كيلا ننسى تراثنا اللامادي.. وفي ذكرى وفاة العلامة ابن مدينة حلب محمد خير الدين الأسدي، وبالتعاون مع برنامج ليالي يا مال الشام من مونتريال وراديو الشرق الأوسط في كندا.. بتكريم العلامة محمد خير الدين الأسدي من خلال راديو الشرق الأوسط.. لأجل معرفة تفاصيل هذا التكريم كان لنا لقاء مع الأستاذ ناهد كوسا أحد أعضاء الجالية والقائمين على هذا التكريم:
■ تعتزمون على مفاجأة تخص الأسدي الذي قدم جهده طيلة حياته لحلب.. لم الأسدي بالذات وهناك رجالات أخرى قدمت عصارة جهدها لهذه المدينة؟
تمّ التحضير لهذه المبادرة منذ عدة سنوات للحفاظ على تراث حلب، الماديّ منه واللاماديّ، ولكنها جاءت اليوم في وقت نحن بأمس الحاجة فيه لانتشال ما يمكن إنقاذه من الضياع أو الزوال في زمن الحروب والنزاعات أو حمايتها من الانصهار والذوبان في عصر اجتياح العولمة للهوية التقليدية ومسح ثروتها الاجتماعية ومحي ذاكرتها التي تراكمت عبر العصور..
الأسدي لم يكن الأول ولن يكون الأخير في تسجيل تراث حلب وتوثيقه. كتب الكثيرون عن حلب وتاريخها كأمثال الشيخ كامل الغزي، كمال الدين بن العديم، محمد راغب الطباخ وغيرهم وربما كانوا أكثر جدارة. غير أن خير الدين بن عمر الأسدي هو الأقرب إلى تاريخنا وعصرنا. جمع ووثق لنا تراث حلب الشفوي المنطوق لأول مرة، وهو ما دعت إلى عمله منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونسكو» بعد خمس وثلاثين سنة من وفاته ! أضف إلى ذلك، أن الأسديّ أظهر إبداعاً فريداً في تحرير موسوعته، تلك التي طبعت ونشرت بعد وفاته، جذبت الكبير والصغير، من كافة طبقات المجتمع وانتماءاته.. فأضافت بدورها هالة أخرى على شخصية مؤلفها.
■ اشتغلت طويلا على هذا العلامة.. منذ أن كنت بحلب.. هل هناك ما يربطك به؟
علاقة التلميذ بمعلمه، أيام الدراسة في إعدادية الحكمة في أواخر الستينات، أي قبل وفاته بسنة واحدة.
رجل وقور ذو نظرات ثاقبة، كنت أجلس في المقعد الأول المواجه لطاولته ... وأرحل معه - كبقية طلاب الصف - في رحلات ممتعة مع كان وأخواتها.. وفي جولاته في أدغال افريقيا. كنا نسبح معه في فضاءات الشعر حيث يسترسل بأبيات أحمد شوقي.. ونغني معه فرحين «تاروأتا تويه».
كنت أرى من وقت لآخر ما يكتبه في فترات الاستراحة في غرفة الأساتذة.. دون أن أعرف فحوى ما يدوّن!
رافقته مرتين إلى داره في حيّ الشيخ طه لأنقل له بعض من الكتب التي تعجز يده اليتيمة على حملها.
زرت بيته واطلعت على محتوياته.. أيضاً، دون أن أعرف قيمة هذا الأستاذ وما كان يفعل!
في الزيارة الأخيرة له عام 1969، أهداني صورته الشخصية، وسجلت خلفها اسم أستاذي وتاريخ زيارتي عند مغادرتي مدخل البناية. لم أكن أعلم أني زرت مؤلف خطّ ّ كل ما سمعه من أهل حلب على اختلاف مشاربهم، كبارا وصغارا.
هذه الصورة، هي اليوم الأكثر انتشاراً على صفحات الأنترنت، لكن لصورتي وجهان.. وما دوّن خلفها ربما هو الأهم بالنسبة لي.
عندما كبرت، وعرفت سيرة هذا الأستاذ وما كتب وألّف .. كنت قد أصبحت خارج حلب.
انتابتني الدهشة مرة أخر عندما طبعت موسوعته في جامعة حلب. ومنذ ذلك الحين وأنا أتقفى آثار أستاذي، من المهد إلى اللحد. لمست أوراقه ورأيت مخطوطاته، وعاد بي الزمان إلى الوراء وإلى ما كنت أسمعه منه وأراه ... وأنا تلميذ.
■ ماهي الأمور التي لا نعرفها عن هذه الشخصية طالما اشتغلت على سيرة حياته؟
بدايةً، لم ألتفت في بحثي إلى شخصية الأسدي «الخاصة» بقدر ما بحثت عن نتاجه الفكري والأدبي الذي تركه لنا، وربما ضاع منه "الكثير". بحثت عما كَتَب هو وعما كُتِب عنه. بحثت عن أقاربه، عن داره ومدارسه وبيئته، أين سكن وأقام.. علني أجد تفسيراً لشخصيته وطباعه وأسباب تصوفه. والحق يقال، تكتنف حياة الأسدي الخاصة بعض الغموض، أضفى أهل حلب عليها غموض آخر. منها عائلية، تتعلق بطفولته وعلاقته بوالده كما بعلاقته مع أمه ومع زوجة أبيه. ومنها مالية، تتعلق باستثماراته وأملاكه وأسفاره المكلفة.. مما يعني أن الأسدي لم يكن فقيراً في حياته بقدر ما كنت أتصور !
■ بعد أن رأيت الخراب يعم مدينتك حلب وأنت القاطن بعيدا عنها.. كيف تنظر إليها اليوم؟!
بكيت كطفل .. ولا أزال.
قلبي موجوع مجروح... وأكتفي بهذا التعليق
■ هناك حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الأسدي.. لم اليوم تحديدا؟ وما تحملون له في جعبتكم؟
مبادرة خاصة من «أصدقاء جمعية العاديات في كندا» وبالتعاون مع البرنامج الإذاعي السوري «ليالي يا مال الشام في مونتريال» وصفحة «خير الدين الأسدي علاّمة حلب» لإحياء ذكرى سنوية خاصة عن العلاّمة الأسدي. وبما أن لدينا تاريخ واحد معروف عن وفاته، وهو يوم 29 كانون الثاني عام 1971 ارتأيناه تاريخاً مناسباً لتكريمه سنويا.. يومَ لم يمشِ في جنازته سوى حفار القبور..
بما أننا كمغتربين خارج القطر، وبما أنها المناسبة الأولى لتكريم الأسدي في ذكرى وفاته منذ أربعة وأربعين سنة .. كان لا بدّ من استخدام المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بين الأصدقاء والمحبين الغيورين على تراث الوطن لإيصال الرسالة عبر الأنترنت. ولا قينا الكثير من التجاوب والترحيب بفكرة نشر صورة الأسدي من جميع الأطراف والأطياف في ذكرى رحيله. الأسدي، في تواضعه، جمع شمل ما عجز الكثيرون فعله في أمور أخرى.
المبادرة، هي نواة لمبادرات أخرى أكبر، أهمها تكريم الباحثين والمهتمين بشؤون التراث اللامادي وخاصة لمن يعمل بصمت، بعيد عن الأضواء، كما حث أبناء الوطن على جمع وحفظ وتوثيق وإحياء تراث آبائهم وأجدادهم. مبادرة اليوم تتلخص بما يلي :
- تكريم سنوي للعلامة الأسدي في حلب، في يوم رحيله، 29 كانون الثاني من كل سنة.
- تكريم سنوي لفائز في ذكرى وفاة الأسدي، عمل على متابعة ما بدأه الأسدي في توثيق التراث اللامادي.
- تقديم جائزة تحمل اسم الأسدي ومكافأة عن البحث العلمي للفائز.
- العمل على نشر وترجمة العمل الفائز للتعريف به دولياً.
هناك لجنة تحكيم مشتركة بين حلب ومونتريال على مستوى أكاديمي رفيع، من ذوي الاختصاصات، ستتولى إدارة هذا التكريم. ويمكن الاطلاع على بنود الاشتراك والترشح لنيل الجائزة على مواقع الجهات المبادرة والمانحة والمشاركة.
■ لمَ لم يكن للأسدي هذه المكانة في عصره؟ هل لأن الموسوعة طبعت بعد وفاته ولم يكن هناك علم لأحد بما كان يخبئ لحلب؟ أم لأن هناك دراسات أجريت على الموسوعة فأعطتها حقها وحقه؟
النتاج الفكري لا يقدر بثمن. وبالتالي، لم يحصل الأسدي - كغيره من المفكرين والمبدعين في الوطن كما في البلاد الأخرى - على حقه. أبدت جامعة حلب اهتماماً كبيراً بطبع موسوعة الأسدي بأجزائها السبعة بإشراف الأستاذ محمد كمال، وهو تكريم في حدّ ذاته. كرمته الحكومة السورية بعد وفاته بوسام الاستحقاق، كما كرمته بلدية حلب بإطلاق اسمه على أحد الشوارع الهامة. كذلك فعلت دار الكتب الوطنية بإطلاق اسمه على قاعة المطالعات الكبرى فيها. أخيراً وليس آخراً، ما قدمته جمعية العاديات بتحويل موسوعة حلب المقارنة للأسدي من نسخة ورقية تقليدية إلى نسخة رقمية الكترونية بإشراف الدكتور المهندس أحمد أديب شعار.
■ ما سبب توجيه بعض النقد للأسدي من قبل بعض دارسيه؟
النقد ظاهرة صحية بناءة، غالباً لتوضيح ما قد يغيب عن نظر القارئ المتصفح أو ما قد يقع من تساؤلات بين السطور، أو لوضع النقاط فوق الحروف واستبعاد بعض الالتباسات. الأسدي، حاله حال الكثير من المؤلفين المبدعين وقع في أخطاء وأخفق في تفسير بعض مواده. إن طلب مراجعة أعماله وتصويب بعض موادها لا يعتبر إساءة له فقد تكون انتقادات صحيحة تطرح للنقاش على الثاقفين الضالعين، وتعدل وفقا لما تعمل عليه دورياً معظم المؤسسات العلمية والأدبية والموسوعات العالمية مع الحفاظ على اسم مؤلفها الأول والإشارة بأمانة إلى مصادرها الجديدة. وهنا أحب أن أنوه إلى أن ما قام به الأسدي قبل أكثر من 70 سنة كان سبق فكري، بجهد فردي، بيد يتيمة، بمعطيات محدودة وإمكانيات ضحلة وفي مجتمع تقليدي محافظ، لا يمكن مقارنته بعالم اليوم المتجدد وما يمكن أن نحصل عليه آنياً من معلومات وفيرة، من كل حدب وصوب، في أطراف العالم الأربعة !
■ حبذا لو تحدثنا قليلا عن وفاته وما كان يتعرض له في أثناء حياته من استهتار.. وماذا عن قبره وجثته؟
« .... أعتقد أن الموضوع صار طويل ولا مكان لهذ الموضوع اليوم في ذكر تكريمه»
■ هل من سؤال آخر؟ تحب تضيفه؟
كلمة شكر وعرفان لكل الجهات التي تعاونت معنا في بلورة هذه المبادرة وأخص بالشكر هنا جمعية العاديات الغراء وبشكل خاص كل من الأستاذ الأديب الشاعر محمد قجة رئيس مجلس إدارتها والباحث المهندس تميم قاسم أمين سرها، كما لكل العاملين الغيورين على حفظ تراث الوطن.
بيانكا ماضية
اكتشف سورية