كولوس سليمان في مرسم فاتح المدرس

07/آذار/2010

برعاية وزارة الثقافة اُفتتح في مرسم فاتح المدرس المعرض الفردي للفنان التشكيلي كولوس سليمان وذلك مساء الأربعاء 3 آذار2010.

الفنان كولوس سليمان الذي يعمل دون كللٍ، معتزلاً ومراقباً على الدوام لا يعرف اليأس أو التخاذل في مهمته، فهو يرى بأن الفن غير بعيد عن مواكبة تصوراته عن الحياة، فهو يتميز من خلال تجربته العامة بالتنوع في الأساليب، ويرى بأن المواضيع المختلفة تحتاج إلى أساليب مختلفة، وفي النتيجة تترابط تلك الأساليب والمواضيع برابط خفي لا يحتاج سوى لحس سليم لرؤية ذلك الرابط بين الأعمال السابقة والحالية.


التشكيلي زهير حسيب

«اكتشف سورية» تابع حفل الافتتاح الذي اتسم بحضور مميز من قبل الفنانين التشكيليين الشباب والمهتمين بالشأن التشكيلي. والتقى الفنان التشكيلي زهير حسيب الذي يقول عن تجربة التشكيلي كولوس سليمان: «أعرف كولوس منذ عشر سنوات وقد تابعت تنوع تجربته وتطورها منذ ذلك الوقت، في هذا المعرض يقدم لنا كولوس الماعز ضمن بيئته المتعددة فهو يأخذ هذا العنصر الحيواني ويقدمه بتنوع شكلي ولوني متقن رغم أحادية اللون التي يعتمد عليها، كما نرى الاختلاف تكوينياً في هذه الأعمال مما يعطينا مساحة كبيرة من التجوال في معرضه الذي يعتمد فيه على اللون المستمد من الرمادي والذي يعتبر من الألوان الصعبة، ورغم ذلك استطاع كولوس أن يسيطر عليه ببراعة تحسب له، كما أنه يستخدم الخط بطريقة جميلة ومدروسة مما يضعنا أمام لوحات متناسقة رغم المفردة الواحدة التي يستخدمها ألا وهي الماعز».

التشكيلي عدنان عبد الرحمن

ومن جانبه يحدثنا الفنان التشكيلي عدنان عبد الرحمن: «المفاجأة الأولى التي تلقيتها من هذا الفنان هي رؤيتي لبوستر المعرض، والذي يعطينا من خلاله فكرة أولية عن تجربته الجديدة، لقد كان لي اطلاع على تجاربه السابقة والتي كانت تعتمد على مفردات مغايرة لهذا المعرض إضافة للسماكات اللونية التي كان يعتمد عليها مسبقاً، أما في هذه التجربة فأنا أرى شيئاً مختلفاً، فهو موفق في استخدامه للأبيض والأسود وما بينهما من اللون الرمادي ورغم ذلك أشعر بحرارة المنطقة التي جاء منها (الحسكة)، والجميل في معرضه الجديد هذا هو التآلف ما بين الريف والتمدن الحاصل في لوحاته، هذا على صعيد الموضوع، أما عن اختياره لمفردة الماعز فهو شيء مُلفت وجميل».

التشكيلي كولوس سليمان

كما التقى «اكتشف سورية» الفنان التشكيلي كولوس سليمان وحاوره عن تجربته الجديدة فكان هذا الحوار.

تتسم أعمالك بواقعية خاصة من خلال تعاملك مع الضوء والفراغ، من أين يستمد الفنان كولوس سليمان تصوراته اللونية وخصوصيته في تعامله مع التفاصيل المكانية للعمل الفني؟
العمل المعروض هو نتيجة لكل ما يمكن تسميته اختزالاً بالتجربة التراكمية، من خلال المسعى على مسارين غير منفصلين هما المراقبة والعمل، ولا يمكن التضحية بأحدهما على حساب الآخر، ثم يأتي الإحساس بالموضوع ليضع النقاط على الحروف أو أن يكون هذا الإحساس بديلاً عن الواو الموجودة بين المراقبة والعمل ليأخذ مكانه الطبيعي بعد أن أصبح غائباً في عالم يدعو إلى العقلنة والتقشف في العاطفة على حساب التكنيك.

ويضيف التشكيلي كولوس سليمان:
لا أعتقد بأن العاطفة هي ثالث أثافي الفن، ومن جانب آخر - في ما يمكن ملاحظته بوضوح - نجد التقشف والبساطة الظاهرة في الأعمال المعروضة حالياً، والتي تحاكي الطبيعة الرعوية البسيطة في التفاصيل، والتي يمكن أن تستدعي الانتباه من خلال مشكاة الفنان. وقد يكون الأمر هو إحياء للفلسفة الانطباعية ولكن دون أن تكون الأعمال محصورة أو مسقوفة بقياس تلك الفلسفة، وقد نرى شيئاً من عالم مارك شاغال الساحر لذلك أكدت بأن العمل الفني يتصف بالشمولية لما يمكن تسميته بالتجربة الإنسانية المتراكمة. فلا أعتقد بالانقطاع المعرفي، أي بأن يكون الجديد هو المناقض أو المخالف لما هو قديم، لذلك لا أوافق ديكارت عندما يقول: «أكاد أعتقد بأنه لا يوجد رجال قبلي».

وعن سبب التقشف في اللون في أعماله الحالية يجيب:
هناك مفهوم وحدة الشكل والموضوع، ونستطيع أن نشتق من هذا المفهوم وحدة الموضوع والأسلوب، لذلك أعتقد بأن هكذا موضوع يحتاج لهذا الأسلوب وهذا على الأقل من وجهة نظري. وأتذكر ما قاله الفنان الانطباعي ديغاس: «قد نستطيع أن نصنع من الأبيض والأسود تحفة ما» مع أنني لم أنطلق من هذه العبارة في العمل فلا يمكن تحقيقها إلا بالمثابرة والسير قدماً نحو تلك النعمة التي لا تأتي سوى بالجهد المزدوج نظرياً و عملياً، أو كما يقول فان كوخ بأنه «كان يغامر بنصف عقله ليبدع تحفة ما».

نلاحظ من خلال أعمالك تحديداً معيناً للزمن وذلك بمفهومه الواقعي، وذلك بتنوع لعبة التعامل مع اللون وبحرفية عالية. كيف تقرأ لنا مفهومك للزمن من خلال هذه الأعمال؟
الزمن في لوحاتي هو زمنٌ أرضي بامتياز، حيث يتبع خطاً مستقيماً، و بالرغم من ذلك يمكن ملاحظة الزمن وهو يتشكل من خلال تتابع معروف. وإن كلّ بزوغ للشمس هو دعوة للحضور ليتشكل المكان بفعل الضوء، لذلك حاولت أن أتمثل الزمن في تلك اللحظة المكثفة والمباركة التي تفصل بين العتمة والنور، وهذا يفسر حضور اللون الرمادي في تلك الأعمال واكتفيت أولاً بالأبيض والأسود لأحصل على درجات متفاوتة من الرمادي الذي يتميز الفجر من خلاله، ثم انتقلت إلى استخدام اللون استخداماً مقنناً للتعبير عن الموضوع وعن الذات.

تتكئ في هذه الأعمال على الماعز كعنصر أساسي في تكوين اللوحة، مع العلم أن الاستعانة بالأشكال الحيوانية في العمل الفني قديمة جداً، فما هو الجديد الذي تقدمه في هذه الأعمال؟
تلك المخلوقات الصباحية كانت تغريني بالرسم، وتؤكد على تصوري ورغبتي التي تحدثت عنها قبل قليل، أي تشكل المكان بفعل الضوء، لذا حاولت أن أجمع بين تصوري وبين ما هو متاح أمامي من خلال مراقبة هذه المخلوقات لساعات ودراسة حركاتها وعاداتها بمنظور فني بحت، دون أن أنساق وراء المبالغة في التعبير أو رصد حياتها الطبيعية، لأعبر بالنتيجة عن موقفي الشخصي الشامل، دون أن أتورط أيضاً في الرمز والدلالات الأسطورية لهذا الكائن الطبيعي، ولأن العلاقة بين الإنسان والحيوان قيل عنها الكثير من خلال العلاقة الطوطمية المعروفة.

وبعيداً عن الشكل والمضمون سألت الفنان عن تجربة العرض في مرسم الفنان السوري الكبير فاتح المدرس و لاسيما بأن العرض هو الأول له في العاصمة دمشق فأجاب:
كانت سعادتي مزدوجة بمعرضي الأول في دمشق، ومن جهة ثانية بأن أعرض في المكان نفسه الذي كان يرسم فيه الفنان الكبير فاتح المدرس، وبعيداً عن المزايدة وبكل بساطة أشعر بالحبور والسرور لتواجد أعمالي في هذا المكان، ولاسيما بأن فاتح المدرس يتسامى ليس بفرادته فحسب بل بمجموعة من التجليات من خلال التسامي عليها، ليتحول أي شيء يرسمه إلى ترقيم يستقر في الذاكرة. وعبقريته لم تأت من الموضوع بحصر الفكرة، فالأرض والإنسان كائنان ينتميان إلى التاريخ عموماً وهما ينتميان إلى الذاكرة، وذاكرة المدرّس جعلت من المنظور خالداً. فالأرض لم تعد هي التي اختبرناها، والإنسان أصبح متتماً من جهة ومحورياً في الوقت نفسه، من خلال الالتقاء الأفقي والعمودي في المنظور في لوحات الفنان فاتح المدرّس، لحصر التفاصيل الممكنة وغير الممكنة ولجعل الذاكرة أكثر خصوبة وحضوراً وتضمين الحياة بالتمثيل والملاءمة.

يذكر أن المعرض مستمر لغاية 15 آذار 2010 في مرسم فاتح المدرس - ساحة النجمة - البناء الواقع بين نادي الشرق ومديرية المسارح.


مازن عباس
اكتشف سورية