الفرقة السيمفونية الوطنية تعزف موسيقى مستلهمة من التراث الموسيقي السوري

طغت الرومانسية الموسيقية على القطع التي اختارتها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان بحفلها لشهر تشرين الثاني 2014، على مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون – أوبرا دمشق، واستهلت الفرقة برنامجها مع الموسيقا الكلاسيكية بافتتاحية أوبرا ميتريداته «ملك بونتو» للمؤلف فولفانغ أماديوس موتزارت، وجمعت الفرقة في هذا العمل أسلوب موتزارت بين اللطف في الشكل والعمق في التعبير، وإحساسه الفطري بالتلوين النغمي، ومرونة قوالبه، حيث أن موسيقا موتزارت تعبر عن المأساة بالمصطلحات الانسانية، ويكبح جماحها برزانة وهدوء، ويخلصها من مظاهر استجداء التعاطف والشفقة، وذلك بألق وفتنة لا تستطيع أبداً أن تخفي قوة ومباشرة اسلوبه، وهذا هو الكمال الكلاسيكي في موسيقا موتزارت.


الفرقة السيمفونية الوطنية السورية

وانتقلت الفرقة بعدها إلى رومانس لآلة الكمان والاوركسترا، سلم صول ماجور مصنف رقم 40 للمؤلف لودفيغ فان بيتهوفن، كمان منفرد أروى شيخاني، وجالت الفرقة في هذا العمل بين روحانية بيتهوفن المشبعة بروح الحياة وبالحكمة التي لا يحصل عليها الانسان إلا عبر المعاناة والألم. حيث كانت الموسيقا بالنسبة لبيتهوفن وسيلة للتعبير عن آرائه في الإنسانية وكذلك كانت وسيلة للهروب من ظرف حياته القاسية المشبعة بالمرارة، ولكنه لم يحمّل موسيقاه معاناته الذاتية بقدر ما حملها المثاليات التي وضعها مقابل هذه المعاناة في ذاته، ومن هنا يصف البعض موسيقاه بالصوفية.

كما أدت السيمفونية الوطنية افتتاحية الفلاح والشاعر للمؤلف فرانس فون سوبيه مستفيدة من شهرة هذا المؤلف الذي وصل صيته إلى العالم من خلال اعتماد موسيقاه كموسيقا تصويرية للعديد من الافلام العالمية الدرامية منها والمتحركة، ولم تخلو العمل من الجمل الموسيقية التي تجذب الحضور بأسلوب الموسيقا الكلاسيكية الراقية ذات الطابع الإنساني بامتياز.


الفرقة السيمفونية الوطنية السورية

وخرجت الفرقة بأكملها إلى الكواليس لتعود بتشكيلة ثانية وهي التي شاركت بالمهرجان الدولي للموسيقا السيمفونية في الجزائر قبل فترة وجيزة، حيث قدمت ذات البرنامج الذي أدته في المهرجان المذكور وكان برنامجاً سورياً خالصاً وحينها لاقى نجاحاً مبهراً وكتبت عنها العديد من الصحف تثني على إداء الفرقة المميز.

وبدأت بموسيقا الأغنية التراثية «يامحلا الفسحة» وتبعتها بأغنية من التراث الجزائري وهي «يارايح وين مسافر» وزعت لآلة التشيللو والوتريات من إعداد الموسيقي ناريك عبجيان، تشيللو منفرد محمد نامق، ومن ثم تانغو لآلة البزق والوتريات، بزق منفرد محمد عثمان، وبنيت هذه القطعة الموسيقية على لحن لأمير البزق محمد عبدالكريم وقام الموسيقي جوان قره جولي بكتابة الآلات الوترية المرافقة للبزق معتمداً بشكل أساسي أسلوب العزف نقراً على أوتارها لتجنب طغيان الوتريات على صوت البزق كعزف منفرد.


الفرقة السيمفونية الوطنية السورية

وأدت الفرقة قطعة أخرى لعازف الناي السوري مسلم رحال بعنوان «رقصجي» لآلة الناي والوتريات وقام بنفسه دور الناي المنفرد، وأنهت الفرقة أمسيتها بمجموعة من الألحان السريانية بمشاركة خماسي دمشق النحاسي وزعها للخماسي النحاسي والوتريات الموسيقي ناريك عبجيان.

وفي لقاء مع «اكتشف سورية» قال المايسترو ميساك باغبودريان: «قصدنا تقديم البرنامج الذي قدمناه في الجزائر ليتعرّف الجمهور السوري مدى تطور موسيقانا وكيفية تقديم الموسيقا السورية في خارج الوطن، وأيضاً لنرى مدى تفاعل الحضور وهل هو ذات التفاعل الذي لاقيناه في الجزائر».


الفرقة السيمفونية الوطنية السورية

وعن مشاركة الفرقة بالجزائر انهى باغبودريان حديثه قائلاً: «ليست المرة الأولى التي تشارك الأوركسترا السيمفونية الوطنية السورية وتقدم عروضاً في الجزائر، وهذا شرف كبير لنا من أجل تعزيز التعاون الثنائي واللقاء الفني الراقي الذي تتيحه لنا مثل هذه المواعيد الاحترافية لكون الموسيقا لغة عالمية تقرب الشعوب وتؤسس علاقات إنسانية رفيعة، والمشاركة السورية تمثلت في تقديم نخبة من المقاطع المستلهمة من التراث الموسيقي السوري الثري والمتنوع والنابض وتالياً قدمنا مقاطع سورية بروح سورية ولغة عالمية هي لغة السيمفونية، واستمتع الجمهور الجزائري بالآلات الموسيقية الشعبية السورية على غرار آلة الناي والبزق، وهو ما قدمناه اليوم في القسم الثاني من الحفل، حيث جاء تفاعل الحضور اليوم مع هذه القطع تماماً كما الجمهور الجزائري، وهذا دليل على أن رسالتنا صحيحة ويعطينا حافز كي نستمر في نشر الموسيقا السورية في كل العالم».

إدريس مراد

اكتشف سورية