مقدمة تاريخية:
كانت الدولة العثمانية مع بداية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تعاني مشاكل بنيوية عميقة تضعها على حافة الهاوية من حيث قدرتها على المحافظة على وحدتها السياسية وتصديها للأطماع الخارجية. وكانت الدولة العثمانية التي هيمنت منذ حوالي 400 سنة (بعد هزيمة المماليك أمام السلطان سليم الأول عام 1516 في معركة مرج دابق)، قد سادت على العالم العربي بمجمله تقريباً وأخذت دور اللاعب الرئيس في منطقة الشرق الأوسط.
وهكذا، كان للدول الاستعمارية الكبرى أطماعها الواسعة في تركة الدولة الاستعمارية السابقة والآخذة في الأفول.
من ناحية أخرى ، لم تكن سياسات الدولة العثمانية تجاه شعوبها كفيلة بضمان تأييد هذه الشعوب ضد أي خطر خارجي، فاعتمادها سياسة تقوم على نهب ثروات البلاد التي احتلتها، ووضع البلاد تحت سلطة ولاة قساة ظالمين وسفاحين، إضافة إلى سياسات التتريك وإهمال التراث الحضاري والثقافي لهذه البلاد، واعتماد سياسية التتريك اللغوي، وخصوصاً في المنطقة العربية القريبة منها (العراق وبلاد الشام)، كل ذلك أورث جذور الثورة والتمرد عند سكان البلاد العرب، الذين ينتمون إلى تراث عريق لا يمكن تجاهله.
كانت الخلافة العثمانية قد شهدت نهايتها على يد الأتراك أنفسهم، فبعد استلام السلطان عبد الحميد الثاني العرش في عام 1876 ارتفعت الصيحات المطالبة بإصلاح أحوال الإمبراطورية العثمانية، وشهدت الدولة إنشاء مجلس الأعيان (الشيوخ) ومجلس المبعوثان (النواب) الذي انتخب أعضاؤه مباشرة من الشعب، حيث عرفت بلاد الشام أول برلمان لها، وكان من أعضائه خالد الأتاسي عن حمص وأمين أرسلان عن جبل لبنان وحسين بيهم ونقولا نقاش عن بيروت ونوفل نوفل عن طرابلس. إلا أن هذه الفترة لم تستمر طويلاً إذا سرعان ما تم تعطيل الدستور، وتحول حكم عبد الحميد الثاني إلى نظام بوليسي، واشتدت أعمال البطش والقمع التي لحقت بدعاة الإصلاح السياسي، وعلى رأسهم الأدباء والمفكرين العرب الذين أخذوا يدعون إلى أن ينال العرب حقوقهم القومية والثقافية والسياسية، مما أدى إلى حركة عامة في جميع المجتمعات العربية ترنو إلى تحرير العرب من نير الاحتلال العثماني، وبدأ المثقفون العرب تأسيس الجمعيات التي قادت هذا التوجه العام.
وفي تركيا نفسها، نشأت جمعيات سياسية هدفت إلى إصلاح النظام السياسي، حيث شكلت هذه القوى حزباً سياسياً معارضاً للسلطان عبد الحميد عرف بحزب تركيا الفتاة، ثم عرف فيما بعد بجمعية الاتحاد والترقي. وقد انضم إليها بادئ الأمر بعض الضباط العرب في الجيش التركي، وتعاطف معها مثقفون بارزون من أمثال عبد الرحمن الكواكبي وأديب اسحق. وتحت تأثير هذا الضغط أعاد السلطان عبد الحميد العمل بالدستور عام 1908، فعمت الأفراح أنحاء البلاد. وعبر الشعراء والمثقفون العرب كالشيخ رشيد رضا وسليمان البستاني وأحمد شوقي عن تأييدهم للمسيرة الإصلاحية في جسم الدولة التركية.
إلا أن هذا الوضع أيضاً لم يستمر طويلاً إذ سرعان ما أعاد السلطان عبد الحميد تعطيل الدستور، فقرر مجلس الأمة خلع السلطان عبد الحميد ونفيه في عام 1909، وتسلم حزب الاتحاد والترقي السلطة، لكنه بدلاً من أن يمد يده إلى العرب الذين أيدوه في حركته الإصلاحية، عمد فوراً إلى حل جميع الجمعيات والمنظمات التي لا تنتمي إلى الجنس التركي، وأولها جمعية الإخاء العربي العثماني، واتبع سياسية العسف والاستبداد والعنصرية ضد القوميات الأخرى في جسم الدولة التركية مما دفع الأحرار العرب إلى العودة مرة أخرى إلى النضال السياسي لتحرير الأمة العربية والوصول إلى استقلالها.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحالفت السلطة التركية الجديدة مع ألمانيا، في محاولة منها لإيقاف الانهيار المستمر لسلطتها في البلاد الخاضعة لها، والتي كانت هدفاً لأطماع الدول الكبرى السائدة آنذاك، وعلى وجه الخصوص بريطانيا وفرنسا، مما دفع بالسلطات التركية إلى خوض حرب ضروس مع هذه الدول، وتجنيد أعداد كبيرة من الجنود كانت غالبيتهم من شعوب الدول الخاضعة لسلطتها، وخاصة من بلادنا العربية، فيما عرف لاحقاً بـ«السفربرلك»، وذهبت أعداد كبيرة من شباب العرب إلى هذه الحرب، وكثير منهم لم يعودوا، ولم يعرف أحد أين ماتوا أو دفنوا.
وأحمد جمال باشا هو قائد عسكري عثماني ومن زعماء جمعية الاتحاد والترقي، ومن المشاركين في الانقلاب على السلطان عبد الحميد، وقد شغل منصب وزير الأشغال العامة وقائد البحرية العثمانية، قبل أن يصبح الحاكم المطلق في سورية وبلاد الشام.
وقد خطب جمال باشا أول قدومه إلى دمشق في النادي الشرقي عام 1914م قائلاً:
«يجب عليكم يا أبناء العرب أن تحيوا مكارم أخلاق العرب ومجدهم، منذ شروق أنوار الديانة الأحمدية، أحيوا شهامة العرب وآدابهم حتى التي وجدت قبل الإسلام، ودافعوا عنها بكل قواكم. واعملوا على ترقية العرب والعربية، جددوا مدنيتكم، قوموا قناتكم، كونوا رجالا كاملين».
وكانت مهمة جمال باشا الأساسية تجهيز حملة على مصر للقضاء على السيطرة البريطانية، إلا أنه قبض على زمام السلطة بيد من حديد، واعتمد سياسة البطش، وتلهى عن إعداد الحملة بالعمل على تعزيز سلطته وبسط سيطرته وإقصاء العناصر العربية عن مراكز الإدارة والقرار، وكان من جراء تأخره في إعداد الحملة أن وجد الخصم المصري فرصة ذهبية للاستعداد للدفاع عن نفسه.
وفي عام 1915 قاد جمال باشا الجيش الرابع التركي لعبور قناة السويس واحتلال مصر. وفي ليل 2 شباط 1915 اخترق صحراء سيناء التي كانت حينها تفتقر لطرق المواصلات فكانت القوات التركية تصل إلى القناة منهوكة القوى لتحصدها البوارج البريطانية الموجودة في القناة أو القوات البريطانية التي تتحصن على الضفة الغربية للقناة بمدافعها ورشاشاتها ومع أن بعض السرايا القليلة استطاعت اجتياز القناة إلا أن الهجوم فشل فشلاً ذريعاً ولم ينج من الجيش الرابع إلا القليل.
لقد أحلَّ جمال باشا السفاح الرعب في قلوب الناس بعصره لشدة قسوته وجبروته وكان يعمل بكدٍّ لاستلام زمام الأمور بهذه البقعة من العالم والانفصال عن تركيا آنذاك ولم يتراجع بحياته قط عن قرار أصدره لدرجة أنه في أحد الأيام أصدر حكمه على أحد الأشخاص المرموقين وابنه بالإعدام وتشفَّعت بهما أغلب دول العالم ورؤسائها فلم يقبل التراجع عن قراره ولشدة الضغوطات السياسية والدولية عليه قبِلَ أخيراً أن يُعدم واحد منهما الابن أو الأب، وأخيراً تمَّ إعدام الابن.
شهداء ما قبل السادس من أيار وما بعده:
كانت سياسة السلطة العثمانية هي القتل والإعدام بحق المناضلين العرب في تاريخ سابق لاستلام السفاح جمال باشا السلطة وشروعه في عمليات تصفية واسعة النطاق للحركة القومية العربية، والنخبة المثقفة التي تقود هذه الحركة، فقبل ذلك التاريخ وفي العام 1911 تم بقرار من محكمة عرفية بدمشق إعدام ذوقان الأطرش والد سلطان باشا الأطرش مع أربعة رجال آخرين من جبل العرب هم يحيى وهزاع عز الدين ومحمد القلعاني وحمد المغوش، وذلك لتمردهم على السلطة العثمانية، وتصديهم لممارساتها الاستبدادية.
إلا أن عملية القمع الوحشي هذه اتخذت منحى جديداً أكثر حدة وشراسة مع تسلم السفاح جمال باشا السلطة في ولاية سورية، إذ باشر على الفور بسياسة الإعدام بلا رأفة لكل من يشك في نشاطه في الحركة الثورية العربية، ومن ذلك قيامه بعدد من الإعدامات في مناسبات مختلفة لعدد من رجالات الحركة الوطنية والقومية نذكر منهم:
- الخوري يوسف الحويك، شنق في دمشق، في 22 آذار من عام 1915.
- نخلة المطران ابن بعلبك أعدم في الأناضول في 17 تشرين الأول عام 1915.
- الشقيقان أنطوان وتوفيق زريق من طرابلس الشام، شنقا في دمشق عام 1916.
- يوسف سعيد بيضون من بيروت، شنق في عاليه في 10 آذار عام 1916.
- عبد الله الظاهر من عكار، شنق في بيروت، في الأول من آذار عام 1916.
- الشقيقان فيليب وفريد الخازن من جونية، شنقا في بيروت في 2 أيار عام 1916.
- يوسف الهاني من بيروت، شنق في بيروت في نيسان عام 1916.
وهناك من أعدم بعد عام 1916 نذكر منهم:
- الشيخ محمد الملحم شيخ عشيرة الحسنة في بادية الشام، شنق في دمشق عام 1917.
- فجر المحمود من عشيرة الموالي شنق في دمشق عام 1917.
- شاهر العلي من عشيرة التركي، شنق في دمشق على إثر إعلان الثورة العربية الكبرى عام 1917.
- الشيخ أحمد عارف مفتي غزة وولده، شنقا في القدس عام 1917.
شهداء الحادي والعشرين من آب:
قدم السفاح أحمد جمال باشا، النخبة المثقفة، الى ديوان الحرب العرفي في عاليه، وحكم عليهم بالاعدام وعلقهم على أعواد المشانق في بيروت صباح 21 آب 1915، وهم:
- عبد الكريم محمود الخليل: من مواليد الشياح في بيروت 1886، مؤسس المنتدى الأدبي، خريج مدرسة الحقوق.
- عبد القادر الخرسا: ولد في حي القيمرية بدمشق عام 1885، كان يؤمن بالقومية العربية، وقد هتف بها ساعة تنفيذ إعدامه.
- نور الدين بن الحاج زين القاضي: ولد في بيروت 1884، وقد استولت السلطات على مراسلات ورد فيها اسمه، فسيق إلى الديوان العرفي الحربي في عاليه، ونال تعذيباً وتنكيلاً في السجن قبل إعدامه.
- سليم أحمد عبد الهادي: ولد في نابلس 1870، انخدع بوعود جمال باشا فاستسلم له، وأخذ من جنين، وسيق إلى عاليه، وكان نصيبه الشنق في اليوم التالي.
- محمود محمد نجاعجم: ولد في بيروت 1879، واستقبل موته باسماً هادئاً، وكانت آخر كلمات قالها بتحد: «روحي فداء لعروبة بلادي، واستقلالها، عشت شريفاً وأموت شريفاً».
- مسلم عابدين: ولد في حي سوق ساروجة بدمشق 1898، أصدر جريدة دمشق التي استمرت سبعة أشهر وكانت منبراً للأدباء، صحفي لامع، كتب في وصيته المؤثرة أن يدفن في دمشق وقد سامح من وشى به والذي كان سبب إعدامه.
- نايف تللو: ولد في دمشق 1885، عمل صحفياً مراسلاً لجريدة المقتبس، كتب العديد من المقالات الوطنية والحماسية، وقد آثر الموت بإباء وشمم دون أن يعرض غيره للهلاك، وكان صابراً متجلداً، رغم ما لقيه من عذاب وتنكيل.
- صالح أسعد حيدر: ولد في بعلبك 1884، سلمه عمه إلى جمال باشا، فكان نصيبه الإعدام، وكانت آخر كلماته: «نموت ولتكن جماجمنا أساس الاستقلال العربي»، وقد أمر جمال باشا بنفي أسرته الى الأناضول.
- علي محمد الأرمنازي: ولد في حماة 1894، أصدر جريدة نهر العاصي 1912، والتي امتلأت بمقالات تطالب صراحة بالاستقلال والحرية، سأله جمال باشا عما يعرفه عن عبد الكريم الخليل فقال لا أعرفه، ولكن أعرف عبد الكريم الذي كان صديقاً لدولتكم، فاستشاط الباشا غضباً لهذا الجواب.
- محمد المحمصاني: ولد في بيروت 1888، دكتوراه في الحقوق من جامعات فرنسا، ألف كتاباً بعنوان «الفكرة الصهيونية»، عرف عنه الصبر والجلد والتسامي، وصله وهو في السجن أن أهله في حزن عظيم، فأجاب: قولوا لهم «بألا تقلقهم الحوادث ولا تضعفهم الكوارث، فالإنسان يُعرف وقت المصائب.
- محمود المحمصاني: ولد في بيروت عام 1884 وتخرج في مدرسة بيروت، وكان يتقن اللغات العربية والتركية والفرنسية، عمل موظفاً في مصلحة البرق، قال عند وفاته: «كنت أقرأ في السجن كتاباً يتحدث عن شقيقين قتلا في سبيل تحرير إيطاليا، وقال لأخيه وهو يودعه: عسى أن نكون كلانا من محرري بلاد العرب».
وقد حاول بعض المقربين لدى جمال باشا السفاح التوسط للعفو عن أحد الأخوين كي يبقى والدهما مفجوعاً بأحدهما، لكنه رفض وأعدمهما في لحظة واحدة، وكان الهدف من ذلك واضحاً، وهو التخلص من القوميين العرب الذين كانوا يطالبون بحق العرب في الحرية والاستقلال.
شهداء السادس من أيار
غادر عاليه في الخامس من شهر أيار 1916 قطار محمل بكوكبة من المثقفين والمناضلين تحت حراسة شديدة، ولما وصل القطار مدينة رياق، التقى بقطار محمل بعائلاتهم إلى المنفى في أراضي الأناضول، وكان مشهد اللقاء والوداع مؤلماً مريراً، وقد افترق القطاران بعد ذلك إلى دمشق وحلب، ولما وصل قطار الشهداء محطة البرامكة، منع الجنود الناس من مشاهدتهم، ثم نقلوهم إلى دائرة الشرطة.
أنيرت ساحة المرجة في الساعة الثالثة من صباح يوم 6 أيار بالأنوار الكهربائية، كما أمرت السلطة العسكرية صاحب مقهى زهرة دمشق بإنارة المصابيح لتسطع بنورها على الساحة، ووقف جمال باشا على شرفة بناية أحمد عزت العابد ليراقب عملية الإعدام، وقد تم إعدام سبعة من الشهداء وهم حسب ترتيب التسلسل في إعدامهم:
شهداء بيروت في السادس من أيار
أصدر جمال باشا السفاح أوامره بتنفيذ حكم الإعدام بشهداء بيروت فجر يوم السبت 6 أيار، في ساحة البرج التي أصبحت تعرف لاحقاً بساحة الشهداء، ففي الوقت الذي كان فيه القطار يقل الشهداء السبعة إلى دمشق، كانت المركبات تحمل من عاليه إلى بيروت الشهداء وهم حسب تسلسل الإعدام:
- بترو باولي: ولد في بيروت 1886، أصدر مع رفاقه جريدة الوطن، ثم حرر جريدة المراقب، وفي تشرين الثاني 1914 اعتقل وسجن في دمشق، ولم يفلح توسط القنصل اليوناني في إطلاق سراحه بادئ الأمر، إلا أنه تم إطلاق سراحه بعد دفع البدل النقدي عن خدمته العسكرية، ثم أفرج عنه، وفي شهر آذار 1916 سيق الى عاليه وجرت محاكمته أمام الديوان العرفي الحربي، وكان استشهاده عبرة وموعظة لأبناء الوطن العربي المخلصين.
- جرجي موسى الحداد: ولد في بيروت 1880، كان أديباً وثائراً بليغاً، وقد امتهن الصحافة وأقام في دمشق، وكان يبلغ من العمر السادسة والثلاثين حين إعدامه، وقد نشر بعض المقالات الوطنية في جريدة العصر الجديد، يطالب فيها باستقلال بلاده.
- سعيد فاضل بشارة عقل: ولد في الدامور 1888، اشتد ولعه بنظم قوافي الشعر، وأصدر في بلاد الغربة جريدة صدى المكسيك وتولى تحرير عدة جرائد بالوطن، وترأس تحرير جريدة النصير، كان لولب الحركة السياسية بما يحظى من دعم الرأي العالمي، وفي 10 شباط 1916 قبض عليه وأبدى شجاعة وصبراً وجرأة نادرة حتى في لحظة موته، تقدم إلى منصة الإعدام وهو رابط الجأش ثابت الجنان، وأوصى الطبيب بشد رجليه عندما يتأرجح في الفضاء للتعجيل بالموت.
- عمرمصطفى حمد: ولد عام 1893، وهو مصري الأصل، لبناني الولادة، درس اللغة العربية على يد أعلامها، وترك بعد استشهاده قصائد جمعت بديوان من مائة صفحة، حاول الفرار مع رفاقه الثلاثة إلى البادية، لكن السلطات التركية ألقت القبض عليهم في مدائن صالح، وسيق إلى السجن ثم المحاكمة فالموت على أعواد المشانق.
- عبد الغني بن محمد العريسي: ولد في بيروت 1890، أصدر جريدة المفيد وكانت لسان العرب في دعوتهم إلى استقلالهم، وقد أوقفتها الحكومة التركية عدة مرات، وفي عام 1914 انتقل مع جريدته إلى دمشق، ثم اختفى عن الأنظار مع إخوانه الشهداء وقبض عليهم في مدائن صالح، قال قبل إعدامه: «إن مجد الأمم لا يبنى إلا على جماجم الأبطال، فلتكن جماجمنا حجر الزاوية في بناء مجد الأمة».
- الأمير عارف بن سعيد الشهابي: ولد في حاصبيا 1889، وكان محرراً في جريدة المفيد، ومن المحامين اللامعين، هرب مع رفاقه الثلاثة إلى البادية وقبض عليهم في مدائن صالح، ويعد من رواد القومية العربية.
- الشهيد أحمد طبارة: ولد في بيروت 1870، دخل معترك الصحافة وكان من البارزين فيها، أصدر جريدة الاتحاد العثماني وجريدة الإصلاح، وامتاز بقلمه البليغ في نصرة القومية العربية، مؤسس أول مطبعة إسلامية في بيروت، لقي أهوال التعذيب، فصمد، اقتيد إلى منصة الإعدام فصعد إليها بإيمان وجرأة مشهودين.
- توفيق أحمد البساط: ولد في صيدا بلبنان 1888، خدم بالجيش ضابط احتياط، ألقى قصيدة وطنية أنشدها الضباط أمام السفاح جمال باشا، على أثرها أمر السفاح بسوقهم إلى جبهة جناق قلعة، وقد ألقي القبض عليه مع رفاقه في مدائن صالح، كان هادئاً وصابراً عند محاكمته رغم ما لقيه من تعذيب وتنكيل، وهتف على المشنقة: «مرحباً بأرجوحة الشرف، مرحباً بأرجوحة الأبطال، مرحباً بالموت في سبيل الوطن»، ووضع الحبل بنفسه وركل الكرسي.
- سيف الدين الخطيب: ولد في دمشق 1888، مؤسس المنتدى الأدبي، وينتمي إلى أسرة مثقفة، تلقى العلوم على أعلام عصره وكان شاعراً كاتباً أديباً، قوي الذاكرة، كبير الحجة، ذا شفقة، محباً للخير، واستشهد في سبيل المبادىء الوطنية والقومية التي كان يطالب بها.
- علي بن محمد بن حاجي عمر النشاشيبي: ولد في دمشق 1883، ويعود أصله إلى القدس، كان مثقفاً ومتعلماً، وفي 1 آذار 1916 ألقي القبض عليه وسيق إلى الديوان العرفي في عاليه، تعرض للتعذيب والإهانات وأعدم شنقاًً.
- العقيد سليم بن محمد سعيد الجزائري: ولد في دمشق 1879، كان من الضباط العرب بالجيش التركي وخاض حرب البلقان، صرخ بالجلاد: «قل لجمال أن روحي ستظل حية، وستعلم أبناء الوطن من وراء القبر دروس الوطنية»، واستشهد ببزته العسكرية بعدما رفض نزع شاراته ورتبته العسكرية.
- العقيد أمين بن لطفي الحافظ: ولد في دمشق 1879، من الضباط العرب، عندما وقف على كرسي الإعدام، تناول الحبل ووضعه بنفسه حول عنقه، ولكن الجلاد عاجله بركلة الكرسي قبل إحكام ربطها، تعذب كثيراً حتى قضى نحبه.
- محمد جلال الدين بن سليم البخاري: ولد في دمشق 1894، كان حقوقياً وعضواً في إحدى المحاكم الكبرى، وضابطاً كبيراً في الجيش التركي، سيق إلى الديوان العرفي الحربي في عاليه لمطالبته بالإصلاحات، حنق الاتحاديون عليه وضيقوا بعداواتهم الخناق عليه.
- محمد الشنطي: وهو مناضل عروبي من يافا.
لم يكن لهذه الجريمة الوحشية أن تمر دون أن تثير عاصفة من المشاعر الملتهبة التي اشتعلت في صدور أبناء العرب جميعاً، ولم نيران الثورة أن اشتعلت ضد نير الحكم العثماني وجلاوزته في كل مكان، واندلعت الثورة العربية الكبرى التي أعلنها الشريف حسين بن علي شريف مكة، والتحق بها المتطوعون العرب من شتى أقطارهم، ولم تلبث قوى الثورة أن استولت على الأراضي والمدن العربية واحدة تلو الأخرى، وهكذا دخلت طلائع قوات الثورة العربية بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين دمشق في 30/10/1918 وسط احتفالات شعبية، وفي 25 كانون الثاني 1919 عقد المؤتمر الوطني السوري الذي أعلن استقلال سورية في 8 آذار عام 1920، وبايع الشعب العربي الأمير فيصل ملكاً على البلاد، منهياً بذلك استعماراً دام 400 سنة.
ورغم ما تعرضت له البلاد العربية بعد ذلك من غدر وخيانة الحلفاء الذين وعدوها بالحرية والاستقلال بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وتقسيمهم تركة الاستعمار العثماني فيما بينهم، وتراجعهم عن وعدهم بقيام الدولة العربية المستقلة، إلا أن مأثرة شهداء السادس من أيار ورفاقهم، بقيت محفورة عميقاً في ضمائر وعقول وأرواح أبناء الشعوب العربية، كرمز للنضال في سبيل الحرية وإقامة الدولة العربية التي تعيد للعرب حريتهم وشخصيتهم، وتضعهم على سكة التطور والنمو، كي يلعبوا من جديد الدور الفاعل في الحضارة الإنسانية، الذي مارسه أجدادهم خلال مئات السنين.
وبقي الشعب العربي في سورية يستذكر شهداء السادس من أيار، ويحتفل كل عام باستشهادهم، وتم إطلاق اسم «ساحة الشهداء» على كل من ساحتي المرجة في دمشق، والبرج في بيروت، اللتين شهدتا هذه المجزرة المروعة، إلا أن إقرار المناسبة رسمياً للاحتفال في السادس من أيار كيوم لكل الشهداء لم يتم إلا في عام 1937، على الرغم من محاولة سلطات الانتداب الفرنسي عرقلة ذلك لما فيه من تثبيت لروح التضحية والإباء في سبيل الوطن، ومنذ ذلك الحين والسادس من أيار مناسبة لاستذكار جميع الشهداء وتضحياتهم العظيمة في سبيل الوطن والحرية.
اكتشف سورية