إبداعات خطية: ودعوة لإعادة الألق لفن الخط العربي

تاج السر حسن، عصام عبد الفتاح، منير الشعراني، وسام شوكت في غاليري رفيا

على خلاف السائد والمعروف يأتي معرض إبداعات خطية في صالة رفيا والذي تم افتتاحه مساء الخميس 20 أيار 2010، يأتي شاهداً على أن الخط العربي كغيره من الفنون متجدد متطور، وأنه ليس بحاجة إلى أثواب مستعارة من الفنون الأخرى ليكتسب صفة الحداثة، لكنه بحاجة إلى مبدعين واعين لأسسه وتشريحه، بروح ناقدة، وخيال حرّ وخلاق... بهذه الكلمات قدمت «غاليري رفيا» لمعرض إبداعات خطية التي يشارك فيه كل من الخطاطين تاج السر حسن من السودان، وعصام عبد الفتاح من مصر، ومنير الشعراني من سورية، ووسام شوكت من العراق.

وعن الاتجاه الماضوي السلفي التقليدي في فن الخط العربي يقول الشعراوي: يزعم رؤوس هذا الاتجاه من الخطاطين والباحثين الأتراك المعاصرين أن فن الخط وصل إلى الكمال في العصر العثماني من حيث صورة الحرف وأسلوب التركيب، حتى صاروا يطلقون عليه اسم الخط التركي، أو الخط الإسلامي، ويرفضون تسميته بالخط العربي، ويلبسونه ثوباً قدسياً يربطه بالنصوص الدينية، وما اقترب منها من الأشعار والحكم، وإذا كان ممكناً فهم أسباب هذا التعصب –لا تبريره– لدى الخطاطين والباحثين الأتراك، المعاصرين، فإنه من غير الممكن فهمه لدى أشباههم من الخطاطين والباحثين العرب.


من معرض إبداعات خطية
للتشكيلي المصري عصام عبد الفتاح

وعن الاتجاه الحروفي الحداثوي الجديد يقول الشعراني في مقدمة دليل المعرض: الحروفية العربية اصطلاح أطلق في البداية لتوصيف أعمال بعض الفنانين العرب الرواد الذين تعاملوا مع الحرف العربي بصيغته التجريدية غير الخطية، أو استلهموه في سياق البحث عن الهوية في ظل الهيمنة الاستعمارية بعدما درسوا الفن في الغرب أو على المناهج الغربية، وأرادوا الوصول إلى صيغ تشكيلية على درجة من الخصوصية المستمدة من الأصول الثقافية والفنية التي ينتمون إليها، لتمييز أعمالهم، ثم أصبح هذا الاصطلاح مطاطاً إلى درجة صار يطلق معها على كل عمل يحتوي على حروف عربية حتى لو كانت من أوراق الجرائد. الأمر الذي أدى إلى خلط كبير بين أعمال لا يربطها رابط من حيث التوجه أو الهدف أو السياق أو الأسلوب أو من حيث القيمة التاريخية أو التشكيلية الإبداعية، ومرتكزاتها الجمالية.


من معرض إبداعات خطية
للتشكيلي العراقي وسام شوكت

بناءً على ذلك يصبح الحديث عن الحروفيين الرواد بعيداً عن موضوعنا، لأن أعمالهم اقتصرت على التعامل مع الصيغة المجردة للحرف الكتابي العربي، ولم يدعوا إلى التعامل مع الحرف العربي بصيغته التي كانت قد تطورت إلى فن قائم بذاته، أما الحروفيون الحداثويون فقد ادعى معظمهم انطلاقهم من الخط العربي في أعمالهم يتساوى في ذلك الخطاطون المجودون والخطاطون الضعفاء، وغيرهم ممن لا يعرفون شيئاً عن فن الخط العربي من الرسامين والملونين.

ويرى الشعراني أنه توجد موجتين في هذا التيار، الموجة الأولى يراها أنها لم تأت بناءً على توجه تحرري أو فكري أو فلسفي أو فني بل أتت لتلبي المتطلبات التي نجمت عن الفورة النفطية التي خلقت حالة من الوفرة في بلدان كانت تعيش قبلها حالة من الفقر والتقشف الإجباري، فكان من الطبيعي أن تشهد تطوراً وانتقالاً إلى حالة مدينية أرقى، لعب التغلغل الغربي المتصاعد دوراً كبيراً في صياغة بنيتها وتوجيه أولوياتها. أما الموجة الثانية فقد بدأت على هامش المهجرين والمهاجرين من الفنانين العرب الذين لجأوا إلى الغرب، واستطاع بعضهم انتزاع مكانة لهم في محافل الفن العالمية والمحلية من خلال خصوصية تجاربهم وتميزها وجديتها وغيرها من المقومات الفنية التي أهلتهم لانتزاع الاعتراف النقدي بهم، والتي لم تكن متوفرة لغيرهم من الفنانين، وخصوصاً أولئك الذين يقفون على هامشهم من الخطاطين والرسامين، الذين بحثوا عن رزقهم ووجدوا ضالتهم في هيمنة الثقافة الاستشراقية، على فئات غير قليلة في المجتمعات التي لجأوا إليها.

من معرض إبداعات خطية
للتشكيلي السوداني تاج السر حسن

ويضيف الشعراني في مقدمته: إن الحروفيين الحداثويين ضربوا عرض الحائط بالخصوصيات الجمالية لفن الخط العربي، مع إصرار بعضهم على استخدامه بطرائقه التقليدية شكلاً ومحتوىً، ولم يجرؤ أحد منهم على أي تعديل أو تطوير أو إضافة إلى أشكال الحروف بصيغتها العثمانية أو إلى أساليب تركيبها، كما أنهم لم ينتجوا أعمالاً يمكن لها أن تصمد في ميزان التحليل والنقد الفني التشكيلي، من حيث البناء والتكوين والتلوين وغيرها من العناصر التي يبنى عليها العمل التشكيلي، فجاءت أعمالهم المعتمدة على الإبهار اللوني كخليط هجين لم يرتق إلى التميز والإبداع في فن الخط بل ضحى بخصوصياته الجمالية التشكيلية، التي ألبسها ثوباً رثاً مستعاراً من فنون تشكيلية أخرى ضرب بخصوصياتها التشكيلية عرض الحائط أيضاً.


من معرض إبداعات خطية
للتشكيلي السوري منير الشعراني

وفي الخلاصة يرى الشعراني: أن كلا الاتجاهين الماضوي السلفي التقليدي، والحروفي الحداثوي الجديد بموجتيه قد لعبا دوراً كبيراً في تعويق مسيرة فن الخط العربي نحو الحداثة، الأول بقفله باب الاجتهاد ومصادرته حق الخطاطين في الإضافة والتجديد والتطوير، والثاني بالإطاحة بخصوصياته الفنية وابتذاله في أعمال هجينة لا تستطيع أن ترجح في ميزان فن الخط العربي ولا في ميزان غيره من الفنون، ناهيك عن ميزان النقد التشكيلي الحق.


وفي نهاية مقالته يرجو الشعراني أن تشكل الأعمال التي يحتويها هذا المعرض على صغره وتجارب أصحابها إجابة ومثالاُ عملياً على ما يمكن للخطاط المبدع تطويره وتجديده وتحديثه واشتقاقه وتوليده من رحم الخط العربي ودعوة لكل المبدعين من الخطاطين لتوظيف مهاراتهم ومواهبهم وخبراتهم ومعرفتهم في سبيل الوصول إلى حدائق تليق بفن الخط العربي، وتعيد إليه ألقه وتجدده وحيويته ومكانته المميزة بين الفنون الجميلة.

المشاركون في المعرض:

تاج السر حسن من مواليد السودان عام 1954، درس الرسم والخط العربي ودرَّسهما، ثم درس التصميم الغرافيكي في لندن، وعمل مصمماً وخطاطاً، وفاز بعدد من المسابقات للخط التقليدي، لفتت مشاركاته البحثية ومعارضة الأنظار إلى ابتكاراته الخطية.

عصام عبد الفتاح من مواليد مصر عام 1962، درس الخط وتخصص بالتذهيب والخطوط الكوفية، وأصبح مدرساً لها، وقد لفتت مشاركاته في المعارض الأنظار إلى تمكنه وميله إلى التجديد في هذه الخطوط وتراكيبها والعمل على تطويرها والإضافة إليها.

منير الشعراني من مواليد سورية عام 1952، درس الخط والتصميم الغرافيكي وعمل بهما، ثم نذر ثقافته وجهده للبحث في التاريخ الجمالي للخط العربي، وأسسه البنيوية، مبشارً نظريا وعملياً بحداثة خطية تميزت بها مشاركاته ومعارضه التي تأثر بها كثيرون.

وسام شوكت من مواليد العراق عام 1974، درس الهندسة المدنية إلا أن شغفه بالخط العربي سيطر عليه، فعمل خطاطاً ومصمماً غرافيكياً، شارك في معارض عربية ودولية، وفاز في مسابقات للخط التقليدي، وأوصله شغفه إلى توليد خط جديد من رحم قديم.

اكتشف سورية