استضافت جامعة دمشق في قاعة رضا سعيد المعماري الهولندي الشهير ريم كولهاس في تقديم لتجربته المعمارية عبر السنين في مكتب العمارة الحضرية OMA ومركز البحث AMO في روتردام بهولندا، وذلك عند الخامسة من مساء اليوم الاثنين 22 تشرين الثاني 2010.
نال كولهاس العديد من الجوائز، منها:
- جائزة بريتزكر في العمارة للعام 2000، وهي جائزة تعطيها مؤسسة هيات (Hyatt) سنوياً لتكريم «المعماري الذي تساهم أعماله في تقديم مزيج من الموهبة، الرؤية والالتزام في إنتاج المساهمات المستمرة والمميزة للإنسانية وللبيئة العمرانية من خلال فن العمارة».
- جائزة التميز الإمبراطوري في الفنون للعام 2003، وهي جائزة سنوية تقدمها العائلة الإمبراطورية في اليابان، تخليداً للأمير تاكاماسو منذ العام 1989 في مجالات الرسم، النحت، العمارة، الموسيقى، والمسرح والسينما، وهي المجالات التي لا تغطيها جائزة نوبل.
- جائزة الميدالية الذهبية الملكية في العمارة للعام 2004، وهي جائزة سنوية منذ العام 1848 يقدمها المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين تقديراً للمساهمات المميزة الكثيرة للأفراد أو المجموعات في العمارة عبر العالم. من المكرمين سابقاً في هذه الجائزة: فرانك لويد رايت (عام 1941) ولو كوربوزييه (عام 1953).
كولهاس مدرس لمادة «ممارسة العمارة والتصميم العمراني» في مدرسة التصميم في جامعة هارفارد، وقد وضعته مجلة تايم، بالتعاون مع CNN، ضمن لائحة المئة شخصية الأكثر تأثيراً في العالم للعام 2008.
بعدها بدأ المحاضر كولهاس بالتعبير عن سروره لوجوده في دمشق وعن قلقه بأنه يحاضر أمام الجمهور السوري المتجذر تاريخياً وهو القادم من هولندا البلد صاحب التاريخ الحديث؛ وقال: «بسبب ذلك فإن محاضرتي القصيرة اليوم تتكلم عن تجربتي الشخصية لأبين كيف دخلت مجال العمارة وعن رؤيتي للعمارة وعما يمكن أن تفعله العمارة برأيي. سترون أنني لن أقدم أعمالي المشهورة عالمياً وإنما ما يشرح كيف وصلتُ إلى ما وصلتُ إليه».
في بداية حياته المهنية، قضى بعضاً من الوقت في البحث وكانت البداية بكتاب عن العمارة المتألقة في نيويورك والحداثة فيها، وقدم بعض ما جاء في الكتاب: «لقد ذهبتُ إلى نيويورك في بداية القرن العشرين والتي كانت نموذجاً عن العمارة المعاصرة التي تتطور بشكل تلقائي دون أسماء كبيرة في العمارة. من ناحية أخرى، فإن نيويورك تقدم وبشكل مكثَّف ما يجري من تطورات معمارية في العالم»، ويصف بعدها التطورات التي حصلت في المدينة خلال القرن العشرين من قبيل استعمال الإضاءة في المدن واختراع المصعد في الخمسينيات حيث مثّل المفتاح الأساسي في تطور العمارة كظاهرة أكثر منه كتقنية ليعطي الفرصة لإقامة ناطحات السحاب لخلق عوالم جديدة، وأعطى أمثلة عن بدايات ناطحات السحاب في نيويورك. ثم تكلم عن اكتشاف تكييف الهواء وجعله يحمل روائح مختلفة كهواء مالح أو معطر أو هواء معقم إلى جانب تبريده أو تسخينه.
ثم بدأ كولهاس عرضاً لبعض المشاريع التي عمل عليها مع فريقه في OMA وAMO، مما لها البعد الاجتماعي والفلسفي والمكاني كما الجمالي، وتحدث عن مشروع مسابقة اشتركوا بها عام 1987 عن مكتبة كبيرة في باريس في مشروع طموح لم يربح الجائزة، ويقول كولهاس: «هذا المشروع يبين كيف يمكن لأفكار العمارة أن تكون بسيطة لانتاج تصاميم جميلة، فالعمارة ليست عملية معقدة بل يمكن أن تكون مرتجلة في بعض الأحيان». وعرض وظائف المشروع الخمس مبيناً كيفية تداعي أفكارهم حتى قدموا اقتراحهم بشكل شاقولي لتشكيل ذاك التصميم المقترح، بحيث تشكل تراكباً مدروساً هندسياً في شبكة مكعبية من الأعمدة الحاملة وتعلق عليها الكتل الخمس.
وفي مثال أحدث نسبياً، عرض كولهاس مشروعاً لصالة حفلات موسيقية في بورتو بالبرتغال، حيث استعاضوا عن الفكرة التقليدية بوضع صندوق للصالة وفوقه أو تحته بعض الوظائف الأخرى، قاموا بإتباع مبدأ بسيط شبه معاكس: تفريغ كتلة من الكتلة المصمتة وسد التفريغ بالفتحات الزجاجية لتخلق شفافية كبيرة من الداخل للخارج. وقال: «أردنا أن يكون المبنى للعموم طوال الليل والنهار، فصمّمناه من الخارج ليكون متاحاً للبصر وداعياً للدخول، ومن الداخل اعتمدنا على الحركة الحرة للجمهور؛ في ذلك استطعنا أن نربط الجوار الحي للمدينة القديمة في بورتو مع الصالة والنشاطات التي تتم فيها، حتى من الخارج».
ثم عرض كولهاس مشروعاً لسفارة هولندا في برلين في كتلة شبه تقليديه لخصوصية مدينة برلين المعمارية، معتمداً على بساطة فكرة التصميم للمكعب الشفاف وتطويرها، حيث يعتمد التصميم على المشي بين الأقسام؛ ويصفه قائلاً: «عملنا على تفريغ المكعب بممر رئيسي يمر من الأسفل وحتى الأعلى لتحريض الداخل على المشي وتجنب المصاعد إشارة إلى العملية الدبلوماسية التي تشابه المسير الطويل للوصول إلى الهدف. وأود أن أشير أن فكرة الدرج لم تكن مبرمجة وأتت كومضة فكرة أثناء التصميم، وأدت غرضها بنجاح حيث كانت تجتذب الكثيرين».
في أحد المشاريع التي عملوا عليها هو دراسة الصورة الجديدة الجذابة للاتحاد الأوربي، وبدؤوا بالعلم الأوربي المشترك عوضاً عن العلم القديم ذي النجوم، بحيث يحتوي على خطوط شاقولية تحتوي ألوان دول الاتحاد من اليسار رمزاً للغرب إلى اليمين رمزاً للشرق.
وفي قطر، قدّم مشروعاً للمكتبة المركزية في المدينة التعليمية في الدوحة في تصميم فريد يعتمد على شكل الصحن مرفوع في الزوايا الأربع مما يسمح للواقف في المركز ليرى جميع أقسام المكتبة. أما في تونس، فقدّم مشروعاً تطويرياً في منطقة سكنية يمثل مزيجاً من الكتل القديمة مع رؤى جديدة لهذه الكتل مجتمعة في كتلة شاقولية متراكبة. وفي ليبيا، قدّم مشروعاً في إدارة الصحراء الليبية لعرضها في سوق السياحة العالمية حيث تم تقسيم الصحراء إلى مساحات وطنية وبناء محطات تخديم بسيطة وتجنب بناء فنادق بشكل باذخ وعشوائي يزيل صفة الهدوء والبساطة على هذا المكان المميز.
ثم تكلم كولهاس عن زيارته هذه لدمشق وهي الثانية، ووصفها بالساحرة بجمالها وغناها حيث يُعرض التاريخ فيها بكل فتراته الطويلة، وأنها قد أثرت ذاكرته البصرية. ثم عرض بعض المشاهد التي صورها في دمشق في زيارته الأولى، وعرض بعض الجوانب الإيجابية والسلبية للمشاهد في المدينة، وقال: «أنا كمعماري أتمنى للمشاهد الإيجابية أن تتغلب على السلبية».
هل تميل إلى تغيير النظرة العامة للمدن بخلق كتل كبيرة؟
الحلول مرتبطة بكل حالة على حدة. قد أكون من الميالين إلى الكتل الكبيرة، لكنني أقول إنه من غير الصحيح أن يكون المبدأ سارياً دائماً وفي كل مكان.
مفهوما الاستثمار والتطوير، أولها ربحي والثاني تنموي. كيف استطاع كولهاس تحقيق التوازن بين المفهومين؟
لقد عملنا على مشاريع عامة للجمهور ولم يسبق لنا أن عملنا على مشاريع ربحية لمستثمرين. على كل حال، فمنذ إنشاء AMO نستطيع إيجاد التمويل المناسب لأفكارنا الخاصة، وهو أمر هام لمعماريي اليوم من أجل بناء أفكارهم ونظرياتهم الاجتماعية الفلسفية الخاصة بهم.
ما رأيك في فكرة تحديث المدن التاريخية مثل دمشق؟
في أماكن كثيرة، يمكن العمل على الحفاظ على المدن التاريخية. في مدينة مثل دمشق الحساسة والهامة، يجب أن يكون العمل دقيقاً، وكوني لم أقم ببحثي حول دمشق فإني أفضل عدم تقديم جواب محدد. على كل حال، يجب أن نكون حذرين لكن دون شكوك كبيرة، لأن تاريخ المدن يفتح لي المجال لإيجاد حلول مناسبة جداً.
ما هي معاييرك وتعريفاتك التي تتبعها للعمل على الفراغ الكبير عند الإضافة أو الحذف؟
إن عملية البحث والاكتشاف ممتعة بالنسبة لي، وهي الهدف الذي أرجوه ويقودني لإعطاء الحلول. لكل مشروع معطياته واختلافاته، لذا فهناك نقاشات خاصة به تقود إلى إجابات فريدة به.
كيف استطعت المطابقة بين الحلول التي قدمتها مع متطلبات الزبائن لديك؟
لدينا في المكتب حوالي 200 شخصاً يعملون معاً، من خلفيات ثقافية مختلفة بهدف توسيع الاحتمالات في التعامل مع زبائننا بطريقة أفضل. نحن نأخذ متطلبات الزبائن باهتمام ونقابلها بنقاش موضوعي معهم حول رؤيتنا للحلول.
في المواقع التاريخية، هل ترى أنه من المناسب إزالة الإضافات الحديثة غير التاريخية من المباني وإظهار التاريخي، أم لا؟
تختلف الحلول حسب المكان، ففي ليبيا رحل الناس إلى المدن مما سهل عمليات كشف التاريخي من المباني. أعتقد أن هذا الموضوع سياسي اجتماعي تخطيطي تعمل عليه الدول ثم تأتي الحلول المعمارية.
ما الحل الأنسب برأيك لتطوير العمارة في دمشق: هل تفضل أن يقوم المعماريون فيها بتقديم حلول معمارية مبنية على تطوير القديمة، أم تفضل الانتقال إلى العمارة العصرية؟
إن معرفتي بدمشق ليست بالكبيرة جداً، لذا لا يمكنني تقديم جواب سريع ونهائي. أعتقد أن الخيار يحتاج إلى برنامج عملي يعتمد على بحث على المعطيات الخاصة لهذا البلد.
لماذا تعتقد أن المعماري لا يبحث عن المال بل يبحث عن الخلود لأعماله؟
إن الجواب صعب، لكنني أعتقد أن المعماري يهتم بشيء واحد هو العمارة.
الجدير ذكره أنه قد حضر المحاضرة وزراء التعليم العالي، والنقل، والإسكان والتعمير، والإدارة المحلية، وشؤون رئاسة الجمهورية، وأمين فرع جامعة دمشق للحزب، ومحافظ ريف دمشق، وعدد من رؤساء الجامعات، والسفير الهولندي بدمشق، وحشد من أساتذة كليات العمارة في الجامعات السورية وطلبة العمارة والمهندسين المعماريين والمهتمين بالعمارة.
طوني جروج
ت: عبدالله رضا
اكتشف سورية