محمد نوح يملك محلاً صغيراً في ظل مئذنة عيسى في قلب دمشق القديمة ويبيع الحلي الصغيرة لأفواج السياح التي تمر حول الجامع الأموي وبابه الأمامي، الكثير مما لديه على الرفوف (كما يعترف بذلك بصراحة) ليس مميزاً، بل فقط تقليد للقطع الأثرية.
أما ما هو مدفون في الخلف تحت كومة من الصناديق والقطع الخزفية الجديدة القديمة، فهو شيء استثنائياً وقيم بالفعل، سيف فولاذي دمشقي، وبنصله الرفيع وانحناءته ولونه الرمادي المعتم يكون نقيض سيوف العرض المبهرجة التي يبيعها لزوار كُثر.
يقول «هذه السيوف مميزة، هي جزء جوهري من تاريخنا وثقافتنا. يعرف بعض الناس السيف الفولاذي الدمشقي بالإسم ولكنهم لم يرَوا واحداً من قبل، وذلك مخجل فنحن لم نعد نرى الكثير منها هنا».
يمكن تقفي أثر الأسلحة الفولاذية الدمشقية التي تعود إلى القرن الثامن الميلادية، والتي حازت لمدة تقارب ألف سنة على سمعة أسطورية بأنها أفضل ما هو متوفر في أي مكان من العالم. معظم تلك الهالة تكوّنت أثناء الحملات الصليبية عندما وجد المحاربون الأوربيون أنفسَهم أمام مدافعين مسلحين بسيوف معقوفة أكثر تقدماً وأقوى وأحدّ وأرشق من سيوفهم البدائية العريضة.
يقول السيد نوح «الكثير من السيوف القديمة غير كاملة، كانت تُستخدم في القتال وذلك يعني أنها تعرضت للكسر، وذلك بدوره يعني أنه ليس من السهل العثور عليها، ومنذ خمس عشرة إلى عشرين سنة اعتدنا رؤية سيوف أكثر هنا، الآن هي قليلة، ذهب الكثير منها إلى الخليج، أو هواة الجمع في أوربا واليابان».
صُنع السيف الذي في محل السيد نوح من قبل أسد الله الدمشقي، واحد من الحرفيين الشهيرين الذين أقاموا في سورية في أواخر فترة الفولاذ الدمشقي، ورغم أنه جيد يقول السيد نوح إنه لن يساوي أكثر من سبعة آلاف دولار، بعض السيوف الفُضلى والأقدم منه تنتقل ملكيتها مقابل مليون دولار.
يقول «أفضّل ألا أبيع أياً منها، فعندما أبيع واحداً أبكي، أشعر بحزن عميق والله، لأنني أعرف أنه قد رحل، ولن أراه من جديد. إن اشترى أحدٌ هذا السيف فقد لا أرى سيفاً فولاذياً دمشقياً حقيقياً آخر لخمس أو عشر سنوات».
إن الضرورة الاقتصادية تدفع بعض العائلات إلى التوجه نحو السيد نوح كي تبيع أسلحتها، يقول «من الأحسن أن يورث الناس سيوفهم لأولادهم ويحتفظوا بها ضمن عائلتهم، أعتقد أن الجميع سيفضلون ذلك ولكننا مضطرون أحياناً إلى بيع هذه الأشياء، إننا بحاجة إلى المال لذلك علينا بيعها».
إن تلك العائلات والقبائل التي احتفظت بسيوفها تنزع إلى أن تكون متكتمة جداً، بحسب السيد نوح، «يغارون جداً عليها، السيف شيء شخصي جداً فلا يريدون إظهاره للغرباء». لقد انقرض فن صناعة السيوف الفولاذية الدمشقية الحقيقية على نحو غامض في القرن الثامن عشر، وحتى هذا اليوم لا يعرف أحد الطرق الدقيقة المستخدمة، وفي عام 2001، بعد مرور مئات السنين على ذروة عهد السيوف، حاول خبراء في الولايات المتحدة إعادة إنتاجها مستخدمين أحدث التقنيات ولكن النجاح كان محدوداً.
يقول الدكتور بن برونسون خبير الفولاذ الدمشقي والمقيم في شيكاغو «كانت هذه السيوف التقاء فريداً لنوع خاص من الفولاذ مع الطريقة التي صُنعت بها ببراعة من قبل صانعي سيوف ممتازين، عرف الصليبيون السيوف الدمشقية جيداً، عرفوها ورهبوها وأُعجبوا بها، كان السيف الدمشقي متفوقاً جداً على ما كانوا يستعملونه».
تقول الأسطورة إن النصل الدمشقي كان يستطيع أن يشرّح المصنوعات الفولاذية الأخرى، وقد تُقسم قطعة من الحرير إذا أُسقطت على سيف لا يتحرك، يقول الدكتور برونسون "تلك الحكايات محض أساطير".
«لكن أمكن شحذ السيف الدمشقي كحد الشفرة وحافظ رغم ذلك على حدته بشكل جيد، أظن أنه كان هناك شيء من الصحة في رواية أن فُضلى السيوف قد تَقسم قطعة من القماش إذا أسقطت على الحد».
يقول الدكتور برونسون القيم السابق على الآثار الآسيوية في متحف شيكاغو الشهير عالمياً، إنه لم يُلقِ بناظره أبداً على سيف فولاذي دمشقي صُنع في العاصمة السورية، العثور على سيوف فولاذية دمشقية أصيلة من سورية سيكون أمراً مثيراً جداً.
«إنها نادرة جداً لآن معظم السيوف لم تكن من دمشق، ربما يمتلكها السوريين ولكنهم يتكتمون على ذلك. اليابان مركز كبير آخر لصناعة السيوف وإذا ذهبت إلى هناك فلن يُظهر لك الناس سيوفهم القديمة، إنه أمر شخصي، لا يريدون أن يُظهروا سيوفهم: هي مُهمة جداً».
إن قدَراً كبيراً من الإرباك يحيط بالسيف الدمشقي، يعود في جزء منه إلى أن بعض الأشكال الحديثة منه ذاتُ تصميم دمشقي متقن: سلسلة من التموجات والعروق على سطح نوعِ فولاذ عادي أكثر، أما في السيف الدمشقي الأصلي فالتموجات أخف وليست مجرد تزيينات، بل جزء من تركيبة الفولاذ وأحد أسباب كونه قاسياً ومطواعاً معاً، يقول الدكتور برونسون «ربما لم يكن للسيوف الفُضلى تصاميم على نصالها، لو امتلكت سيفاً فولاذياً دمشقياً عالي الجودة أصلياً ما أردت إخفاءه تحت تصاميم إضافية، لم تكن السيوف الفضلى مبهرجة التصميم».
حدّد أكبر بائعي الأسلحة والدروع بالمزاد في لندن موعداً في الشهر القادم لمزاد سيضم عدداً كبيراً من سيوف الشرق الأوسط، ومنها نصال دمشق، يقول توماس ديل مار رئيس شركة مزادات علنية تحمل اسمه يمكن أن تصل الأسعار إلى خمسين ألف يورو.
اكتشف سورية|ترجمة هاني محفوظ عن The National