الموسيقار أمين خياط: سورية البلد الوحيد في الوطن العربي الذي يمتلك سبعة ألوان من الغناء

.

انطلق من دمشق، وفي بيروت حط رحاله، لكن حلب كانت محطته التي انطلق منها ملحناً وموسيقاراً. مع فرقة الفجر غنى كل المطربين والفنانين العرب، نجاة الصغيرة قالت عنه ولد، لكنها ذهلت من عزف من سمته ولداً، أما أم كلثوم فقد أثنت عليه.

وبرفقة مطربة الجيل ميادة الحناوي، كانت أغنيات «الحب اللي كان» و«كان ياما كان»، أربعة عشر عاماً من الفن الأصيل والنغم الجميل. لم تكن دمشق ضمن ألحانه وحسب، بل كانت أيضاً تدخل في تفاصيل النوتات وروح الكلمات، حتى أصبحت معزوفته التي لم تنس، إنه الفنان والموسيقار السوري الكبير أمين خياط الذي التقته «الوطن» في هذا الحوار.

عملت في التلحين وفي مجال الموسيقا لأكثر من ستين عاماً، أي إنك مررت بأكثر من فترة غنائية، كيف ترى اختلاف اللحن والأغنية منذ أيام الزمن الجميل إلى أيامنا هذه؟.
حتى الآن ما زال هناك فنانون يعملون وكأنهم في أيام الزمن الجميل كسهيل عرفة، عدنان أبو الشامات، ومجموعة غير قليلة، لكن الجو العام الاقتصادي والسياسي أثر كثيراً في الأغنية، فالناس الآن همهم المعيشة، وليس أن يسمعوا أغنية طويلة دسمة.

هل تربط طول الأغنية بنوعيتها؟.
نوعية الأغنية بكلماتها، بلحنها، بجملها الجميلة المنتقاة، الآن حين نستمع لعشر أغانٍ جديدة، ونسأل أحدهم أي واحدة منها أعجبتك، فإنه سيقول إنها تشبه بعضها كثيراً، الكم الكبير من الأغاني الذي يظهر كله متشابه، والملحنون السوريون مازالوا يجتهدون، لكن ينقصهم محطة تلفزيون لتقدم إنتاجهم.

هل لدينا اهتمام بالموسيقا الشرقية؟.
إطلاقاً، وهذا عتبي الدائم على المعهد العالي للموسيقا، ودائماً أقول: أين نحن من موسيقانا الشرقية العربية؟.

إذاً هم يركزون على الموسيقا الغربية؟.
هذا شيء ضروري في البداية، فالموسيقا الغربية مناهج للدراسة، في المعهد العالي هناك أربع سنوات دراسة، يجب أن تكون السنوات الثلاث الأولى دراسة للموسيقا الغربية، على حين السنة الرابعة تختص بدراسة الموسيقا العربية بتركيز، هناك عدد كبير من العازفين المبدعين في الموسيقا الغربية، ولكن حين يطلب منهم عزف قطعة عربية يعزفونها بطريقة خاطئة.

هل هذا ما جعل لدى أمين خياط مآخذ على مناهج المعهد العالي للموسيقا؟.
فقط المناهج الشرقية، المناهج الغربية ممتازة ورائعة، العازف أو الملحن أو المطرب كيف سيطور الموسيقا والأغنية السورية ما لم يكن لديه علم بها، وبالسلالم الشرقية؟.

البيئة الثقافية التي نشأت فيها في منزلك، هل أثرت في توجهك الموسيقي؟.
في تلك الأيام لم يكن ما يسمى منتديات، والدي كان مغرماً بالموسيقا، يعزف على العود وبعض الآلات ويغني، ولكنه لم يكن محترفاً، وبحكم عمله في الإذاعة، فكل المطربين المخضرمين كانوا أصدقاءه، كان يقيم سهرات بين يوم وآخر ولهذا أصبح بيتنا كالمنتدى الثقافي، وهذا الجانب حقيقةً خدمني كثيراً.

أي إنك وُجهت في دراستك لآلة القانون؟.
أجل وجهني بعض العازفين، لقد كان طموحي البيانو، لكن والدي قال لي: البيانو آلة مهمة في الأوركسترا الغربية ولكن القانون هو الآلة المهمة في الموسيقا الشرقية. عندما كبرت حاولت تعلم البيانو، ولكن كمبتدئ، ومع ذلك فقد استفدت من هذا القليل، في الموسيقا عموماً هناك بعض الأشياء لا تظهر إلا على البيانو كالهارموني، وهذا ما خدمني كثيراً.

ما رأيك بالأغاني الجديدة أو العصرية؟.
يوجد لدينا أغانٍ جيدة تصنع ولكنها لا تُذاع، وهناك أغانٍ مستهلكة تذاع كثيراً، وهنا اللوم على الإذاعات، التي تذيع الأغنية الشعبية بشكل كبير، لا ننكر أن هذا النوع من الأغاني موجود ولكن ليست هي فقط من يمثل الأغنية السورية، هي فقط جزء منها.
سورية البلد الوحيد في الوطن العربي الذي يمتلك سبعة ألوان من الغناء، فلدينا اللون الفراتي الذي يشبه اللون العراقي، وهناك اللون الساحلي القريب من اللبناني، وهناك الحلبي وقدوده وأدواره، المنطقة الوسطى لها لون آخر، وفي صحراء المغرب يغنون اللون التدمري، اللون الدمشقي الذي غناه رفيق شكري يمتلك طبيعة خاصة، وهناك اللون الجنوبي المرتبط بالأردن. كل هذه الألوان مهمة جداً، المفروض أن يُعطى كل لون حقه من التسجيل والإذاعة.

ألا ترى أن الإذاعات والمحطات السورية لا تُلام في هذا الشأن، فإن كان الجمهور يطلب هذا اللون ويسمعه أكثر فإن الإذاعات بالتالي تذيعه بناءً على طلبه؟.
كيف سيحب المتلقي باقي الأغاني ويطلبها إن كان لا يعرفها أصلاً ولم يسمعها، في الفترة الأخيرة تم تسجيل نحو 200 أغنية، أجزم أن بينها 50 أغنية رائعة، ولكنها موجودة في المكتبة لا تذاع، وإن أذيعت ففي فترات متباعدة. أنا كمتلقٍ أو كمستمع إن لم أسمع الأغنية أكثر من مرة فكيف سأعرفها وأحبها؟!.

هذا يعني أنك تطالب بإذاعة الألوان السورية كافة في المحطات والإذاعات؟.
أطلب اهتماماً بها وبتسجيلها بدايةً، ثم في إذاعتها ثانياً، وهذه مهمة التلفزيون أكثر من غيره، الإذاعة تشهر الأغنية بنسبة جيدة، ولكن حين تكرس على التلفاز بكليب محترم وتذاع أكثر، ستشتهر وتُعرف أكثر. أضف إلى ذلك أن الأصوات السورية رائعة، لكنها تحتاج إلى ورشة عمل تخدمها، تتبناها وتتابعها خطوة بخطوة، يقولون لا يوجد لدينا نجوم سوريون، أقول لهم أعطوني محطة تلفزيون، وأستطيع صناعة نجم كل شهر، في لبنان كرست بعض المحطات فقط لصناعة النجوم، وكانت تُظهر نجماً كل شهرين.

في إحدى المقابلات صرحت بأنك لو عُدت نقيباً للفنانين لقمت بإلغاء فروع المحافظات، ما السبب في ذلك؟.

لنأخذ مثلاً دير الزور لا يوجد فيها أكثر من سبعة فنانين، فكيف سيكون لها نقابة؟!، النقابة مفلسة مالياً بسبب الفروع، وهي مضطرة لدفع التكاليف لكل الفروع، فليكن هناك مكتب لكل محافظة بدلاً من فرع بأكمله، في السابق كان الزخم في دمشق وحلب، فكان يوجد لهما فرعان، حالياً، يمكن أن يكون هناك فرع للمنطقة الوسطى والساحل، أما الباقي فأعدادهم قليلة جداً.

هل أنت راضٍ اليوم عن عمل نقابة الفنانين؟.
الآن بدأت تعمل بشكل فاعل أكثر، حين كنا في نقابة الفنانين كانت النقابة موجودة مع كل الوزارات المعنية في الدولة، في الفترة من خمس أو ست سنوات أصبحت النقابة إحدى الدوائر التابعة للدولة، المفروض أن يكون لها الدور الفني الحقيقي.

هل تشعر بأنك قادر على تأسيس فرقة بمستوى فرقة الفجر؟.
طبعاً، لكني أحتاج للدعم المادي، فرقة الفجر عزفت لعدد كبير من الفنانين العرب، ومازالت تمارس النشاطات الموسيقية الراقية، ولكن أتمنى أن يكون هناك فرق أخرى في هذا المجال، أرى أنه في أيام الزمن الجميل كان هناك احترام للفن واحترام للفرقة الموسيقية، الآن حين يقدم برنامج يُكتفى بخمسة أو ستة موسيقيين، فكيف سينتج فن جميل إذا لم يوجد في الفرقة عشرون أو ثلاثون عازفاً ولهم تدريبات يومية.

هل للتقنيات الحديثة أثر في الإقلال من عدد العازفين؟.
لم يقل عدد العازفين في مصر ولبنان رغم التقنيات، إذاً السبب ليس التقنيات بل هو سبب مادي بحت. التلفزيون السوري يفتقر لبرامج المنوعات التي تشجع الأغنية والموسيقا، في السابق كان لدي ثلاث حلقات أسبوعياً على الهواء ومن خلالها برز كثير من المطربين أمثال عصمت رشيد وإلياس كرم، الآن دائرة المنوعات ملغاة تماماً.

هل سبب إلغائها مادي أيضاً؟.
لا أظن، فمئات الملايين تدفع في مجال الدراما، دائرة المنوعات تحتاج اهتماماً جدياً بالموسيقا وبالأغنية السورية، ليس فقط ندوة أو اثنتان تقام في فترات متباعدة، وفي عدة دقائق، نحن بحاجة لعمل وتقدير يساوي حجم النشاط الفني المنتج. الدراما خُدمت لأن القطاع الخاص ينتجها، ويربح الكثير من خلالها، ولكن في الأغنية ليس لدينا حماية ملكية، هناك من يسجل أغنية على نفقته الخاصة، وفي اليوم التالي تسرق الأغنية، وبالتالي يخسر من ينتج الأغنية مادياً ومعنوياً، لو وُجد لدينا حماية ملكية لكنت أسست شركة إنتاج وقدمت ما أشتهي وبالمستوى المطلوب.

في كل حفل أو أغنية النجم الحقيقي يكون المطرب، على حين يتناسى الجمهور الملحن، والعازفين، أو كما نسميهم صناع اللحن والأغنية، ألا تشعر بالظلم في هذا الجانب؟.
يوجد غبن وظلم فظيع، منذ أيام استمعت إلى أغنية لمها الجابري، على قناة نور الشام، ذهلت حين سمعتها، وقد عتبت عليهم بشدة، يُشهر المطرب على أكتاف الملحنين والشعراء، ويبقى صانعو اللحن في الظلام.

ماذا تعني حلب للموسيقار أمين خياط؟.
حلب أضافت لي الكثير، فتمرست فيها مع الملحنين الكبار أمثال عزيز غنام ونديم درويش، وفيها بدأت كملحن، أول من بدأ باحتراف الغناء سمير حلمي ومها الجابري، غنوا أغنية لي كحوار غنائي اسمها «كلما تخطر ع بالي يخطر الماضي الجميل».

ماذا تحدثنا عن رحلتك مع ميادة الحناوي؟.
من حسن حظي كان لدي صديق هو صبحي فرحات وهو منتج سينمائي كبير، طلب مني أن تعزف فرقة الفجر مع بليغ حمدي لأغاني ميادة الحناوي، كانت فرصة جميلة لي، وخاصةً أن بليغ حمدي من أهم الملحنين في الوطن العربي.

بدأنا المشوار عام 1980، كان بليغ حمدي يؤلف الأغاني ويلحنها ونقوم ببروفات لمدة أسبوع، حيث كانت الفرقة بكاملها تذهب إلى بيروت لتسجل الأغنية وكنت أبقى برفقة بليغ حمدي لنقوم بمونتاج للأغاني. من الفخر والشرف لي أن تنطلق أول أغاني السيدة ميادة الحناوي من خلال وجودها مع بليغ حمدي ومع فرقتنا (الحب اللي كان، كان ياما كان، حبينا وتحبينا) وكان لي الإشراف الموسيقي على هذه الأغاني.

ماذا قدمت في مجال الأغنية الوطنية؟.
لي أغنية وطنية قديمة غناها الراحل فهد بلان وهي أغنية «تعيشي يا بلدي»، والآن لحنت لخلدون حناوي أغنية «التف الشعب حولك»، وهي من الأغاني التي أعتز بها، تذاع في الإذاعة وتغنى في الحفلات لكن لم تُعرض على التلفاز ولا أدري لماذا!!.

هل ترى أن الأغنية الوطنية الجديدة بمستوى الأغنية الوطنية القديمة؟.
نوعية اللحن والأصوات اختلفت، لكن الأغاني الوطنية السورية على مستوى رائع، والسوريون أكثر من أتقن الأغنية الوطنية.

هلا تحدثنا عن مساعدتك للفنانين والنجوم الجدد؟.
بدأت مهنة الموسيقا والذين كانوا قبلنا لم يساعدونا على المستوى المطلوب، وهذا ما ولد مشكلة لدي، وحين أصبحت أمين خياط صاحب الاسم المعروف شعرت أن مهمتي هي مساعدة النجوم والفنانين الصاعدين.

أليس لديك تركيز على العازفين فقط؟.
كلا، فأنا أهتم بالعازفين والمطربين على حد سواء.

هل ترى نفسك ميالاً لعازفي القانون أكثر من غيرهم؟.
أنا ميال لكل لحن جميل، الآلات كلها جميلة، والموسيقا موسيقا في كل الآلات، لكن المهم هو من يسيطر على آلته ويقدم من خلالها كل جميل.

نلاحظ ظهور موسيقيين وفنانين جدد على حين ثمة قلة في الملحنين الجدد، ما سبب ذلك برأيك؟.
الملحن أولاً موسيقي موهوب أو موهوب خارق، فيلمون وهبة ليس موسيقياً ولا يعزف، لكن لديه موهبة خارقة. الآن الملحنون لم يقلوا ولم يختفوا بل اتجهوا إلى الموسيقا التصويرية للدراما وأنا معجب بهؤلاء الملحنين وأوجه التحية لهم.

هل نمتلك ثقافة موسيقية حقيقية؟.
هناك جزء من ثقافة موسيقية، هناك من يمتلك ثقافة موسيقية ومهتم بها، وهناك من يتعلم الموسيقا ويصبح مجرد منفذ لها، والثقافة الموسيقية تحتاج للممارسة العملية والمتابعة الحثيثة.

مادلين جليس

الوطن السورية