حفل جورج وسوف.. حضورٌ طاغٍ وجمهورٌ عريض وتنظيم رائع من دار الفنون

في صالة الفيحاء الرياضية بدمشق

يستطيع أيَّ مطربٍ أو موسيقي أن يُشكل جمهوراً طوال مسيرته الفنية، وتتفاوت طبيعة هذا الجمهور من ناحية ذائقته الموسيقية، وتكوينه الطبقي، ومرجعيته المعرفية؛ ولكن قلة من المطربين يستطيع أن يجمع جمهور عريض ينتمي إلى شرائح اجتماعية مختلفة تبدأ بقاع المجتمع وصولاً إلى ذروته. جورج وسوف أو كما يحلو لجمهوره بتسميته «سلطان الطرب» يستطيع أن يجمع هذا النقيض المتفاوت مشكلاً جمهوراً تابعه طوال مسيرة فنية بدأت منذ ما يقارب 40 سنة؛ جمهورٌ عرف بالأكثر اتساعاً والأكثر وفاءً والأكثر حماساً له.


جانب من الحضور في صالة الفيحاء الرياضية

ولعل الحفل الذي أحياه مساء الخميس المنصرم 11 تشرين الثاني 2010 بصالة الفيحاء بدمشق، ووسط حديث طويل عن مقدرته الصوتية وعن اجتراره لأمجاد الماضي، تثبت أنّه يمارس سحر غريب على سميعته الذين يتشكلون من فسيفساء غريب لا يمكن أن يجتمع إلا في حفلات جورج وسوف، فغنى لهم وعلى مدى ساعة كاملة مجموعة من الأغاني كانت أغلبها من الأغاني القديمة، بدت كأنها استعادة مع هذا الجمهور لذكريات بعيدة رافقت مسيرته، حيث راهق وكبر وعشق هذا الجمهور عليها، فغنى يا بياعين الهوى، صابر وراضي، بقولوا الصبر طيب، وحلف القمر، وبتعاتبني على كلمة، ولسا فاكر، وارمي الشبك، وختم بأيّ دمعة حزن.


جانب من صالة الفيحاء الرياضية
أثناء حفل «سلطان الطرب» جورج وسوف

وفي الحقيقة لم يغني وسوف بكل معنى الكلمة في هذه الحفل، بل اكتفى في كثير من الأحيان ببدء الأغنية ليكملها الجمهور بحالة نشوة عارمة، فليس المهم بالنسبة لهم أن يغني، المهم أن يتواجد على المسرح فالجميع يريد أن يراه، وأن يراقب إيماءاته وحركاته، وأن يراقب هذا الحضور الطاغي على المسرح والذي يستبيح سميعته ويجعلهم قادرين على غفران انتظار وتأخير ساعتين سبقها انتظار ما يقارب الساعتين أيضاً، والكثير من الأشياء التي من الممكن أن يتناقش فيها النقاد وخبراء الموسيقى ساعات خارج أسوار الصالة أو المكان الذي يتواجد فيه وسوف.

ومن الأشياء الغريبة الملاحظة في علاقة وسوف بجمهوره هو ثبات مقياس هذا الجمهور، فأنت لا تشهد تراجع لشعبيته أو حضور حفلاته حتى ولو قدم أغاني غير جيدة، أو حتى لو اعتذر عن حفلات أو جعل الجمهور ينتظر لعدة ساعات، أو حتى ولو أطلقت عليه آلاف الإشاعات، وربما مثل هذه الأشياء تزيد من شعبيته وتزيد من محبته؛ فيحق للسلطان ما لا يحق لغيره على حد تعبير أحد الشباب المتواجدين في الحفل، والذي قال أنّه على استعداد أن ينتظره حتّى الصباح.

من ناحيةٍ أُخرى تشهد الساحة الفنية في الوطن العربي الصراع على الألقاب الفنية، وعلى من هو أحق بلقب معين من غيره؟ أو من سبق من؟ في نيل هذا اللقب؛ ولكن يبدو أنّ لا أحد يتجرأ على الاقتراب من لقب «سلطان الطرب». والجميع فيما يبدو مُسَّلِّمين نجوماً وجمهوراً بأن وسوف هو «سلطان الطرب» بدون منازع.

في كلمةٍ ألقاها الممثل الشاب سالم بولس في تقدمة الحفل، قال: إنِّ كلّ نجمٍ من النجوم عندما يأتي تحت سماء الشام يأتي الناس لكي تشاهده، ولكن عندما يأتي السلطان ليغني تحت سماء الشام، فيأتي الناس والنجوم ليشاهدوه. ولعل هذه المقدمة البسيطة هي خير توصيف لتلك العلاقة الغريبة والنادرة بين الجمهور وجورج وسوف، فمن لا يريد أن يشاهده، إنِّه المادة الدسمة لمن يحبّه ولمن يكرهه.


جورج وسوف -سلطان الطرب-
في صالة الفيحاء الرياضية بدمشق

ومن اللافت في هذا الحفل الذي نظمه «دار الفنون» بإدارة السيدة رحاب ناصر خلوه من الفوضى، التي عادةً ما تكتنف حفلات جورج وسوف؛ إذ في لحظةٍ ما، وفي خضمِّ السلطنة، يفلت هذا الجمهور من عقاله ليندفع إلى المسرح وتحل الفوضى. وهذا ما يُحسب للتنظيم إذ شهد دخول الجمهور وخروجه أريحية تامة خالية من التزاحم والتدافع، ولم يمنع هذا التنظيم من بعض المعجبن بالقفز إلى المسرح، فاقترب وسوف من أحدهم ومسح على جبهته وقبلها لتصبح صالة الفيحاء أشبه بقنبلة انفجرت إعجاباً بحركته وعلا التصفير والصراخ في حالة هستيرية لتتوحد تحت هتاف أبو وديع...

قد يكون الحديث عن صوت وسوف وعن نوعية الأغاني التي قدمها مؤخراً حديث لا طائل منه؛ أمام هذا الجمهور العريض وهذا التاريخ الطويل وهذا الحضور الطاغي على المسرح، والأداء المتقن الذي خبر وسوف مفاتيحه، وكل هذا كفيل بأن يطغى على كلّ السجلات والنقاشات التي قد تعكر علاقة وسوف بجمهوره.

عروة المقداد

اكتشف سورية