المال لحسابنا إنما هو ثلاثة آلاف دينار وظهر لي أنكم عجزتم، ثم سلمت أموال المصريين وسلاحهم وأموال الذين فروا من دمشق، ولما كمل ذلك ألزمهم أن يخرجوا إليه جميع ما في البلد من السلاح جليلها وحقيرها. فأخرجوه كله، فلما فرغ من ذلك كله قبض على ابن مفلح ورفقته وألزمهم أن يكتبوا له جميع خطط دمشق وحاراتها وسككها فكتبوا ذلك ودفعوه إليه ففرقه على أمرائه وقسم البلد بينهم، فساروا إليها بمماليكهم وحواشيهم، ونزل كل أمير في قسمة وطلب من فيه وطالبهم بالأموال، فحينئذ حل بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصف، وجرى عليهم من أنواع العذاب وهتك الأعراض شيء تقشعر منه الجلود، واستمر هذا البلاء تسعة عشر يوما فهلك في هذه المدة بدمشق بالعقوبة والجوع خلق لا يعلم عددهم، ثم أمر امراءه فدخلوا دمشق ومعهم سيوف مسلولة مشهورة وهم مشاة فنهبوا ما قدروا عليه من آلات الدور وغيرها وسبوا نساء دمشق بأجمعهن، وساقوا الأولاد والرجال وتركوا من الصغار من عمره خمس سنين فما دونها، وساقوا الجميع مربوطين في الحبال، ثم طرحوا النار في المنازل والدور والمساجد، وكان يوما عاصف الريح، فعم الحريق جميع البلد حتى صار لهيب النار يكاد أن يرتفع إلى السحاب، وعملت النار في البلد ثلاثة أيام بلياليها ثم رحل تيمور عنها بعد أن أقام ثمانين يوما وقد احترقت كلها وسقطت سقوف جامع بني أمية من الحريق وزالت أبوابه وتفطر رخامه، ولم يبق غير جدره قائمة، وذهبت مساجد دمشق ودورها وقياسرها وحماماتها وصارت أطلالا بالية ولم يبق بها الا الأطفال".
وقال ابن عربشاه:
".. وبينما كان رجال تيمور يحاصرون قلعة دمشق، أخذ هو يتطلب الأفاضل وأصحاب الحرف والصنائع واستمر نهب العسكر لدمشق ثلاثة أيام، وارتحل وجماعته وقد أخذ من نفائس الأموال فوق طاقتهم فجعلوا يطرحون ذلك في الدروب والمنازل، وأصبحت القفار والبراري والجبال والصحارى من الأمتعة والأقمشة كأنها سوق الدهشة.
وأخذ تيمور من دمشق أهل الصنائع وكل ماهر في فن من الفنون، من النساجين والخياطين والحجارين والنجارين والأقباعية والبياطرة والخيمية والنقاشين والقواسين والبازدارية، كما أخذ جملة من العلماء والأعيان والنبلاء والأمراء والفقهاء وحفاظ القرآن والعبيد والنساء والصبيان والبنات.
قال صاحب (الضوء اللامع): كان تيمور يسلك الجد مع القريب والبعيد، ولا يحب المزاح ويحب الشطرنج وله فيها يد طولى ومهارة زائدة وزاد فيها جملا وبغلا، وجعل رقعته عشرة في أحد عشر بحيث لم يكن يلاعبه فيه الا أفرا.
وكان ذا رأي صائب ومكائد في الحروب عجيبة، وفراسة قل أن تخطيء، عارفا بالتواريخ لادمانه على سماعها، ولا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفرا وحضرا، مغري بمن له معرفة بصناعة، أميا لا يحسن الكتابة، حاذقا باللغات الفارسية والتركية والمغلية خاصة، ويعتمد قواعد جنكيز خان ويجعلها أصلا.
رحل تيمور عن دمشق، وأرسل إلى صاحب مصر (سودون) يعتذر مما قد جرى ويقول: (ان ما فعله كان مقدرا)، واجتاح بعلبك ونهبها وأمر بتخريب الجبُّول واحراقها، وحرق حلب مرة ثانية وهدم أبراج القلعة وأسوار المدينة والمساجد والجوامع والمدارس وقتل وأسر كل من وجده في طريقه، وأخذ من كان في قلعة حلب من المعتقلين خلا القضاة، وقفل راجعا إلى بلاده.
كان تيمور يتظاهر بالتدين والتصوف، ويستمع إلى رأي المتصوفة لأنهم أعانوه بنفوذهم في العامة على تدويخ الأقطار وعقد القلوب على محبته.
كما كان عالما ومحبا للعلماء، وقد وضع مجموعة من القوانين باسم (توكاز)، وكتب ترجمة لحياته حاول فيها تبرير أعماله. وقد نقلت مؤلفاته التي كتبها بلغة (جغتاي) إلى الفارسية، ثم إلى اللغات الأوربية.
مواضيع ذات صلة: