مغنية الأوبرا السورية تالار دكرمنجيان: الأوبرا بالنسبة لي مشروع حياة

الشرق أكثر عاطفة وعمقاً وصدقاً

تحدثت مغنية الأوبرا السورية تالار دكرمنجيان لوكالة سانا عن تجربتها الفنية وبداياتها منذ سنتها الدراسية الأولى، عندما شاركت في أوبرا دايدو وإينياس مع الفرقة السيمفونية الوطنية السوريةبقيادة صلحي الوادي على مسرح بصرى، لتعود بعد سبع سنوات إلى المشاركة في مهرجان بصرى الدولي على المسرح ذاته محملة بحنين كبير إلى المكان وإلى المشاركة مع أولى الفرق التي تربت معها.
عادت تالار مسلحةً بدراستها الأكاديمية وخبراتها المعمقة في مجال الغناء الأوبرالي، فجاءت تلبيتها لهذه الدعوة بمثابة حلم تحقق لها ذكر الجمهور السوري بها مرة أخرى، ولكن الآن كسوليست غناء انفرادي وبمقدرة صوتية عالية وحنجرة معطاء تشبه كثيراً عظمة هذا المسرح وتجعلنا نتساءل لماذا وكيف مضت هذه السنوات السبع.
وعن مشاركتها مؤخراً في مهرجان بصرى الدولي قالت: «أنا سعيدةٌ جداً خاصة أنه خلال سبع سنوات لم تقدم لي أي دعوة للغناء في بلدي سورية، كما أنني خلال فترة طويلة لم ألتق بالأوركسترا الوطنية التي تربيت فيها من أول أيام دراستي في المعهد العالي للموسيقى، والتي شاركت في سنتي الأولى معها بأوبرا دايدو وآينياس وكانت الأوبرا حينذاك بقيادة صلحي الوادي رحمه الله، والذي كان مؤمناً بموهبتي ويدعوني دائماً إلى المشاركة في حفلات قصر المؤتمرات وقصر العظم، كما كان يشركني في العديد من المهرجانات كسوليست كما كنت مشتاقة للغناء أمام الجمهور السوري لأعيد تذكيرهم بنفسي».
وعبّرت مغنية الاوبرا السورية عن رغبتها بتكرار زيارتها لسورية بشكلٍ دائم، خاصة ذا كانت في إطار فعاليات فنية أو تدريسية، «لكن بالوقت ذاته ينبغي أن يكون التنسيق قبل فترة لأنظم برنامجي بين هنا وهناك، فأنا سعيدةٌ بأي نشاط في سورية استطيع من خلاله تقديم ما أملك بشكل جيد وحقيقي، وكوني سوريّة وانطلقت من دمشق، فانا دائماً أحنّ لأيام العمل مع الموسيقار الراحل صلحي الوادي، ووفاء لأشياء كثيرة في المعهد والوطن وأحس برغبتي الدائمة بتقديم ما أملك من موهبة لجمهور بلدي، فالأوبرا بالنسبة لي هي مشروع حياة، وحين يكون المغني على المسرح يكون ذلك نتيجة سنين تطور وتراكم تجارب فلماذا لا يكون ذلك في بلدي».
وعند سؤالها عن بداية اكتشاف موهبتها الصوتية قالت: «لفت صوتي انتباه إحدى الراهبات في مدرستي الإعدادية فقامت الأخيرة بجمع بقية زميلاتها وطلبت مني الغناء، عندها بدأت الراهبات بالبكاء وبعد ذلك أعلمت الراهبة أمي بموهبتي وكانت بداية علاقتي بالغناء الأوبرالي عبر الأستاذة أراكس تشيكجيان التي كانت مغنية الأوبرا الوحيدة في سورية كلها، وبعد أن سمعت صوتي وكان عمري آنذاك 13 عاما قالت: "لديك أذنٌ موسيقية وخامة صوت جيدة"، وعند وضوح معالم صوتي في السادسة عشرة من عمري بدأت أتعلم وأمرّن صوتي، وبفضل الأستاذة أراكس تعرفت على هذا النوع من الغناء وتعلقت به، خاصة في ظلّ صوت تشيكجيان الملائكي الذي جعلني أذهب باكية إلى أمي بعد كل درس متسائلة "متى سأستطيع الغناء مثلها"، أي أن الغناء مثل أستاذتي أصبح هاجسي الكبير وعبرها أدركت أنني لا بد أن أكمل في هذا الطريق».
وأضافت تالار «مع أنني عشت في وسط فني، فأمي وإخوتي يرسمون وأبي كان يغني في الكورال لكنه ليس وسطاً موسيقياً، ودخولي للمعهد جعلني في مركز تحيط به الموسيقى من كل جانب، ومن خلاله تعرفت على الآلات الموسيقية والأوركسترا والغناء والمواد النظرية والعملية وبقية الأمور التي ينبغي أن يعرفها الموسيقيون كالصولفيج، وكلها أمورٌ ضرورية إن كنا نريد أن نتابع في هذا المجال بشكلٍ محترف».
وعن دمجها بين الموسيقى العربية والأرمنية في شخصيتها قالت: «كوني أرمنية كنت أسمع الموسيقى الشعبية الأرمنية إلى جانب الموسيقى الكلاسيكية الأرمنية، وعندما بدأت أتعلم الغناء الأوبرالي أدركت أن لها تأثيراً كبيراً، فأذني نوعا ما معتادة على هذا النوع من الموسيقى، أما بالنسبة للموسيقى العربية فأنا أسمع فيروز، وأسمهان، وماجدة الرومي، ووديع الصافي، وليلى مراد في بداياتها، وغيرهم، وكنت أقلدهم في بعض الأحيان وهذا أثّر نوعاً ما على شخصيتي الموسيقية».
وتحدثت تالار عن دراستها في ألمانيا وبلجيكا وحاليا في فرنسا فقالت: «في كلّ مكان قد نتعلم شيئاً جديداً، لكن كل المدارس تصب بنفس الاتجاه ففي هولندا درست لثلاث سنوات وحصلت على درجة الماجستير، حيث درست الأوبرا وتعلمت كيف تؤدى الأغاني الكلاسيكية لمؤلفين مختلفين فرنسيين وألمان وانكليز وكلٌ منهم له نمطه الخاص، كما تعلمت أداء المسرحيات الدينية التي تتحدث عن الإله ونحن كمغني أوبرا علينا أن نتعلم كل هذه الأنماط، ومن الممكن بعد ذلك أن نتخصص بنمط محدد، أما في بلجيكا فبدأت عندي الحياة العملية وما يمكن أن أسميه مهنة الغناء الأوبرالي، حيث عملت مع مغني أوبرا كبار ومشهورين في العالم ولديهم خبرة قد تفوق أحياناً الأربعين عاماً، وشكل هذا لي نوعاً من التوجيه ليس فقط موسيقياً وإنما نفسياً وعملياً، أي أن هذه المرحلة كانت للدخول أعمق في مجال الغناء الأوبرالي، أما في فرنسا وإيماناً مني بأن الصوت لا حدود له وكي لا أتوقف عند حد معين فأنا أتابع الآن مع أساتذة مختصين مراقبة صوتي وكيفية تطوره».
وعن تجربتها لغناء الأوبرا في أوروبا قالت تالار: «الأمر يختلف إن سمعوني قبل أن يعرفوا أنني سورية أو بعد أن يعرفوا، ففي الحالتين ألقى التشجيع الكبير، لكن بعد معرفة جنسيتي أرى دهشةً كبيرةً على الوجوه والاستغراب في عيونهم، فهو شيء مستحيل بالنسبة لهم أن يسمعوا مغنية أوبرا سورية، لكن مع ذلك كانوا يتقبلوني بشكل ممتاز فهذا النوع من الغناء هو جزء من ثقافتهم وحضارتهم وآذانهم معتادة على الاستماع له».
و أضافت «وهنا أريد أن أتحدث عن تجربتي مع الأستاذ صلحي الوادي تحديداً، فهو من أدخل الأوبرا إلى سورية وذلك عبر نضال سنوات طويلة، حتى اعتاد الناس الاستماع للموسيقى الكلاسيكية ووصل لمرحلة أنه في حفلات قصر المؤتمرات كانت البطاقات تنفد قبل ثلاثة أسابيع، وكما علم الناس أن يستمعوا إلى الموسيقى الكلاسيكية، كذلك هو من بدأ بوضع مغني أوبرا بكل حفلة وذلك حتى اعتاد الجمهور نوعاً ما على هذا النوع من الغناء».
ولدى سؤالها عن شخصية مغني الأوبرا قالت: «إن مغني الأوبرا هو مغني أوبرا مهما كانت جنسيته، لكن لا بدّ له من إتقان لغة الأوبرا التي يقدمها ويجب عليه تقمص هذه الشخصية وفهمها وتحليلها، وكلّ إنسان يُعبّر عن هذه الشخصية من خلال مخزونه البيئي والعاطفي والإنساني، ويختلف كل شخص في رؤيته لهذه الشخصية، فالحزن يختلف بين الحضارات والشرق أكثر عاطفةً وعمقاً وصدقاً. فالصوت والموهبة في الأوبرا مهمان جداً، وبالأهمية ذاتها هناك التمثيل فإن كانت الموهبة صادقة فإن التمثيل يأتي بشكلٍ تلقائي، لكن هذا ليس كافياً فالمسرح له قواعد وقوانين وحالات ينبغي على مغني الأوبرا أن يعرفها، وهذا ما شكل الجزء الأكبر أثناء دراستي في الخارج فيما يتعلق بالحركة على المسرح وتعابير الوجه، فنحن عندما نغني نجسد شخصيةً درامية بحالاتها النفسية المختلفة وفي الغناء الأوبرالي ليس هناك تفضيل للغناء أو للتمثيل على أحدهما، فكلاهما يشكلان نواةً واحدة للغناء الأوبرالي».
وعن دورها في بطولة أوبرا ساندريل للمؤلف ماسنيت على المسرح الملكي ببروكسل قالت دكرمنجيان: «كنت سعيدة جداً بهذا الدور خاصة أن كل الناس يعرفون قصة ساندريلا، لكن أداء هذا الدور تطلب مني الكثير من العمل فهي تمرّ بأكثر من مرحلةٍ درامية، وأنا عملت بجهد لتأدية هذا الدور حيث كنت أغني طيلة فترة المسرحية، لكنني مع ذلك أحببت هذا الدور كثيراً واستفدت كثيراً منه وشكل لي متعةً كبيرة، فهو جزءٌ من أحلامي التي تحققت حيث أديت هذا الدور ثماني مرات في بروكسل كما قدمت ستة عروض في لوكسمبورغ».
وعن مشاريعها المستقبلية قالت الفنانة الشابة: «لدي حفلة في الخامس من كانون الأول وسأغني فيها القداس الجنائزي لموزارت في لندن مع فرقة لندن لموسيقى الحجرة، وأعتبرها من المحطات المهمة في حياتي الفنية على اعتبار هذه الفرقة من أهم فرق موسيقى الحجرة في العالم، وسأقدم فيها دور السوبرانو سولو».
يذكر أن مغنية الأوبرا تالار دكرمنجيان غنت مع المغني الأوبرالي جوس فان دام بحفلين وأمام العائلة الملكية بالقصر الملكي ببروكسل، كما غنت بدبي في مهرجان جالا، إضافةً إلى غنائها في احتفاليات عالمية كمهرجان فيكسن ومينتون بفرنسا، وموسان ووالوني وآرس ميوزيكا في بلجيكا، ومهرجان الموسيقى العالمية في أرمينيا.

سانا