مشروع فنان: تجربة فنية رائدة في حلب

02/آذار/2010

من التجارب الجديدة المميزة التي تتم في مدينة حلب تجربة «مشروع فنان» والتي تقوم على تعليم أطفال تتراوح أعمارهم من الرابعة حتى الثانية عشرة من العمر مبادئ العزف على الآلات الموسيقية. هذه التجربة التي تتم لأول مرة في مدينة حلب مستقاة عن تجربة يابانية أجراها الدكتور شينيتشي سوزوكي قبل سنوات ونشرها في كتاب نال شهرة واسعة.

وقد أقيم مساء يوم الجمعة 26 شباط 2010 أمسية موسيقية شملت 14 طفلاً وطفلة على آلة البيانو في عرض لما وصل إليه هؤلاء الطلاب من تطور وتحسن.

«اكتشف سورية» كان على موعد مع هذه التجربة حيث قام بلقاء المؤسسين لها والمشرفين عليها إضافة إلى استطلاع رأي عدد من الحضور. البداية كانت مع الأستاذ وانيس مبيض عازف الكمان وأحد مؤسسي هذه التجربة والذي قال لنا: «ظهرت الفكرة بداية لدى صديقنا الأستاذ حلمي الجراح المقيم حالياً خارج القطر حيث قدّم هذه الفكرة انطلاقاً من تجربة رآها خارج سورية تتعلق بتعليم أطفال صغار السن للموسيقى والعزف بدءاً من عمر الثالثة وذلك بأسلوب بسيط وممتع. لم أكن في البداية مقتنعاً بشكل كبير بالفكرة إلا أنني بدأت بتنفيذها مع ابنتيّ الصغيرتين وعدد من أولاد أصدقائي قبل عدة سنوات. ولأجل إنجاح هذه التجربة، قمنا باستعمال منهاج خاص تم تطويره خصيصاً للأطفال في هذا العمر يعتمد على التلقين واللعب والتدريب بعيداً عن استعمال النوتة الموسيقية، والذي وضعه البروفيسور الياباني الدكتور شينيتشي سوزوكي، وهذا المشروع حصيلة سنين طويلة من عمله على هذا الموضوع، ودراسته لهذه الظاهرة في فكرة كان يهدف منها إلى تنشئة جيل موسيقي. ونحن من جهتنا أول من طبق هذه الفكرة في سورية».

كانت البداية مع تعليم الأطفال الصغار مبادئ العزف على آلة الكمان، ومن ثم آلة البيانو حيث يقول الأستاذ وانيس بأن «مشروع فنان» هو مشروع موسيقي في المقام الأول وليس مرتبطاً بآلة موسيقية بقدر ما هو مرتبط بالأطفال الذين يرغبون بالتعلم على آلة ما ضمن هذا المشروع: «كانت البداية مع آلة الكمان بسبب وجود عدد كبير ممن يرغب بالتعلم على هذه الآلة، وكنا نضع أحياناً بعض الطلاب الذين يتعلمون على آلة البيانو ضمن الحفلات التي كنا نقيمها في الماضي. وبعد أن ازداد العدد، استقلت حفلات البيانو عن حفلات الكمان، وحتى أصبح هناك حفلتان بالنسبة للعازفين على آلة الكمان واحدة للمبتدئين والثانية للمتقدمين. وحالياً هناك طالبان يريدان التعلم على آلة التشيلو».

وعدد الأطفال المشاركين في المشروع حالياً هو 36 طفل وطفلة على آلة الكمان، و14 طفلاً وطفلة على آلة البيانو حيث يقول السيد وانيس بأن المشكلة التي تواجه التجربة حالياً هي عدم وجود العدد الكافي من المعلمين القادرين على استخدام أسلوب التدريس الجديد هذا على اعتبار أنه مختلف عن نمط التدريس التقليدي الذي اعتاد عليه معظم معلمي الموسيقى».

أما الملحن والموزع الموسيقي الأستاذ سمير كويفاتي أحد المؤسسين لهذه التجربة فيقول عنها: «ليس الهدف من هذه التجربة تخريج عباقرة في مجال الموسيقى بقدر ما هو تنشئة جيل متذوق للموسيقى ومهتم بها. نحن نبدأ من الطلاب بأعمار صغيرة وبمجرد أن يصل الطفل إلى عمر السادسة أو السابعة فإنه ينتقل من هذه التجربة إلى المعهد الموسيقي ليتعلم الموسيقى أكاديمياً، وبالنسبة لنا كرواد لهذه التجربة فلا نسعى إلى أكثر مما سبق».

ويتابع الأستاذ سمير قائلاً بأن المشروع يستهدف الأطفال من عمر الثانية أو الثالثة - كما يؤكد ويشدد ـ وصولاً إلى سن السادسة عن طريق تعليمهم الموسيقى بأسلوب مختلف مضيفاً بأن هذه التجربة تزرع في الأطفال الكثير بخلاف الجانب الموسيقي مثل النظام وحس المسؤولية حيث يتابع قائلاً: «عندما يصعد الطفل إلى المسرح ليؤدي المقطوعة الموسيقية ويسمع بعدها التصفيق من الحضور، سيعتاد على عدد من الأمور من بينها النظام والمسؤولية. اليوم مثلاً، قررت أن أبدأ الحفل في تمام الثامنة مساء وبدون أي تأخير حتى لو كان هناك شخصان موجودان في القاعة! هذا الأمر أدى إلى أن يتعلم الأولاد مفهوم تقدير الوقت. علاوة على ذلك تعلم الأولاد كيف أن عليهم تحية الجمهور الذي يصفق لهم بعد العزف وغير ذلك الكثير. إن هذه الأمسية وغيرها ستجعل الأولاد يأتون غداً إلى الدرس بحماس أكبر وترقب للأمسية التالية بسبب الحفاوة والتقدير الذي نالوه من الجمهور».

وختم الأستاذ سمير بالقول أن على الأهل ألا يفرحوا بالتقاط الصور ووجود أطفالهم على المسرح، بل يجب عليهم التفكير بالخطوة التالية وما سيحدث لاحقاً مضيفاً بأن اليوم كان عبارة عن جرعة موسيقية للأطفال يجب تنميتها والعمل عليها من خلال دعم الأهل لجهود أطفالهم.

من جهتها تقول معلمة البيانو الآنسة نور كويفاتي بأن طريقة التدريس لهؤلاء الأطفال تختلف بحسب أعمار الأطفال حيث تتابع قائلة: «لدينا حالياً 14 طالباً يشرف عليهم تقريبا خمس معلمات. تتراوح أعمار هؤلاء الطلاب بين 4 و12 سنة. بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و7 سنوات فإن طريقة التدريس تقوم على جعلهم يحفظون المقطوعة الموسيقية كما هي ولا يتم تدريسهم النوتة الموسيقية، أما الأعمار الأكبر فيتم تعليمهم مبادئ النوتة الموسيقية بشكل جيد».

وتتابع قائلة بأن المستوى يختلف من طالب إلى آخر مضيفة بأن هذه التجربة بدورها علمتها الصبر والهدوء.

ليس الهدف هو العزف:
يقول الدكتور فؤاد محمد فؤاد والد الشاب غدي الذي يتعلم على آلة البيانو بأن العزف والموسيقى هو آخر موضوع يتعلمه الطلاب في هذه التجربة، فالتجربة تعلم الطالب كيف ينظر للعالم حيث الموسيقى هي نفسها نظرة جديدة ومختلفة للعالم، ويتابع بالقول: «الغاية هنا ليست تعلم العزف، ويمكن ألا يصل هؤلاء الأطفال إلى مرحلة العازفين المحترفين مستقبلاً، ولكن المهم هو أنهم يتعلمون الموسيقى والموسيقى هي لغة الحضارة».

ويضيف الدكتور فؤاد بأنه كان من المساهمين في الفكرة مع السيد حلمي الجراح والأستاذ وانيس والأستاذ سمير. ويتابع بأن الفكرة جاءت من الرغبة في تعليم الأولاد الموسيقى كمادة وكلغة مثلها مثل المواد واللغات التي يتعلمها الأطفال في صغرهم مختتماً قوله بأن التجربة مميزة وفريدة من نوعها.


جانب من الحضور

أما الطفل غدي فؤاد الذي يبلغ من العمر الحادية عشرة، فقد قدم عدداً من المقطوعات المميزة في تلك الأمسية والتي تعود إلى حصيلة ست سنوات من التدريب على هذه الآلة حيث يقول: «أحببت أن أعزف على آلة البيانو، وأحب هذه الآلة والمقطوعات التي يتم تأديتها بواسطتها. كانت المقطوعات التي تعلمتها سهلة في البداية ومن بدأت تزداد صعوبة مع مرور الوقت».

ويختم كلامه بالقول بأنه يرغب متابعة تعلمه على آلة البيانو إنما دون احتراف العزف، مضيفاً بأنه يريد دخول الجامعة ومتابعة تحصيله الأكاديمي إنما مع بقائه عازفاً هاوياً في الوقت نفسه.

وجذبت التجربة عددا لا بأس به من الحضور الذين قدموا ليتابعوا هذه التجربة؛ منهم السيدة نزهة سركيس التي قالت لنا عن رأيها فيها: «إن هذه التجربة جديدة ومميزة، وهذه هي المرة الأولى التي أحضر فيها إحدى الأمسيات الخاصة بها. ما لفت نظري هو العنوان والذي هو "مشروع فنان" والذي يعبر عن كثير من المعاني».

والسيدة نزهة لديها طفلة تبلغ من العمر عشر سنوات، تقول بأنها جاءت معها لكي ترى أصدقاء ابنتها يعزفون، وتتابع قائلة بأنها ستفكر في إدراج ابنتها في التجربة لما رأته من آثار جيدة على الأطفال المشاركين فيها.

ما يميز هذه التجربة هو تعاملها مع الأطفال في سن مبكرة للغاية بحيث تزرع فيهم الموسيقى بطريقة تتجاوز المنهج التقليدي القائم حالياً، أما العامل الأهم فهو أن هذه التجربة ستؤدي في المستقبل إلى نشوء جيل من الأطفال متذوق للموسيقى بشكل جيد مع وجود عدد لا بأس به من الأطفال الذين قد يتحولون مستقبلاً إلى «مشروع فنان».


أحمد بيطار - حلب
اكتشف سورية