سليمان العيسى

المحتويات

.

من ثمارهم تعرفونهم


الشيخ أحمد العيسى شجرة تشبّثت جذورها في قرية النّعيرية ـ حارة بساتين العاصي ـ الواقعة غربي مدينة أنطاكية، وأثمرت الشاعر سليمان العيسى عام 1921، ومرّرَتْ إليه ماء الثقافة، فحفظ سليمان العيسى القرآن، والمعلّقات، وديوان المتنبّي، وآلاف الأبيات من الشّعر العربي، مستأنساً بشجرة توت ترمي بظلالها على باحة الدّار، ولم يكن في القرية مدرسة غير الكُتّاب الذي كان في الحقيقة بيت الشّاعر الصّغير، والذي كان والده الشّيخ أحمد يسكنه.

كطفل في التاسعة من عمره، يحب أن يتذوّق كلّ شيء بنفسه، ويبلغ بحواسّه العالم، بدأ الشاعر بتأمّل النّاس من حوله، وبإدراك الواقع، فكتب أوّل ديوان في القرية، يتحدّث عن هموم الفلاحين في القرية وبؤسهم.

النضال القومي


دخل المدرسة الابتدائية في مدينة أنطاكية حيث وضعه المدير في الصف الرابع مباشرة، وكانت ثورة اللواء العربية قد اشتعلت عندما أحس عرب اللواء بمؤامرة فصله عن الوطن الأم سورية.

شارك بقصائده القومية في المظاهرات والنضال القومي الذي خاضه أبناء اللواء وهو في الصف الخامس، والسادس الابتدائي.

غادر لواء الإسكندرونة بعد سلخه ليتابع مع رفاقه الكفاح ضد الانتداب الفرنسي، وواصل دراسته الثانوية في ثانويات حماة واللاذقية ودمشق. وفي هذه الفترة ذاق مرارة التشرد وعرف قيمة الكفاح في سبيل الأمة العربية ووحدتها وحريتها.

دخل السجن أكثر من مرة بسبب قصائده ومواقفه القومية. ويقول عن ذلك في كتابه «أنا والعروبة»:

«أنا خليّة في جسد
تبحث عن ملايين الخلايا من أخواتها
وتكافح بلا هوادة
لكي يتحرّك الجسد، وتتفتّح الحياة
وجسدي هو أمّتي
هذه الأمّة العربية العظيمة
المنكوبة، الممزّقة
التي مدّت جسور الحضارة بيني وبين العالم
منذ وُجِد العالم، وكانت الحضارات
من هنا، تبدأ قصّة الشّعر في حياتي
وهنا ستنتهي
والشريط الذي سيعرضه
ديوان سليمان العيسى على القارئ
في هذه الصّفحات
ليس إلا حلماً رائعاً
يقاتل ليتحقّق
كل منجزات التاريخ العظيمة
كانت في يوم من الأيام أحلاماً عظيمة
من هذه القناعة، انطلقْتُ
ومازلتُ مصرّاً على قناعتي وأحلامي الصّلبة
أنا في أعماق قومي صرخة
تتشظّى، لا قصيد يُقرأ
حسب لحن ينتهي في وتري
أنّه في صدر غيري يبدأ».

وفي قصيدته «اللهب الشاعر» والتي يهديها إلى روح أبي القاسم الشابي، حادي قافلة النضال العربي في تونس يقول:

«أبا اللّهبِ العتيّ، جرى غناءً
وداعب في دم الموتى، ذُماء!
صدَمْتَ بجرحك الوضّاء ليلاً
فهل لمسَتْ جوانحنا الضياء؟
وغنّيتَ الحياةَ.. فهل رشفْنا
على أكوابها.. إلا الشّقاء؟!
قرأتُك..ثورة في قلب شعب
تزلزل في ظلامتها السّماء!
وأغنية.. أحس بها دمائي
تضجّ بكل جارحة.. نداء!».

شارك في تأسيس البعث منذ البدايات وهو طالب في ثانوية جودة الهاشمي بدمشق ـ كانت «التجهيز الأولى» في ذلك العهد ـ في أوائل الأربعينات من القرن العشرين. أتم تحصيله العالي في دار المعلّمين العالية ببغداد، بمساعدة من العراق الشقيق. عاد من بغداد وعين مدرساً للغة والأدب العربي في ثانويات حلب.

وقد كتب إلى بغداد التي تعرف كيف تغسل العار وتهزم التتار قصيدة بعنوان «سمراء صحرائي»، في «مقتطفات من ديوان العمر»:

«سمراء صحرائي، ونسري أسمر
ورسالتي ورق الخلود الأخضر
وتمرّ قافلتي.. صُواها آية
تهدي.. ودرب بالنجيع معطّر
لا أمسح الجرح الشموخ بجبهتي
دعه بمعركة الرسالة يقطر
باسم العروبة.. فالطريق مواكب
بالحاقدين على الضحى تتعثّر
باسم العروبة.. لا الضباب بمطفئٍ
شمسين ولا لهب الحقود المُسعر
باسم العراق.. يضيء في جنباته
سعد، ويمرح بالمثنى أشقر
لا أمسح الجرح الشموخ بجبهتي
غار انتصاري من جراحي يُضفَر
بغداد يزرعها التتار خناجراً
ودماً، وتصمت كالإله وتصبر
أعرَفتها يوماً إذا ما زمجرت؟
الويل للطغيان يوم تزمجر».

بقي في حلب من سنة 1947 وحتى سنة 1967م، يدرس ويتابع الكتابة والنضال القومي.

عمله


انتقل إلى دمشق موجهاً أول للغة العربية في وزارة التربية. وكان من مؤسسي اتحاد الكتاب العرب في سورية عام 1969م. تزوج من الدكتورة ملكة أبيض، وولد لهما ثلاثة أولاد: معن، وغيلان، وبادية.

أجاد سليمان العيسى الفرنسية والإنكليزية إلى جانب لغته العربية، كما يلم بالتركية. وقد زار معظم أقطار الوطن العربي وعدداً من البلدان الأجنبية.

اتجه إلى كتابة شعر الأطفال بعد نكسة حزيران عام 1967، وشارك مع زوجته الدكتورة ملكة أبيض في ترجمة عدد من الآثار الأدبية، أهمها آثار الكتاب الجزائريين.

كتب في منتصف آب 1982 قصيدة بعنوان «بيروت المحترقة» نجدها في ديوان «أنا والعروبة»:

«تلاحقهم ريح الدمار
عمياء صمّاء بكماء
تصبّ عليهم كلّ ما أبدع الحقد
تدمّر أحشاء الليل
تدمّر ذرّات النهار
أنقاض أنقاض أنقاض
أجساد الأطفال المشوّية
أجساد عربية
الليل يحترق
الضوء يحترق
بيروت.. شاعرتي السمراء.. تحترق
والمجرم مزهو بالجرم
والصمت العربي.. الصمت الصمت هو الغنم
الصمت شريك الجرم
تلاحقهم نار الدماء
عمياء صماء بكماء
منذ اجتثوا من تربتهم
من منبتهم
يا ممطر نار الحقد
على ألعاب الأطفال
على أجساد الأطفال
على أحلام الأطفال
لن تُحرق إلا نفسك
لن تقتل إلا نفسك
المجرم لا يقتل إلا نفسه
تلاحقني ريح الدّمار
عمياء حاقدة صمّاء بكماء
شوهاء تنفر منها الأرض سوداء
وأجلس فوق ركام الأنقاض
أجلس فوق عباب الحزن المضّاض
أتشوف والدمعة.. لا دمعة في عيني
أتشوف خيطاً أبيض
خيطاً عربياً أبيض
من أعماقك يا بيروت
آت آت من أعماقك يا بيروت
ليقول بلا كلمات
زمن البسمة والحب وشلالات الخضرة آت
أنا لم أفقد عينيّ بما صبّ الوحشُ على عينيّ من النيران
لم أفقد في بلدي الإيمان
لم أفقد في أهلي الإيمان
فجذوري أرسخ، أصلب، أعمق من أن
تصل إليها ألسنة النيران
دمّرها يا مجرم، دمّرني حجراً حجراً
سنعود من النيران كما كنا، وكما سنكون
بُناة حضارات.. بشرا
من أعماق الأنقاض نعود
لنكتب أشعاراً
لنحبّ
لنلتقي الدنيا.. بشرا
أنا سحبة ميجانا عربية
في الغربية والشرقية
في الشرقية والغربية
أطنان النار، وأعوام التشويه، وتاريخ القهر
لن تفصل بين الجذر وبين الجذر
بين الزّرقة والبحر
لن تفصلني عن أهلي
في الجبل المتعطش للحب.. وفي السّهل
في الدامور وفي شاتيلا
في أنهار الدم والقتل
لن تفصلني عن أهلي».

الجوائز


- حصل على جائزة لوتس للشعر من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا.
- انتُخب عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق، 1990.
- حصل على جائزة الإبداع الشعري من مؤسسة البابطين.

أهم أعمال الشاعر


1ـ باقة نثر، دار طلاس، دمشق، 1983.
2ـ الأعمال الشعرية (في أربعة أجزاء)، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، الطبعة الأولى، 1995.
3ـ على طريق العمر: معالم سيرة ذاتية، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1996.
4ـ الثمالات (بأجزائها الثلاثة)، وزارة الثقافة، صنعاء، 2001.
5ـ الديوان الضاحك: وزارة الثقافة، صنعاء، 2005.

مجموعات شعرية مستقلة:


1- المرأة في شعري، أبو ظبي، المجمع الثقافي، 1980.
2- موجز ديوان المتنبي، دار طلاس، دمشق 1980.
3- حب وبطولة (مختارات)، دار طلاس، دمشق، 1980.
4- ديوان الجزائر، الجزائر، 1995.
5 ـ ديوان فلسطين، دمشق، دار فلسطين، 1996.
6 ـ ديوان اليمن، صنعاء، الهيئة العامة للكتاب، 1999.
7 ـ ديوان عدن، جامعة عدن، 2004.
8 ـ ديوان لبنان، وزارة الثقافة، دمشق 2006.
9 ـ أنا وحلب، وزارة الثقافة، دمشق، 2006.
10 ـ أنا وساحلنا العربي السوري، وزارة الثقافة، دمشق، 2006.
11 ـ ديوان العراق، وزارة الثقافة، صنعاء، 2007.
12 ـ كتاب اللواء، وزارة الثقافة، صنعاء، 2007.
13 ـ أنا ومصر العربية.
14 ـ أنا وجزيرتنا العربية

أصعب أنواع الكتابة


نذر الشاعر سليمان العيسى قلمه وإبداعه، ووهب عطاءه للطفل العربي أينما كان. ولعلّه من نافلة القول، إن الكتابة للصغار هي أصعب أنواع الكتابة: لأن النزول إلى عقلية الطفل، والاحتفال بخياله المنهمر، والتمكّن من مخاطبته والوصول إلى قلبه ووجدانه، بأرقّ الكلمات وأبسط التعابير، أمر في غاية الصّعوبة، ولم يقدر على ذلك في عالمنا العربي إلا القليل. والشاعر المبدع سليمان العيسى هو أحد هؤلاء القلة، وهو رائد شعر الطفل عند العرب.

ومن يلاحظ الإعلام العربي، يجد أنه قد أغفل الاهتمام بالطفل، ولذلك فإن معظم قصص الأطفال عبارة عن ترجمات عن آداب أجنبية، كما أن المادة التلفزيونية إما منقولة عن نص أجنبي، وإما أنها النص ذاته، بشخوصه وحواره، مع وجود ترجمة مكتوبة تظهر على الشاشة. وهذا يدلّ دلالة واضحة على أن إعلامنا لا يولي التربية والتنشئة أدنى اهتمام، أو أنه عاجز عن ذلك، فيلجأ إلى الاستيراد من الغرب. والمصيبة أنه يستورد قيماً غير قيمه، ومبادئ اجتماعية تناقض مبادئه، وستكون النتيجة جيلاً غريباً عن هويته ولغته وواقعه.

ومن هنا تظهر أهمية ما قدمه ويقدمه الشاعر سليمان العيسى الذي نذر نفسه وشعره لأدب الطفل، موقداً شمعة في الظلام العربي الدامس.

امتطى سليمان العيسى صهوة الأناشيد وراح يصول ويجول في حدائق الشعر بكل حرية، ينتخب من هنا زهرة، ومن هناك وردة، يصطاد من هنا فراشة ويقتنص من هناك عصفورة، ويضعها في قالب شعري رقيق وعميق، سهل الفهم، حلو الإيقاع، حتى ييسّر على الطفل فهمه واستيعابه، والتمتع به.

خمسون عاماً أو يزيد وسليمان العيسى يحلم بالتوجّه إلى الطفل العربي المهمل. ذلك لأنه يعي أن نهضة أي أمة تبدأ من الاهتمام بالطفل فكرياً ووجدانياً، وأن المجتمع الذي يخاصم أطفاله لا يمكن له أن يصالح المستقبل!

ابتكر أجمل الأناشيد من أجل عيون الطفل العربي، ناثراً فيها ـ بذكاء مدهش ـ الأناشيد، الفضائل العظيمة، والقيم الكبرى التي يجب أن يتحلى بها الطفل والإنسان عموماً.

طارد الشاعر القوافي البسيطة، والمفردات السهلة، والإيقاع المتناغم حتى يقدم للطفل أريج اللغة، وشذا القصائد، فحفظها الكبير قبل الصغير، وردّدها الجميع بحب وفهم، فقد جذبت القرّاء لحفظها وتكرارها، بحيث أصبحت جزءاً من كيانهم وثقافتهم. وبقيت تمدّهم بالمفردات والمعاني والصور، بل وبالقيم التي توجه حياتهم أيضاً حتى سنوات متقدمة من عمرهم. وهناك شهادات كثيرة شفوية وخطية على ذلك، وذلك لأن الشاعر قد بذل جهداً كبيراً للحفاظ على:

1ـ اللفظة الرشيقة الموحية، البعيدة الهدف، التي تلقي وراءها ظلالاً وألواناً وتترك أثراً عميقاً في النفس.
2ـ الصورة الشعرية الجميلة التي تبقى مع الطفل طوال حياته، مرة يلتقطها من واقع الأطفال وحياتهم ومرة يستمدّها من أحلامهم وأمانيهم البعيدة.
3ـ الفكرة النبيلة الخيرة التي يحملها الصغير زاداً في طريقه، وكنزاً صغيراً يشع ويضيء.
4ـ الوزن الموسيقي الخفيف الرشيق الذي لا يتجاوز ثلاث كلمات أو أربعاً في كل بيت من أبيات النشيد.

كما يحرص الشاعر على أن يتشابك في النشيد الوضوح والغموض، الواقع والحلم، المحسوس والمعقول، الحقيقة والخيال. فالأغنية تساعد الطفل على تفريغ طاقاته في التنافس على المكان الذي يجلس فيه، وتحسّن علاقته مع الأشخاص الذين يعنون به، وتجعله يشعر بقيمة الأشياء التي تُؤمَن له.

وحين يلعب الأطفال في باحة المدرسة، ويتحلّقون دوائر دوائر، يزيدها النشيد متعة وحماسة.
وحين ينتظمون في جولات خارج المنزل أو المدرسة، سيراً على الأقدام، أو ركوباً في الحافلة الكبيرة التي تقلّهم لإزجاء الوقت وزيادة المتعة. وقبل النوم وريثما يأتيهم النّعاس، ليتغلبوا على الضجر الذي قد يحول بينهم وبين النوم.

ومن هنا جاء إلحاح سليمان العيسى على غناء الأناشيد قبل أي شيء فهو القائل:
«دعوا الطفل يغني
بل غنوا معه أيها الكبار».

هذا الاهتمام جعله يصوغ النشيد على لسان الشجرة، والحجر، والنهر، والبحر، والشمس، والقمر، إلى ما هنالك. ففي قصيدة «بيت بقلب الشجرة» يقول:
«صار لي بيت بقلب الشجرة
من رأى بيتي بقلب الشجرة؟
صرْتُ كالدّوري فيه أختبئ
الغصون الخضر صارت ملعبي
آه.. يا بيتي الذي لا يوصف
قال بابا: أنت حلم مترف
قالت الماما: لقد صار لنا
عشّ عصفور وعصفور هنا
يا رفاقي ورفيقاتي الصغار
إن بيتي لكم في الانتظار».

هذه الأناشيد تعبّر عن حاجة خالدة، كالطعام، والمأوى، والحب والحنان والحرية والمعرفة
ففي قصيدة «الطائرة الزّرقاء» ينشد:

«يا أحلامي الحلوة
يا طائرة الورق
انسابي في نشوة
طيري حتى الأفق
طيري مثل الفرح
يا طائرتي الزّرقاء
بالغيمات اتّشحي
وثبي فوق الأنواء
رودي الجوّ الأوسع
طيري حتى الشهب
لا أحلى لا أروع
من شكلك إن تثبي
لكن ظَلّي بيدي
لا تبتعدي عني
أبداً لا تبتعدي
أو تنفلتي منّي».

وعن الفرح واللعب قال في قصيدة «الفقاعة الجميلة»:
«يا حسنها فقاعة كأنهـــا الحرير
نفختُها برقّـــــة فأوشكتْ تطير».

وفي قصيدة «لعبة الظلال» نسمعه يغني:
«في لعبة الظلال
أقضي بلا ملال
وقتاً طويلاً غارقاً
في لعبة الظلال
رسمتُ ظلّي صورة
جميلة أنيقة
أعطيتُها لوني أنا
أعطيتها الحقيقة
في ظلّ أمي وأبي
أحيا أنا وألعب
نمشي معاً وظلّنا
في إثرنا لا يتعب».

وتدعو الأنشودة إلى العمل والتعاون والنشاط واللعب والفرح والرأفة والطموح. إنها صور من حياة الأطفال، والكبار أيضاً. ففي قصيدة «شاعر العصافير» يتكلم فيها عن أبو الحنّاء الذي وقف يفخر بأبناء جنسه، ويرثي للحيوانات التي تنام شتاء:

«ارْقدي ما شئتِ خلف الحفر
في جذوع الشّجر
ارقدي.. يا كائنات الخدر
نحن في كل الفصول
حيثما شئنا نجول
نملأ الغابات ألحاناً تقول:
للعصافير، لنا، هذي الحقول
والرّوابي، وأعالي الشجر
ارقدي ما شئتِ خلف الحفر
العصافير الرموز
وأغانينا الكنوز
وإذا ضاق بنا يوما مكان
مثل لمح البرق طرنا لمكان
وحملْنا معنا نبض الحياة
إننا رمز الحياة
نحن لا نهدأ في كل الفصول
للعصافير، لنا هذي الحقول
والروابي، وأعالي الشجر
ارقدي ما شئت خلف الحفر».

فديوان «أراجيح تغني للأطفال»، يتألف مما يربو على مئة نشيد، يتغنى معظمها بالطبيعة، فهي المكان الذي يحتضن الأطفال ويوفر لهم ما يحتاجون إليه، ويمارسون فيه أنشطتهم وهواياتهم، كما في «أغنية الضباب»:

«ضباب ضباب يلفّ المدينة
يلفّ القباب ويُلقي السّكينة
تغيب الحديقة تغيب الشوارع
بقلب الضباب
وتغدو الخليقة كأحلام ضائع
وراء الضباب».

ومع الطبيعة تأتي مكوّناتها من حيوان ونبات ففي قصيدة «مائدة للطيور» يقول:

«قوافل بين شحرور ودوري
صنعتُ لهنّ مائدة الطيور
تعالي يا عصافيري تعالي
طعامك جاهز منذ البكور
قوافل عذبة الألحان
تجيء غريبة الألوان
تنقّر ما تشاء بدون خوف
وترمقني وتطفر في حبور
قوافل بين شحرور ودوري».

والحيوان يستأثر بمساحة واسعة من هذه الأناشيد، لأنه صديق محبّب للأطفال، يسرّون بعشرته، ويُفضون إليه بمكنونات صدورهم ومشاعرهم. وكثيراً ما نراهم يخاطبونه ويمثلون معه مشاهد مختلفة لا يتيسر لهم أداؤها مع بني الإنسان.

والأناشيد تشيد بجمال الحيوانات، ولا سيما الأليفة منها، وتبرز مزاياها وفوائدها، مثل نشيد «الحمل الذكي» الذي يقول:

«أنا الحمل الذكي أنا
أحبّ الوثب والمرحا
أحس الأرض لي وطنا
أغني، أنشر الفرحا».

كما تتغنى بصداقتها للإنسان، مثل «قرد صفوان» الذي يقول:
«بيني وبين صديقي
صفوان حب عميق
أعيش بين يديه
أرسو على كتفيه
وأين سار فإني
له السمير الرفيق».

ويشغل النبات حيزاً كبيراً في هذه الأناشيد، ولاسيما الأزهار التي يزرعها الأطفال بأيديهم ويسهرون على رعايتها. ففي قصيدة «الثمر البرّي» يقول:

«الثّمر البرّي الطالع فوق سياج الحقل
كان جميلاً
كان شهياً
يلمع كالياقوت
هذا الثمر الحلو الطالع فوق سياج الحقل
سوف تكون السلّة ملأى
من حبّات التوت
كم كنا نتمنّى خطفَكِ
كم كنّا نتشهّى قطفك
يا حبّات التوت
يا لامعة تحت الشّمس
كأحجار الياقوتْ».

ومن الطبيعة بحيوانها ونباتها، يُنَقِّلنا الديوان بين ألعاب الأطفال وهواياتهم، وهي مهمة جداً في حياتهم ونموهم، فالتعليم في مراحل الطفولة الأولى إنما يجري عن طريق اللعب وممارسة الهوايات. لذلك نرى الأناشيد تشيد بالكثير منه ومنها.

كما يطالعنا الإنسان وعمله في عدد من الأناشيد، ومنها «على شرفات غرناطة» على لسان أبو عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس الذي تصوره الشاعر وقد عاد إلى الأندلس، ووقف على شرفات قصره القديم (الحمراء) في غرناطة، وأخذ يتأمل روائع القصر الباقية والحدائق الخضر المحيطة به، ويتذكّر الحضارة العظيمة التي بناها أجداده العرب.

وهناك أناشيد جميلة تتغنّى بالمنزل والأسرة والمدرسة والمعهد والمدينة والناس. لم ينس سليمان العيسى القيم التي ينبغي التحلّي بها في الحياة الفردية والاجتماعية كما في مثل «يعجبني الجريء»، و«الحب هو الأقوى»، و«تبقى نبضة الحب»:

«كنوزُ الأرض مختبئة
بقلب ملؤه الحب
تظل الأرض منطفئة
إذا لم ينبض القلب
وإني أحمل الدّنيا
أحسّ الناس في قلبي
معاً نسعى.. معاً نحيا».

ومن قصيدة «رمال ما تزال عطشى»، نجد:

«باسم التراب، وباسمهم
يتشقّق الغضب المقدّس
عن حريق، أو عبارة
باسم التراب وباسمهم
يستلهم الكَلِمُ الذي
أعطوه معناه استعارة
باسم التراب وباسمهم
ننهي ونفتتح القصائد
كي تعانقها الحرارة
لا يملكون سوى الحجارة
أطفالنا المتشبثون بأرضهم وبشمسهم
وبزهرة الرّمان والزيتون في أيديهم
لا يملكون سوى الحجارة».

أهم أعماله للأطفال


- ما زالوا في الواحة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1980.
- مسرحيات غنائية للأطفال، بيروت، دار الشورى، 1980.
- قصائد للأطفال، مكتبة لبنان، بيروت، 1981.
- أغاني النهار، مكتبة لبنان، بيروت، 1986.
- أغاني المساء، مكتبة لبنان، بيروت، 1986.
- الشيخ والقمر (مسرحية)، دار طلاس، دمشق، 1987.
- كتاب الأناشيد (جزآن)، يضم الجزء الأول 200 نشيد ملحن مع نوطها الموسيقية بالاشتراك مع كامل القدسي (قُرابة نصف أناشيده لسليمان العيسى). ويضم الجزء الثاني اللوحات الغنائية والموشحات مع نوطها الموسيقية، وزارة التربية، دمشق.
- أحكي لكم طفولتي يا صغار(بالعربية والإنجليزية)، دار الحكمة، لندن، 1993.
- ديوان الأطفال، دار الفكر، دمشق، 2000.
- أغاني الحكايات، أبو ظبي، 2001.
- كلمات خضر للأطفال (بالعربية والفرنسية)، وزارة الثقافة، دمشق، 2005.

النثر:


- شعراؤنا يقدمون أنفسهم للأطفال، دار الآداب، بيروت، 1978.
- وائل يبحث عن وطنه الكبير، قصة نثرية نشرت في «أوراق من حياتي»، بالعربية والفرنسية، وزارة الثقافة، دمشق، 2003.
- قصص نثرية من التراث: لبيكِ أيتها المرأة، الحَدَث الحمراء، ابن الصحراء، دار الآداب، بيروت.
- قصص مزيج من الشعر والنثر: الفرسان الثلاثة، وضاح وليلى في وطن الجدود، سِرْب البجع الأبيض، دار الأهالي، دمشق.
- قصتان من ألف وليلة وليلة، علي بابا والأربعون لصاً، وعلاء الدين والفانوس السحري، مكتبة لبنان، بيروت.

لشاعر سليمان العيسى وزوجته الدكتورة ملكة أبيض

قصص الأطفال المعربة:


بالاشتراك مع الدكتورة ملكة أبيض وبعض الزملاء، صدرت عن دار طلاس ودار الفكر بدمشق:
- قصص بهيجة، 27 جزءاً، دار طلاس، دمشق، بالاشتراك مع بهيج البدين.
- كل يوم حكاية، 28 جزءاً، دار طلاس، دمشق، بالاشتراك مع صلاح مقداد.
- لكل حكاية لعبة، 100 قصة قصيرة، دار طلاس، دمشق، 1994، بالاشتراك مع صلاح مقداد.
- شجرة ندى، مجموعة قصص قصيرة، دار الفكر، دمشق، 1994، بالاشتراك مع صلاح مقداد.
- أحلى الحكايات، 10 قصص، دار يمان، عمَّان، بالاشتراك مع ملكة أبيض.
- سلاسل عديدة هي: الحديقة المعلقة، قصص يحبها الجميع، يُحكى أنَّ، حكايات الجني المرح، حكايات السلحفاة، حكايات ملوّنة، روائع من القارات الخمس، مسرحيات عالمية للأطفال، دار الفكر، دمشق، بالاشتراك مع الدكتورة ملكة أبيض زوجة الشاعر.
- أراجيح تغني للأطفال، 2009، مجلة دبي الثقافية.

ما ترجم له:


1ـ الفراشة وقصائد أخرى: نقلتها إلى الإنجليزية الشاعرة برندا ووكر، دار طلاس، دمشق، 1984.
2ـ رائحة الأرض: نقله إلى الفرنسية الشاعر أتاناز فانشيف دو تراسي، دار طلاس، دمشق، 1987.
3ـ الشجرة: ديوان شعر للأطفال، ترجم إلى الروسية وصدر في موسكو، 1984.
4ـ أحكي لكم طفولتي يا صغار: نقله إلى الإنجليزية عبد الله كامل، وصلاح مقداد، صدر عن دار الحكمة في لندن، 1992.
5ـ أحكي لكم طفولتي يا صغار: نقلته إلى الفرنسية الدكتورة ملكة أبيض، طبع في الجزائر العاصمة، 2001.
6ـ قصائد مختارة: نقلتها إلى الفرنسية الدكتورة ملكة أبيض بالتعاون مع مبروك مبارك، وزارة الثقافة، صنعاء، 2004.
7ـ اليمن في شعري، وزارة الثقافة، صنعاء، 2003.
8ـ أوراق من حياتي، وزارة الثقافة، دمشق، 2003.

أهم ما كتب عنه


1ـ مع سليمان العيسى: مجموعة من الكتاب، دار طلاس، دمشق، 1984.
2ـ سليمان العيسى، ثمانون عاماً من الحلم والأمل، إبراهيم الجرادي، تحرير وتقديم: عبد العزيز المقالح، إشراف عام: دار الرائي، دمشق، 2000.
3ـ وقفات مع سليمان العيسى، ملكة أبيض، الهيئة العامة للكتاب، صنعاء، 2001.
4ـ رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة نابولي، إيطاليا، آنا ماريا كالابريزي، 1995.

الخاتمة


ركّز الشاعر الكبير سليمان العيسى على عالم الطفولة الذي لا يرى منه إلا البراءة والبساطة والعفوية، وعالماً شديد الحساسية وذكياً جداً، فلم يعتمد في كتاباته على التسلية والترفيه بل خضعت قصصه وقصائده لمعايير مهنية وتربوية، تساهم في تطوير الوعي العاطفي للأطفال والشباب وتنمية مداركهم وخيالهم والإحساس بالجمال عبر التأمل وطرح الأسئلة دون أن ينسى أطفال فلسطين الذين جعلوا الحجر، لأوّل مرة في التاريخ، هوية، وانتماء، وتاريخاً.

المراجع


- أراجيح تغني للأطفال، كتاب دبي الثقافية، العدد 26، تموز، 2009.
- أنا والعروبة: مقتطفات من ديوان العمر، وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2007.
- منتدى المقالات الأدبية والمكتبة الأدبية المتكاملة.

إعداد: أميرة سلامة

اكتشف سورية