فريد الأطرش وفهد بلان في محاضرة عنهما بالسويداء

العماطوري: الأطرش يشبه الموسيقار النمساوي فرانس شوبير

ضمن فعاليات مهرجان الجبل الأول المقامة في محافظة السويداء، ألقى كلّ من الأستاذ الصحفي معين العماطوري والباحث والمؤرخ الموسيقي صميم الشريف محاضرةً بقسمين، تحدث الأول فيها عن صوت من أصوات سورية وهو صوت الفنان الراحل فهد بلان ليتحدث الشريف عن الموسيقار فريد الأطرش .



الفنان الراحل فهد بلان

وفي تقديم الأستاذ معين العماطوري عن حياة فهد بلان وبداياته الفنية يقول: «ولد فهد بلان عام 1933 في قرية الكفر، والده حمود بن أحمد بلان، الذي عمل في بداياته في فلاحة الأرض قبل أن يصبح دركيّاً، وهو يملك صوتاً قوياً وجميلاً، ويجيد العزف على آلة الرباب، فاكتسب فهد بلان من أبيه الميل إلى الموسيقى والغناء. في عام 1957 تقدم إلى امتحان القبول كمردد في جوقة الإذاعة السورية. ولم يكن الامتحان سهلاً، فقد كان عليه أن يمثل أمام قطبين من أقطاب الموسيقى في سورية وهما يحيى السعودي ورياض البندك. ليتعرف أواخر عام 1957 على الملحن سهيل عرفة، وكان أول عمل مشترك لهما هو أغنية "يا بطل الأحرار" التي نظمها راشد الشيخ ولحنها سهيل عرفة وغناها فهد بلان مطلع عام 1958 ابتهاجاً بالوحدة بين سورية ومصر».



الفنانان الراحلان فريد الأطرش و فهد بلان

أما عن لقائه الأول مع الموسيقار فريد الأطرش يقول العماطوري: «كان ذلك في شهر شباط عام 1959، عندما طلب منه صديقه زكي نظام الدين أن يستمع إلى الصوت الجبلي القادم من السويداء ليبدي رأيه فيه. ووقف فهد بلان ليغني أحدث أغنية لفريد الأطرش وقتذاك "وحياة عينيكي"، واستمع فريد الأطرش حتّى النهاية، ثمّ اقترب من فهد بلان وقبله وقال له ناصحاً:"صوتك جميل وقوي يا فهد، ولكني أنصحك من أجلك أن تبتعد عن سكتي"، ليقدم له فريد بعدها مجموعة من الألحان كان أولها لحن «ما أقدرش على كده».



من أجواء المحاضرة

يتابع العماطوري: «وبعد هذا بفترة كان لقاء فهد بلان الأول بالملحن عبد الفتاح سكر، وبحكم إعجاب عبد الفتاح سكر بصوته، قرر التعاون معه من أجل ابتداع لون جديد في الغناء العربي، وكان أول عمل مشترك لهما تلك اللوحة الفنية الشعبية الرائعة «لركب حدك يالموتور»، ثمّ جاء اللقاء الأول بين بلان والموسيقار محمد عبد الوهاب في فندق السان جورج في كانون الثاني من عام 1963، ولما كانت أغلب أغنيات فهد من نوع الطقطوقة والغناء الشعبي، نصحه بالتجديد والتنويع، كي لا يمل المستمع من التكرار. وعملاً بنصيحة عبد الوهاب ولدت قصيدة "يا ساحر العينين يا أكحل" التي نظمها عبد الجليل وهبة ولحنها عبد الفتاح سكر. ولكي يدعم فهد بلان وجوده في لبنان استعان بعدد من شعراء الأغنية اللبنانيين وبملحنين لبنانيين أيضاً، ليتلقى دعوة الأستاذ جلال المعوض للمشاركة في حفل أضواء المدينة الذي سيقام في دمشق وينقل عبر الأثير، وكان على رأس قائمة المشاركين في هذا الحفل المطرب عبد الحليم حافظ ومحمد عبد المطلب وشريفة فاضل وغيرهم من أعلام الطرب والغناء. أصر عبد الحليم حافظ في هذا الحفل أن يقدم فهد بلان للجمهور بأسلوب خاص، وهكذا غنى فهد في تلك الليلة كما لم يغنِ من قبل فأبدع. ودعاه للمشاركة في حفل أضواء المدينة الذي سيقام في القاهرة في شهر نيسان الذي يصادف فيه عيد "شم النسيم" عيد الربيع».


أما عن حياته السينمائية، فيقول العماطوري: «ذكرت الصحف والجرائد أنّ النجم فهد بلان حطم أرقاماً قياسية في إيرادات أفلامه التي بلغت 14 فيلماً مع أهم نجوم السينما العربية»، ويستطرد في الحديث عن الراحل وأغانيه الوطنية التي امتاز بها، وهنا ينقل شهادة الملحن سليم سروة: «غنى فهد بلان من ألحاني 10 أسلوغونات وطنية، إضافةً إلى الأغاني الوطنية للملحنين الآخرين والتي قدمها من صميم قلبه وحبه لوطنه وانتمائه إليه، ما دفع إسرائيل إلى تقديم شكوى لهيئة الأمم المتحدة بأنّ سورية تهددها من خلال الطريقة التي يقدم بها فهد بلان أغانيه». لتكون المرحلة الأخيرة من حياة فهد بلان هي المرحلة الثنائية مع الشاعر والملحن سعدو الذيب الذي أنجز معه مجموعة من الأغاني أولها "يوم على يوم". وفي صباح يوم الأربعاء الموافق في 24 كانون الأول 1997، توفي فهد بلان بعد حياة ملؤها الرجولة والفن الملتزم والشخصية القوية التي تحمل الهوية السورية بحق».


الموسيقار السوري الراحل
فريد الأطرش

من جهته، فإن الباحث والمؤرخ صميم الشريف تحدث عن الموسيقار الراحل فريد الأطرش واصفاً إياه في مطلع محاضرته بقوله: «فريد الأطرش هو الفنان الجامع المانع الذي عرفتُه منذ منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، وهو العازف المتميز على العود، والشاعر في المونولوج، والرائع في القصيدة، واللاعب الماهر في الأوبريت». ليستطرد الشريف مستشهداً بمقولة الناقد مدحت عاصي عن فريد الأطرش: «لقد استطاع أن يجمع حلاوة وقدرة رياض السنباطي، ومحمد القصبجي، وفريد غصن في ريشة واحدة». وحسب الشريف، فقد كان فريد غصن أولَ معلم لفريد الأطرش، ومن بعده الموسيقار محمد القصبجي، ثمّ الموسيقار رياض السنباطي. وهو بالرغم من تتلمذه على أيدي العمالقة، إلا أنّه استطاع أن يكون شخصيته المتميزة والمتفردة التي لم يسبقه إليها أحد، فهو على سبيل المثال في تقاسيمه الخاصة كان يرتجل بوقت أقصر بنصف المدة التي يستغرقها الكلاسيكيين وهي 15 دقيقة، أما فريد الأطرش فكان ينجز تقاسيمه وانتقالاته خلال 7 إلى 8 دقائق فخياله الموسيقي الخصب كان يوحي بمعالجة الفكرة واختيار المقام واختزال الأدوار الثلاثة ليعود إلى المقام الأساسي، وهذا كما يرى الشريف يعود إلى طابع الشخصية الشعبية وتموينها التي امتاز بها فريد الأطرش عن غيره من الفنانين مما خلق له هذه الخصوصية. ويكمل الشريف مستشهداً مرةً أخرى بمدحت عاصي وكلامه عن الأطرش: «هناك عدة عوامل ساهمت بتكوين الشخصية الفنية المميزة لفريد الأطرش وهي الوراثة فقد كان والده الأمير فهد الأطرش ذو صوت جميل، كما أنّ والدته الأميرة علياء المنذر كانت تتمتع كذلك بصوت جميل، وساعدت البيئة التي نشأ فيها على تكوين شخصيته أيضاً فأخوه فؤاد أيضاً يملك صوتاً جميلاً وكان يلتقي في منزلهم في القاهرة أهم ملحني تلك الفترة من أمثال فريد غصن ومحمد القصبجي وداوود حسن. وهذا يدل على سبب اشتغال الأطرش مبكراً في إذاعة شقال الخاصة بالقاهرة فعمل فيها عازفاً ومن ثم مغنياً نظراً لجمال ما كان يؤديه. ليبدأ مشواره بحق في أواخر الثلاثينات بمجمعة من الأغاني التي لحنها بنفسه، ثم تمّ اللقاء بينه وبين الملحن يحيى اللبابيدي الذي قدم له ثلاثة ألحان هي "كرهت حبك" و"من يوم ما حب فؤادي" و"يا ريتني طير"، وتعتبر هذه الألحان الثلاثة هي الوحيدة التي غناها فريد الأطرش ولم تكن من ألحانه، وهو الذي كان غزير الألحان ويعتبر من رواد الطقطوقة والمونولوج اللذان قدمهما بغزارة في بداية مشواره، وهو أول من أدخل التانغو الإسباني إلى الطقطوقة الشعبية التي عمل على تطيرها متتبعاً في هذا أسلوب محمد القصبجي، ويعتبر معه من أهم من طور هذا الأسلوب الذي ابتدعه سيد درويش ومن ألحان الطقطوقة التي قدمها "احلفيلي" و"بحب من غير أمل" وأداري آلامي"».



من أجواء المحاضرة

أما على صعيد أغنيته الشعبية فيعتبر الشريف أنّ فريد الأطرش وحد الثقافة الشعبية الموسيقية من خلال ما قدمه من مزج بين الموال السوري والأغنية الشعبية المصرية كما في ألحان "بساط الريح" و"جبر الخواطر" و"يا ديرتي" و"أحبابنا يا عيني". ويرى الشريف أنّ «فريد الأطرش يشبه الموسيقي النمساوي فرانس شوبير في نمط وطريقة تلحينه».

واستطاع الأطرش ان يكون متميزاً في كافة ما قدمه من ألحان فيعتبر رائداً في القصيدة وأول قصيدة قدمها هي «ختم الصبر بعدنا بالتلاقي»، وفي المونولوج كان الأطرش من أهم ملحنيه وأول مونولوجاته «رجعت لك ياحبيبي 1941».

ليتحدث الأستاذ صميم الشريف عن المنافسة التي كان يواجهها الأطرش من زملائه وعلى رأسهم صديقه اللدود محمد عبد الوهاب الذي حاول أن يتبنى عدة مواهب لينافس بها شعبية فريد الأطرش، التي فاقت شعبيته في مرات كثيرة، ومن هذه الأصوات محمد أمين، وسعد عبد الوهاب، وآخرها عبد الحليم حافظ الذي استطاع أن يجر فريد الأطرش إلى مشاكل كان بغنى عنها.

وآخر ما تعرض له الأطرش هجوم الصحافة التي اتهمته بعدم القدرة على تلحين القصائد فرد على هذا الهجوم بألحان رائدة في قصائد من مثل: «عش أنت»، و«يا نسمةً تسري» و«يا زهرةً في خيالي».

واستطاع أن يثبت نفسه في القصيدة كما غيرها من الألحان التي قدمها ويعتبر الشريف أن «الأطرش كان مغرماً بالحداثة وهو من الفنانين القلائل الذين ظلوا مع الجمهور حتّى آخر لحظة محافظاً على شباب صوته».

عمر الأسعد

اكتشف سورية