سيمون مريش: أهمية الايقاع في الموسيقا توازي أهمية خفقان قلب الإنسان

.

ارتبط اسم الموسيقي السوري سيمون مريش بعزف الايقاع الغربي على مختلف آلاته ليتربع على عرش هذا الفن الحديث في سورية نسبيا فيبدع في مجالات العزف والتأليف والتدريب وفي تأسيس الفرق الموسيقية الشابة والتدريس في المعهد العالي للموسيقا والعزف مع أبرز الفرق الموسيقية السورية والعربية والاجنبية داخل وخارج سورية فضلا عن خبرته في تصنيع وتصليح الآلات الموسيقية الايقاعية.

ولم يكن يتوقع مريش يوما ما أن يصل إلى ما وصل إليه بالرغم من أحلامه الكبيرة وغير المحدودة التي يغذيها بجرعة عالية من المحبة لمزاولة الموسيقا التي يعتبرها ممتعة كمهنة وهواية.

وقال ضارب الايقاع في حديث لمراسلنا إن الموسيقا تنطوي على نعمة تتمثل في تقديم السعادة للآخرين فالمقدرة التقنية والروحية للعازف تجعل منه شخصا قادرا على توصيل احساس معين للجمهور سواء بآلة معقدة مثل البيانو أو بآلة بسيطة كالمجوز أو الربابة.

وعن الاختلاف بين العزف على آلات الايقاع وغيرها من الآلات الموسيقية قال إن الآلات الايقاعية وأبجديتها بسيطة كما أن التعلم عليها لا يحتاج الى مهارات ولكن احترافها يتطلب جهدا واخلاصا وتفانيا من أجل توصيل حالة شعورية عالية وهي آلات محببة جدا لدى الأطفال والمتلقين.. فالايقاع هو بعد متكامل في الموسيقا بين اللحن والأصوات المرافقة وهو ركيزة أساسية تضاف اليها الكلمة في الأغنية أو الارتجال في الجاز.

ويرى مريش أن أهمية الايقاع في الموسيقا توازي أهمية خفقان قلب الإنسان الذي يعتبر دليلا على الحياة مشيرا إلى أن التنوع في الآلات الايقاعية مبهر جدا وهي لاتعد ولا تحصى فالايقاع هو مفهوم أكثر منه آلة إلى درجة أنه يمكننا صنع آلة ايقاعية من أي أداة.

وعما إذا كان عزف الايقاع يقتصر على الرجال دون النساء قال مريش أن هناك مفهوما مغلوطا بأن الآلة الايقاعية بحاجة إلى جهد عضلي وقد يكون هذا صحيحا بعض الشيء وهو ما يفسر اقبال الشباب على عزف الايقاع أكثر من البنات ولكن هذا لايمنع وجود آلات ايقاعية لها صوت انثوي كالأجراس الصغيرة والمثلث.

ولا يقبل مريش التحيز والتصنيف بين موسيقا شرقية وأخرى غربية فحاجة الانسان تدفعه لكي يفضل موسيقا على أخرى حسب مزاجه لكن يفترض بالانسان المتوازن أن يعطي ميزة حقيقية للفن الجاد حتى لو لم يحبه.

ويعرف مريش الموسيقا المعاصرة بأنها موسيقا اللحظة بغض النظر عما اذا كانت ذات طابع كلاسيكي أو شرقي أو نمط “فيوجن” وهو المزج والدمج بين نمطين كالهندي والجاز مثلا باستخدام عناصر من الجهتين مع احتمال الفشل والنجاح في هذا الدمج.

وإلى جانب فرقته بيركومانيا التي أسسها في نيسان 2008 فقد شارك عازف الايقاع في تأسيس عدة فرق موسيقية سورية وكان عضوا أساسيا من فرق كثيرة مثل زرياب وماري والاوركسترا السيمفونية الوطنية وكل فرق الاوركسترا التي عزفت خارج سورية كما شكل أول «كورتيت» رباعي للجاز في سورية والذي يضم معه كلا من باسل رجوب وناريك عبجيان وخالد عمران00كما أنه عضو أساسي في فرقة كلنا سوا وفرقة مرمر وفرقة حوار ويعمل حاليا مع مجموعة «زركشة» التي تضم عازفين من خريجي المعهد العالي للموسيقا إذ يتم التحضير لعمل يتوقع له النجاح مع يزن صباغ وجورج مالك وفجر عبدالله وعفيف دهبر.

وألف مريش مجموعة مقطوعات لفرقة بيركومانيا والتي تضم مجموعة من خريجي قسم الايقاع في المعهد العالي للموسيقا بدمشق وعمل مؤخرا في الموسيقا التصويرية لمسرحية هوب هوب للمخرج عجاج سليم.

وهو راض عن تجربته الفنية بشكل عام ومقتنع بكل ما يقدمه ويبقى الحكم الأخير للناس المتوازنين الذين يقيمون التجربة مشيرا إلى أن لتجربته عدة مناح فهو مدرس وعازف ومؤلف ومدرب للصغار والكبار ويدرب الأطفال في احدى روضات دمشق على برنامج موسيقي مخصص لهم ويعلمهم الصولفيج والآلات الموسيقية التي تناسب أعمارهم والأغاني التي كتبها لهم ويعلمهم الاستفادة من المواد المهملة في ورشات عمل لاعادة التدوير كعلبة لبنة فارغة يمكن أن يحولها الأطفال الى طبلة صغيرة مثلا أو غيتار بهدف تعليم الطفل تصنيع شيء جميل يحتفظ به ليكون تصنيعه بمثابة علاج نفسي للخروج من الأزمة التي يمر بها الوطن.

وعن تجربته في التدريس بالمعهد العالي للموسيقا والتي تعود إلى 14 سنة يقول انه يحب هذه المهنة التي تقوم على انتقال المعرفة من شخص إلى آخر كما أنه يشعر بالسعادة عندما يرى طلابه على المسارح يقدمون أعمالا مميزة قائلا.. انا فخور بأني جزء من بنائهم موسيقيا.

وعن أهمية الموسيقا خلال هذه الظروف قال إن هناك من ينظر إلى الموسيقا في ظل الأزمة على أنها عمل ترفيهي وليست حاجة أساسية ربما لأنها لا تدر دخلا ومن هنا نشأت حالة اشكالية عند البعض متناسين أن الموسيقا هي حاجة روحية.. لافتا إلى أن الموسيقا المؤطرة بدار الأوبرا تحت عنوان ثقافي لاتلاقي مردودا ماديا مناسبا في ظل ارتفاع الأسعار الحالي إضافة إلى أن الموسيقي بحاجة إلى مصروف مضاعف وهذا ما يدفع العازفين للسفر إلى الخارج فمبلغ 15 ألف ليرة لقاء حفل ما بعد تدريب لمدة شهر لا يكفي لتغيير أوتار الآلة التي يعزف عليها الفنان.

وقال إن المعهد العالي للموسيقا أفرز للمجتمع عازفين بتقنية عالية وقد وجدوا فرصتهم في دول الجوار عندما يعزفون مع أسماء كبيرة كالفنان زياد الرحباني والفنانة جوليا بطرس وهم بذلك يحصلون على دخل مناسب.

وعلى الصعيد الرسمي فإن دار الأوبرا تدعو الفرق الشبابية إلى المشاركة في الحراك الموسيقي وهناك خريجون يعزفون في الاوركسترا العربية أو الكورال أو ممن لديهم مشاريع شخصية فردية خماسي أو رباعي يقدمون أعمالهم في المسارح المتاحة لكن الوضع المادي المتردي يجعلهم يتجهون باتجاه الأسهل والأقل جودة فتقديم موسيقا جادة وراقية بحاجة الى فترات تحضير وجهد عال من أجل ايصال العمل الفني للسوية التي تتناسب مع مسرح الأوبرا.

والفنان سيمون مريش خبير في تصليح وتصنيع الآلات في ورشة ملحقة بمنزله وكثيرا ما يستشيرونه في ضبط دوزان الآلات الايقاعية وقد يبتكر أحيانا آلة ايقاعية تتناسب مع المقطوعة التي يؤديها لتقديم أصوات غير اعتيادية كعلاقة ثياب معلق عليها مفاتيح مثلا.

والعمل الذي يعتز به الفنان مريش ويشعر أنه يمثله ويحرص على تقديمه دائما مع فرقته هو /حول العالم في ثمانين ايقاعا/ وفكرة العمل عبارة عن رحلة تبدأ من البرازيل بايقاعات السامبا ثم إلى كوبا وموسيقا السالسا ثم إلى المغرب ومصر في أفريقيا ثم العراق وفلسطين في آسيا لتنتهي هذه الرحلة في سورية وتؤديها فرقته باركومانيا بمجموعة من الارتجالات ولهذه المقطوعة في نفسه مكانة خاصة لكونه جمع فيها كل ما تعلمه خلال دراسته واطلاعه على موسيقا الشعوب.

وعن دور الاعلام في إبراز الفرق الموسيقية الشابة والاضاءة على نشاطاتها عبر عن أسفه لكون الاعلام يسوق أحيانا للمادة الفنية سهلة التسويق مشيرا إلى خطورة الذهاب باتجاه الأعمال الهابطة بداعي التسويق ومشكلة العازفين الذين يقدمون أعمالا متميزة أنهم لا يملكون خبرة في تسويق العمل الفني والاعلان الكافي عنه وهذا ما يستدعي تعاون الطرفين الفني والاعلامي.

وعما إذا كان هناك موسيقا سورية أشار إلى وجود بصمة سورية خارج حدود البلاد ولكنها فردية ومتبلورة بجهود فردية أكثر منها بأنماط معروفة.

وطالب الدولة بتبني المشاريع الموسيقية الجادة ليس من الناحية المادية فقط بل بالترويج الاعلامي أيضا وبتكريس هذه النشاطات على القنوات الفضائية والترويج لمن يقدمون مادة موسيقية دسمة وحالة فنية راقية وفن ملتزم حتى لو كانت طقطوقة على ألا تخدش الأخلاق أما أن يتم التركيز على أغنيات ليس فيها جهد أو مسروقة من ألحان فهذا غير مقبول.. وهو ضد تسمية أو تصنيف الفن بأنه هابط فالفن إما أن يكون فنا أو لايكون وهذا لايمنع وجود محاولات متواضعة ماتزال في بداياتها على قناتي سورية دراما وتلاقي بتقديم اضاءات على موسيقيين وفرق موسيقية ولكن هذا لايكفي.

وينصح مريش الموسيقيين الشباب بأن يمزجوا حبهم للموسيقا بالتفاني في مزاولتها سواء في التأليف أو العزف مشددا على أهمية التحصيل العلمي في الموسيقا إضافة إلى درجة محبة الفنان لما يقدمه وتطوير موهبته من أجل تحصيل سوية فكرية وفنية أعلى دائما وأن يقدم عمله للناس بغض النظر عن النقد الذي يمكن أن يتلقاه وألا يحبطه ذلك والا يتقولب فاذا كان يمتلك الموهبة والشغف والقناعة فانه سيصل إلى مبتغاه بالتأكيد.


سلوى صالح

سانا