المخرج نجدة أنزور يرد على الانتقادات الموجهة لمسلسل ما ملكت أيمانكم

يتعرض مسلسل «ما ملكت أيمانكم» لحملة انتقادات كبيرة في عدد من وسائل الإعلام وعلى بعض مواقع الإنترنت، تتناول تعرضه لبعض القضايا الحساسة التي اعتبرها البعض جزءاً جوهرياً من الدين الإسلامي، وأن طرحها بهذه الطريقة هو انتقاد سافر لا يستند إلى أساس للدين الإسلامي نفسه، بدءاً من عنوان المسلسل وصولاً إلى الطريقة التي تظهر فيها الشخصية المتدينة في أحداث المسلسل، ناهيك عن النساء المنقبات والمحجبات، وما يصادفهن من أحداث اعتبرها البعض انتقاصاً من وضعهن الاجتماعي كممثلات لفئة معينة من المجتمع.

من جهته أنكر المخرج نجدة أنزور أن يكون مسلسله يتضمن أي إساءة للدين الإسلامي الحنيف، وذكر بأنه هو نفسه قد أخرج عدة مسلسلات دافع فيها عن الدين الإسلامي ونبيه الكريم. وأشار أنزور إلى أن مناقشة المشاكل الاجتماعية والإنسانية في مجتمعاتنا من مختلف جوانبها يُعد حقاً لكل مبدع وفنان ومفكر، بحثاً عن الارتقاء بسوية الإنسان العربي إنسانياً وأخلاقياً واجتماعياً، وأن هذا لن يتأتى إلا بمواجهة هذه المشاكل بالشجاعة المطلوبة.

ولمعرفة رأيه مباشرة، اتصلنا بالمخرج أنزور الذي تفضل بإرسال نسخة من رده إلى موقع «اكتشف سورية» على الانتقادات الموجهة إليه. ونثبت هذا الرد هنا:


مشهد من مسلسل ما ملكت أيمانكم




رد المخرج نجدة إسماعيل أنزور:
لا يوجد أي نص ديني -لا في القرآن الكريم ولا في الحديث الشريف- يمنع استخدام مفردة أو جملة وردت في القرآن الكريم، كعنوان لكتاب أو مؤلف ما، سواء كان مصوراً أو مكتوباً، والقرآن الكريم من الرحمة والسعة والروعة بحيث أنه يحوي اللغة العربية كلها بأعظم صورها، بهذا المعنى إذا كان الاعتراض على الاسم من هذا المدخل، فأعتقد أنه اعتراض لا يستند لا إلى الدين ولا إلى المنطق.

ماذا لو سميت أحد مسلسلاتي «التين والزيتون» أو «طور سنين» أو «سبأ» أو «مكة المكرمة»، إضافة إلى ذلك أنا أنطلق من كوني أحمل ثقافة إسلامية أعتز بها، والإسلام العظيم ليس ملكاً لفرد أو لجماعة، إنه إرث الأمة الباقي إلى أبد الدهر. باعتقادي فإن الاتهام من هذا المدخل يدل بشكل واضح على الاستهداف الشخصي ومحاولة استعداء الجمهور سلفاً. فالأمر واضح في الشكل والمضمون.

مع احترامي الشديد، ففي كل أعمالي السابقة، التاريخية والمعاصرة، حرصتُ على إبداء أكبر قدر من التقدير للإسلام ديناً وثقافة ورجالاً: صلاح الدين، فارس بني مروان، سقف العالم، والحور العين. لكن البعض لا يفرقون بين الإسلام كدين عظيم متسامح وبين بعض المسلمين الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين وهذا لا يحق لهم أصلاً، أنا كفنان أتعامل مع مجتمع إسلامي بألوان لوحته كلها، فقدمتُ رجل الدين النموذج الأمثل وقدمتُ آخر يحاول تحقيق مشروعه السياسي عن طريق الدعوة الدينية في المجتمع الإسلامي.

منقبات ومحجبات وسافرات، ليس لي موقف مسبق من أي منهن، سلوك المرأة وحركتها هي التي تعنيني كفنان. أعرف محجبات رائعات ثقافة وسلوكاً وإيماناً ورقياً وأعرف أخريات لسن كذلك. إن أمي محجبة وقريباتي محجبات، وهذا أمر طبيعي وفطري، لكن غير الطبيعي أن يتم استثمار هذا الأمر لتحقيق مشاريع سياسية، والأهم من كل ذلك أننا أمام لوحة حركية تحوي عشرات بل مئات الجماعات السياسية الإسلامية الجهادية، والدعوية، والصوفية، وكل جماعة لها رأي يخالف الآخر وأحياناً يتناحر معها، فالأمثلة تملأ الأمة: في الصومال، ولبنان، والعراق، وأفغانستان، بل كل مكان، يعني نختار من هو المرجع، ارحمونا يرحمكم الله.


مشهد من مسلسل ما ملكت أيمانكم
للمخرج نجدت إسماعيل أنزور

حينما أنجزت «سقف العالم»، دافعتُ بضراوة عن الثقافة الإسلامية والدين الإسلامي في عمل فني ترك تأثيراً أكبر من كل ما كتب في الإنترنت ووسائل الإعلام.

لقد انطلق المسلسل من نقطة مركزية: وهي الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بوجه الهجمة الصهيونية-الغربية، ينسون ذلك ويهاجمونني لأنني أتحدث عن مجتمعي، هذا هو مجتمعي وفيه العلماني، والمتدين، والمتطرف، والذي ذهب في التطرف إلى وجه القتل العمد؛ وفيه المحجبات والسافرات، وفيه رجال الدين النموذج، وفيه المتسلق على الدين، وفيه الفاسد المستعد لتحويل الدين الحنيف إلى استثمار، وتحت الطاولة يمارس كل أشكال الفساد والرذيلة. مهلاً، العمل الدرامي هو انعكاس للمجتمع، أنا لا أُدين نموذجاً بعينه، أنا أعرض نماذج كما هي في الواقع، بجمالية فنية ودرامية خاصة.


من مسلسل ما ملكت أيمانكم

ثانياً أرجو أن يكون الحوار الموضوعي هو مدخل أي نقد، وليس تسليط سيف الاستفزاز والاتهام، وأود أن أذكر أن الخليفة العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «أخطأ عمر وأصابت امرأة». إن الرجال العظام يقبلون النقد من امرأة عادية، والبعض في زماننا لا يقبلون نقداً حتى من نخبة الأمة، أقترح عليهم بعض التواضع والعودة إلى تراث هذه الأمور، وهذا الدين العظيم ليكونوا أكثر تسامحاً واتساعاً.

لا يخفى على أحد الآلام المبرحة التي عانت منها مجتمعاتنا بسبب التشدد والتطرف وفتاوى القتل، ولا أريد أن أستفيض في هذا الأمر، الإسلام الحنيف يسع الأرض ومن فيها حتى قيام الساعة، ولكن ثمة من لا يتسع صدره لعرض شيء من الحقائق. وأود هنا أن أذيع سراً صغيراً، هذا الخط في المسلسل هو مذكرات شخصية لأحد الجهاديين وهي موثقة 100%، وأكتفي بذلك، وقد حول السيناريو المذكرات إلى مشاهد، وحذف منها الكثير من القصص القاسية والمؤلمة والتي قد تُفهم خطأ. لا أحد فوق النقد، فالآية الكريمة «لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى» خصت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا النبي (ص) فالأمر مفتوح للحوار والنقاش الهادئ والعميق والذي يحترم الأطراف كلها، قبل قليل أوردت مثال سيدنا عمر والمرأة الأنصارية.


مشهد من المسلسل

قليل من التواضع أيها الأخوة: لستم أكثر حرصاً مني على الإسلام، ومن حقي أن أقدم وجهة نظر مختلفة. لا أوحي في أعمالي إلى إدانة أحد أو الترويج لأحد، فأنا فنان معروف بما يكفي لكي لا أتوسل موقعاً ما، لكن أعتقد أن لكل منا دوراً، وأتمنى أن أسمع نقداً موضوعياً أو بالتي هي أحسن فإنني سأشكره، لكن أن تمتلئ المواقع الإلكترونية لبعض الجهات بالشتائم والاستفزازات، فأعتقد أن هذا ليس من أدب الإسلام ولا من أدب الحوار، وهو لا يؤدي إلى أي نتيجة.

لا موقف سلبياً لي من أحد مسبقاً إنما أتعامل مع ظواهر، ومهمتي كفنان أن أكون شاهداً على عصري، ومعظم أعمالي إن لم تكن كلها هي بعض شهادتي على العصر الذي أحيا فيه، وإلا فما هو دوري كفنان؟ هل دوري فقط أن أجري خلف الأموال السهلة أو المشبوهة؟! لو كان الأمر هكذا لهان الأمر ولرأيت الكثير ممن يشتمونني الآن يدورون حولي؟

ليس هذا دوري ولن أخون هذا الدور، وأعتقد أن هذا حق المبدع وواجبه.

اكتشف سورية