الإخلاص للدور، إذا جاز التعبير، أكثر صفة جوهرية في الممثل؛ والمقصود بالإخلاص: هو الاشتغال بحرفية على الدور سواء كان بطولة أو دوراً ثانوياً. ربما يحاول جميع الممثلين الاشتغال بإخلاص على الأدوار التي يؤدونها، وتبدو هذه الكلمة هنا غير دقيقة المعنى ضمن هذا السياق، ولكن تصبح مهمة وواضحة عندما يلعب الممثل النجم دوراً ثانوياً يكون فيه ضيفاً على العمل. وفي كثير من الأحيان ما يغيب هذا المعنى عن نجوم كبار، في ظل غياب المخرج الحقيقي الذي يشغل أهم وظيفة من وظائفه وهي إدارة الممثل، فقد رأينا العديد من النجوم في هذا الموسم الدرامي بأداء هزيل غير مقنع.
عموماً، قلة هم الممثلين النجوم الذين يلعبون أدواراً ثانوية يحلون فيها ضيوفاً على الأعمال الدرامية، وقلة من هذه الأدوار التي تعلق في أذهاننا. هذا الأمر يختلف مع الفنان خالد تاجا، فهو يشتغل بنفس السوية على الدور مهما كان حجمه؛ كما أنّه يمتلك الحساسية ليدرك كنه الدور، ويرفعه ليصبح بموازاة دور البطولة، ربما الحساسية التي تكلمنا عنها هي صفة مشتركة في الممثلين المحترفين والعظام. وقد أثبت تاجا أنّ الممثل يستطيع أن يبرز موهبته مهما كان حجم الدور. وإذا نظرنا إلى الأعمال التي أدها تاجا في هذا الموسم سنجد أنّ أدائه لم يختلف قيد أنملة في أيّ دور لعبه، وتبدو أنّ كلمة لعب هنا أكثر إيضاحاً للمعنى، فتاجا يلعب بمتعة على الدور، المتعة التي هي الصنو الملازم للإخلاص.
أبو الملوك شخصية أداها تاجا في مسلسل «أبو جانتي ملك التاكسي»؛ رجل في خريف عمره، يمتلك كراج سيارات ويعمل لديه عدد من (شوفيرية) التكاسي. الشخصية من حيث بعدها الدرامي فقيرة إلى أبعد حد، وهي أحد الأدوار الكلاسيكية التي تجسد صاحب الرزق الشهم والكريم، والذي يستطيع التميز بين الخير والشر، ودائماً ما يحمي البطل وينصحه ويقطع دابر من يشي به من زملائه، ولكن تاجا استطاع فعلاً أن يجذبنا إلى هذه الشخصية بأدائه السهل الممتنع. وربما تاجا هو الوحيد في المسلسل من كان يمثل، فبقية الممثلين ظهروا في المسلسل كما هم، يشبهون أنفسهم في الحياة الحقيقة، وبأداء متكرر وممل، دون أن يثقلوا أنفسهم بعبء التمثيل، على عكس تاجا الذي أعطى لمسته على الشخصية، وأداها ببراعة رغم صغرها في العمل.
في أحد الحوارات مع الفنان خالد تاجا يقول فيها: «لا وجود لدور صغير أو دور كبير فهناك ممثل كبير وممثل صغير». وهذا ما يدلل على الموهبة الفذة لتاجا، ولإخلاصه لأدواره التي يشتغل عليها، والتي تجعله أيقونة الدراما العربية بامتياز.
عروة المقداد
اكتشف سورية