سورية أرض يقدس ترابها دماء شهدائها الأبرار

.

في مثل هذا اليوم وقبل حوالي قرن من الزمان شكّل قرار جمال باشا السفاح بإعدام نخبة من الفكر والسياسة والثقافة العرب في دمشق وبيروت صدمة كبيرة لعموم العرب والسوريين، وقد نُفِّذ حكم الإعدام في ساحة البرج ببيروت عام 1915 وساحة المرجة بدمشق عام 1916، وأتى الاعدام في محاولة لإخماد نار الحمية والتحرر في دماء السوريين إلا أن هذا اليوم أضحى عيداً للشهادة والشهداء ويوماً مقدسا في تاريخ سورية المناضل والمقاوم.

كان لتلك الحادثتين وما سبقهما وتلاهما من ممارسات العثمانيين الوحشية أبلغ الأثر في نفوس الشرفاء، وشكلتا فيما بعد نقطة انعطاف هامة في تخليد ذكرى الشهداء منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، وأصبح السادس من أيار عيداً رسمياً للشهداء في سورية ولبنان.

لم تتوقف نضالات شعبنا الأبي ومقاومته رفضاً للظلم وعدم الرضوخ لكل أشكال العبودية أو الاستعمار فالشعب السوري لم يهادن في يوم من الأيام محتلاً، وظلت أرض الشآم على الدوام مأوى المناضلين، وروى ترابها أنقى الدماء.

وها هي سورية اليوم، وبعد مرور قرن على حادثة شهداء أيار، ومنذ أكثر من أربع سنوات، ما زالت تزفُّ أبناءها يومياً في حرب لم تشهد البشرية لها مثيلاً في همجيتها، وما يميّز هذه الحرب وما يُثير الاستغراب والاشمئزاز فيها هو تلك البربرية في القتل لأولئك القتلة القادمين من جهات الدنيا الأربع لغايات غيبية تحركها أطماع دول كانت وما زالت تلهث وراء مصالحها، بالإضافة لذلك التدمير الممنهج والذي طال عمائر وأوابد لها علاقة بالتراث والتاريخ والحضارة، في سابقة لم يصل إليها هولاكو ذاته، إضافة إلى الهمجية والوحشية في طرائق القتل وأدواته التي أبى إنسان الكهوف والمغاور اللجوء إليها.

وفي كل يوم ترتحل قوافل الشهداء ما بين شمال وشرق، أو جنوب وغرب، حتى لم يبقَ مكان في سورية لم تُزف إليه جثامين الشهداء، ولم تنجُ أسرة من استقبال شهيد أو أكثر لأم واحدة، حتى أن العديد من الأمهات السوريات فقدن في هذه الحرب المجنونة أكثر من ثلاثة أو أربعة أبناء إن لم يكن أكثر.

اليوم يعود الشهداء إلينا من ظلال الصنوبر والسنديان والزيتون ليكملوا قراءة آياتهم، تلك التي لم يتسع الوقت قبلا لتلاوتها، فننصت مرة آخرى لنسمع هدير التضحيات النفيسة والعطاءات السخية، هدير يخترق أسماع العالم قاطبة ليعلن مرة جديدة عن رفعة هذا التراب المقدس، هنا في سورية أرض الشهادة والولادة والإرادة.

اكتشف سورية