التشكيلي بديع جحجاح: لا يمكن الوثوق سوى بالجمال في عالم مليء بالفوضى

.

في معرضه الأخير «تحولات نقطة» بمركز الثقافة والعلوم في دبي أراد الفنان التشكيلي السوريبديع جحجاح أن ينقل أفكاره وألوانه وخطوطه لمد جسور التواصل مع الثقافات الأخرى من خلال اللوحة والشريط السينمائي والندوة الفنية والعرض المولوي ليثبت أن الفنان السوري باق رغم الأزمة يصدر رموزا جديدة تحمل معاني أزلية في تنمية الانسان اينما كان كايقونة عظيمة.

ضم المعرض الذي أقيم بصالة سينمار خمسا وعشرين لوحة بمقاسات كبيرة وألوان الأكريليك تجمعها شخصية الدرويش برؤى وفضاءات مختلفة ومنها خمس لوحات متسلسلة عنوانها «نبض» تدور حول تجليات حرفي الباء والنون والعلاقة بين الأبيض والأسود في عالم متحول تجتمع فيه النبضات مع بعضها لتأخذ أشكالا معينة ممهورة بالمحبة.

وتحدث جحجاح لمراسل الثقافية عن فكرة المعرض المتمثلة باجتماع النقاط الثلاث في «نون باء ضاد» مع بعضها ليتشكل هذا التجلي ويصل إلى حقيقة أن الانسان هو المحور فإذا كان عاقلا ورحيما تتجلى له الأمور بشكل جميل أما إذا كان دنيئا فتتجلى له الشيطنة بكل أبعادها كالقتل والعنف والسلب والنهب «فلا تبحث عن الإله بعيدا عنك لأنه يسكن فيك وتتجلى أسماؤه الحسنى بداخلك من خلال أفعالك وسلوكك وهذا هو الجسر الحقيقي بين الناس».

ويأخذنا جحجاح إلى فلسفة الفن والاسقاطات الرمزية عبر هذا الفن إلى أشياء موجودة حولنا من خلال الجدلية بين باء نقطة البداية ونون نقطة النهاية فنبض حياة الإنسان هو الجدلية بين الحرفين بينما الخط الساكن بين الباء والنون هو الموت.. وأوضح أن النقطة السفلية للباء ترمز إلى الأمور المادية أما النقطة العلوية للنون فهي العلم والأفكار والروحانيات لتكون الجدلية بين المادي والروحاني هي حياتنا فأما أن يغرق الإنسان في المادية أو يسمو نحو الروحانية.

ورافق المعرض محاضرة للفنان وفيلم تسجيلي يحكي عن مشروع جحجاح المستقبلي «دوران 3» من خلال نبض التي تضم ثلاث نقاط وهي في اللغة العربية ذات مستوى نهائي لعدم وجود حرف يأخذ أربع نقاط أو خمسا فالثلاث برأيه هي جسد يحتوي الروح والنفس وهي الحكم بين الجسدي والروحاني مشيرا إلى أن مشروعه الجديد له علاقة بالناي والدف وهو نهاية دوران بالنسبة له.

ودعا الفنان التشكيلي السوري إلى تربية جيل واع عارف تحكمه السلوكيات والأخلاقيات بعيدا عن العبثية ووظيفة الفن برأيه أن يركز على الأجيال الجديدة لترتقي فوق المنظومة العنفية ويشكل منهجا مستقبليا عبر رموز حاضنة .. واوضح أن خطه الفني هو خط انساني يقدم نوعية متوازنة فالإنسان بذرة مقدسة أما أن تولد قمحا أو تولد شوكا حسب طبيعتها الخيرة أو الشريرة.

ولا تكتمل فعالية دوران بدون عرض للدراويش ليثبت جحجاح للجميع أنه لا يكرس الفكر الصوفي في مشروعه بل يستفيد من رمز الدرويش كحالة تعكس فيزيائية الكون عبر مفهوم الدوران والكواكب لتكون كل الأفكار عالية المستوى ما يؤدي الى تطور النوع الإنساني والحضارة القادمة.

ويلخص جحجاح المولود عام 1973 مشروعه «دوران» بأنه جسر حقيقي لعبور راق بين اثنين ففي معرضه الأول تعرفنا على الدراويش وفكرة الدوران والتركيبات المتعلقة بالصورة والمشهد .. وفي معرضه الثاني كان «دوران أفلا» الذي بقي فيه الدرويش هو البطل لكن الصورة تحولت إلى رموز تصدر المعاني من خلال الحروف والكلمات والجمل والحكايات التي يكون البطل فيها هو الإنسان.

ولأن الجمال طاقة ضد العنف وهو ليس حالة ترفيه في زمن مخرب فلوحة الدرويش تجعلنا نتجاوز الصوفية ونعيد بناء الفكرة ببعد معاصر نستخدمه كأساس نركب عليه رموزنا القادمة دون أن نلغي الماضي بل نبني عليه.

في البعد الثالث لدوران الذي سيقدمه في دمشق سيكون للدرويش حصة بسيطة إذ نجد في اللوحة فضاء أكثر مع نصوص مكتوبة لمفكرين ومبدعين عرب وعالميين بلغات مختلفة تؤكد أن لمشروعه تسلسلا ونظاما يوصل إلى وعي جديد .. وسيرافق المعرض فيلم غرافيك يحكي عن الإيمان بشكل عام مع اطلاق الفرقة الجديدة لدوران التي تتألف من أربعة عازفين وثلاثة دراويش وراقصة سماح ومغن ليكون العدد الإجمالي 9 وهو رقم كوني عظيم.

ويعتزم جحجاح القيام بتظاهرة فنية في اللاذقية عن شهداء سورية فهو يرى الشهداء كالنجوم التي تمهد لجيل جديد ولكن مشروعا كهذا بحاجة إلى دعم رسمي ومؤسساتي ويدعو وزارة الثقافة بهذا الصدد إلى عدم الاهتمام بالكم على حساب النوع في الفعاليات الثقافية.

ويرى جحجاح أن التجار والصناعيين الذين نعتبرهم نخبا هم فقراء ثقافيا من داخلهم فبعدهم الفكري وبيئاتهم الاستثمارية تدفعهم إلى شراء البيوت والعقارات بعيدا عن الاستثمار في الفنون والثقافة لذلك فإن الفنان المفكر الذي يمتلك اليوم رؤية فنية تجده وحيدا ضعيفا بحاجة إلى التمويل المادي لكي يتمكن من الاستمرار في مشاريعه.

كما يحضر لمشروع جديد بمشاركة ستة فنانين في غاليري ألف نون مع موقع افتراضي ليطلع الناس على انتاجهم ويعود ريعه للجمعيات الأهلية وهم خطاطان ونحاتان ورسامان اثنان وهو واحد منهم ويطمح لإنشاء متحف لعرض فن الأزمة ودعم المركبات الفكرية للفنانين والخطاطين والكتاب.

وبالرغم من أنه يمر بزمن عنيف كغيره من السوريين إلا أنه لم يستسلم بل حاول عبر موهبته أن يجد صيغة ومنهجا يستفيد منه الآخرون عبر الجمال مؤكدا انه في عالم ممتلئ بالفوضى والخراب والخداع لا يمكن الوثوق سوى بالجمال .. وأن السعي إلى الكمال الفني هو حالة حرية غير قابلة للفساد ولا يمكن المساومة فيها على المتعة أبدا فعندما يكرس الفنان الحقيقي نفسه لانتاج الجمال والاستمتاع به من خلال أعمال فنية جدية وجديدة يكون قد كرس كل ما هو حقيقي وراسخ وأبدي في عالم يتحول وينهار فيه كل شيء.

وأكد قائلا .. «سنعيشها غير» بطريقتنا بما يتناسب مع مجتمع دوران فنبض الحياة مازال موجودا لدى الإنسان السوري الذي تقويه المشاكل والأزمات وتجعله يولد من جديد والفنان السوري اليوم يذهب حاملا جعبته الفنية ليعرضها في مراكز مهمة للثقافات العالمية ليثبت وجوده الفني.

سلوى صالح

سانا