كحلزون في بحيرة ملح مجموعة شعرية يدعوك عنوانها إلى موعد مع محطات النهاية والتلاشي إلا أنه في حقيقة أمره عنوان لقصائد وضاءة خطها الأديب والشاعر جورج حاجوج بغمرة من حزن ولمحة من أمل.
يفتتح الشاعر مجموعته بأحزان وخيبات يقدمها ببضع عبارات تقول «استحضار الغياب.. افتقاد وشح.. فقر وجوع.. الذين غابوا غابوا.. وليس هناك أمل.. في عودة أو رجوع» ليبدأ القارئ بنثر استفهاماته التي يجيب عنها في اخر زوايا مجموعته حين يختم.. «بما بقي لديه.. من أحلام ومن صور.. مازال مصرا على العزف.. ولم تتلاش اماله.. في العثور على قيثارة.. أو وتر».
وفي إضاءة على مجموعته الشعرية «كحلزون في بحيرة ملح» وتكويناتها الأدبية يقول الشاعر في حديث لمراسلنا.. «تبقى الكثير من هذا الحلزون الذي يمثلني أنا المستمر في الكتابة والإحساس فبعد التلاشي تجدد ومتابعة للبحث عن الجمال فلولا القبح لما كان للجمال قيمة كما أنني مصر على العزف فلا بد أن يكون هناك محطة بديل ووتر يمكن العزف عليه في هذه الحياة».
جمع حاجوج مجموعته بقصائدها المتناثرة على امتداد سنين تخللها انقطاع عن الكتابة ليقرر نهاية هذا العام طباعتها بـ 54 قصيدة عنونت كل منها بكلمة واحدة ويعلل الكاتب اختيار هذا التوقيت للنشر بقوله «إن هذه المجموعة جزء من مشروعي الشخصي الذي أتمنى أن أنجزه وأقول قولي فيه قبل أن يكون هناك أي طارئ يمنعني من ذلك» معتبرا «الوجع السوري» أكبر دوافعه في تحقيق رغبته في الطباعة لأن الكلمة أهم من الرصاصة والفكرة الجميلة أهم من حرب.
حاجوج الذي يفضل الكتابات غير الطويلة تتخذ نصوصه شكل الومضات الشعرية الأشبه بلقطات لحظية فكرية أو عاطفية أو اجتماعية يجسدها الكاتب بحروفه وكلماته المرنة فهو لا يقرر حجم ما يكتب من نصوصه فمتى انتهى الإحساس والشعور لديه ينتهي شطر القصيدة لذلك يتضح للقارئ أن المجموعة تضم قصائد بين القصيرة والقصيرة جدا ومنها ما لا يتعدى الخمسة أسطر.
يخبئ الشاعر للقارئ عنصري الدهشة والاستماع راميا إلى تحقيق التفاعل الكلي مع النص وتقديم قيمة إنسانية مضافة إلى فكره وإحساسه حيث تميز بكلماته المقتضبة ونصوصه المنمقة إلى تحويل ملاحظاته ومشاهداته وتجاربه إلى حالات شعرية منها ما يشابه واقع الكاتب ومنها ما يحبكها مغزل الخيال.
وللكلمات خصوصية وفلسفته يتفرد بها حضور حاجوج النصي والتي يعرفها بها فالغياب لديه هو الحضور والحياة محاولة لإعادة الصياغة والروح تواصل واللحن وتر يبحث عنه كي يعزف للحياة والمرأة أحد أهم الأوتار التي تدخل في دائرة بحثه العميق.
ولا يرى حاجوج بوصف نصوصه بـ«المنشورات الإلكترونية» على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ما ينقص من شأنها أدبيا فهو مدرك لعصر السرعة الذي نعيش فيه من التقاطات وجهوزية فكرية فبنهاية المطاف ما أقدمه منتوج فكري قابل للقبول عند البعض والرفض عند البعض الآخر وهذه حالة صحيحة وطبيعية.
حاجوج صاحب رواية «ليس بعد اللآن» والشاعر المتمرس في القراءة والثقافة يشعر بالسعادة عندما يتلمس نهم الناس على القراءة وخاصة الورقية التي لها طابعها المميز عن القراءة الإلكترونية متمنيا من القراء ألا يتعاطوا مع القراءة على الطريقة التقليدية باعتبارها هواية أو تمضية للوقت لأن القراءة معرفة والمعرفة حاجة أساسية في الحياة.
ويحضر حاجوج الذي كتب العديد من المقالات الثقافية في الصحف السورية والعربية مجموعاته الشعرية القادمة التي أخفى عنا عنوانها لكنه خصنا ببعض من ومضاتها التي تقول.. «لا جدوى من دون شهوة الحزن .. ولا جدوى من دون فراشة تعشق النور والتحليق».
وحول المنتج الفكري والأدبي السوري يقول حاجوج إن منطق الحياة أقوى من أي أزمة أو حالة تقهقر فهناك دائما ضخ وصيرورة للحياة تعطينا إشارات بالاستمرارية مضيفا.. إن القادم أدبيا قد يكون هو الأفضل وهناك أسماء سورية شابة تعطي وتؤكد أن تجربتها تنضج يوما بعد يوم مشيرا في ذات الوقت إلى أن الأزمة ولدت مفردات جديدة وأضافت صورا جديدة.
مها الأطرش
سانا