افتتاح صالة نصار آرت للفنون الجميلة في القشلة بدمشق القديمة

عودة الحياة إلى صالات الفنون الجميلة

في خطوة فتحت الباب واسعا أمام الفنانين التشكيليين الشباب وأعادت التفاؤل لمحبي الفن التشكيلي ورواد صالات هذا الفن افتتح الفنان أنس نصار صالته الجديدة نصار آرت بمعرض مشترك ضم أعمالا متنوعة بين الرسم والنحت لأكثر من أربعين فنانا معظمهم خريجو فترة الأزمة ومنهم لا يزال طالبا في كلية الفنون الجميلة إضافة إلى مشاركة أسماء معروفة في هذا المجال كنوع من التشجيع.

ولأن دمشق القديمة تستهوي الفنانين بمختلف مشاربهم وتشكل مصدر وحي والهام لأعمالهم فقد اختار نصار موقع هذه الصالة في بيت دمشقي عتيق بحي القشلة الذي تعبق حاراته بروائح التراث والحضارة الموغلة في الجمال وجعل من بهوه المكشوف وغرفه المتنوعة صالات متداخلة لعرض أحدث نتاجات الفنانين الشباب الذين وجدوا فيها ملاذا بعد اغلاق معظم الصالات الخاصة بسبب ظروف الأزمة التي تمر بها سورية.

ويقول نصار لـ سانا الثقافية إن افتتاح مثل هذه الصالة في الظروف التي نعيشها يعتبر تحديا يوجه من خلاله رسالة لأصحاب الصالات الخاصة الذين أغلقوا صالاتهم وهجروا وطنهم وتخلوا عن الأجيال الجديدة من الفنانين الذين تزخر بهم سورية مشيرا إلى أن هناك من اتهمه بالجنون في محاولة لإحباطه وافشال مشروعه إلا أنه بقي رغم الصعوبات واثقا ومؤمنا بأن في سورية شعبا حيا يرفض أن يموت وشعبا يستحق أن يستمتع بكل ماهو ثقافي وجميل.

وقال النحات غازي عانا إن صالة نصار آرت هي أحد البيوت التي تحمل خصوصية مدينة عريقة اسمها دمشق وتحوي عددا من الغرف والليوان والنباتات والأحجار القديمة مخصصة لعرض نتاجات المواهب الشابة وهذا المعرض الذي يستمر حتى الثلاثين من الشهر الحالي يعتبر تحية للفنانين الشباب ونحن مجموعة الفنانين الكبار شاركنا بهدف دعم هؤلاء الفنانين الشباب والوقوف معهم في أولى تجاربهم ولكي يكون مستوى المعرض معقولا.

وشارك عانا بعملين نحتيين منفذين بالحجر الطبيعي ما جعلهما يتناغمان مع المكان فهما يشتركان بالتكوين المعماري مشيرا إلى أنه اشتغل على عمارة النحت ونحت العمارة.. في عملية حس معماري وتكوين تجريدي من حيث علاقة الكتل مع بعضها وعلاقة الفراغ بالكتلة وهذا ما يتجلى في مكان المعرض حيث العلاقة الجميلة بين الكتلة والفراغ في كل زاوية منه لذلك على الفنانين الجدد الاستفادة من هذه الأمكنة الزاخرة بالعمارة الفنية والتي تقوي صلتهم بتراث مدينتهم مع الاشتغال في الوقت نفسه على المعاصرة والحداثة بشرط أن يحافظوا على هذه الأصالة.

وعن رأيه بالأعمال المعروضة للفنانين الشباب قال الفنان المخضرم .. «ان هناك أعمالا جيدة تؤكد أنهم يملكون الموهبة وأن لديهم أفكارا مهمة في أول فرصة عرض وأول مشاركة لهم بعد التخرج وأنا متفائل دائما بالفنانين الشباب لأنهم استمرار للحركة التشكيلية السورية حيث أثبت الفنانون السوريون حضورهم ليس فقط في سورية بل على مستوى المنطقة والعالم»، داعياً الفنانين الذين اضطرتهم ظروف الأزمة لمغادرة الوطن إلى العودة لأن سورية تستحقهم وتستحق أن يعيش فيها كل أبنائها.

وشارك الفنان النحات مصطفى علي بعمل واحد هو عبارة عن منحوتة مبنية بقطع صغيرة من البرونز وهو المادة التي يستخدمها حسب قوله منذ أكثر من ثلاثين عاما مشيرا إلى أن العمل الذي شارك فيه هو كائن خرافي مركب من جسد بشر له أجنحة طائر ووجه كائن خرافي مخلوق من عدة حيوانات ليأخذ في النهاية شكلا «مثيولوجيا اسطوريا» وهذا الوحش يقول عن نفسه عندما يمشي «أنا لست ملاكا» جملة مختصرة تجعل من يشاهده يبني احتمالات وتوقعات عن فكرة العمل .

وعبر عن سعادته بعودة الحياة للمدينة القديمة من خلال الفن في مواجهة الإرهاب فالفن هو «الواجهة التي تساعد على انفتاح الذهن وعلى تطور الانسان باتجاه الأمام وليس إلى الوراء».

والفنانة الشابة نهى العلي شاركت بعمل واحد هو عبارة عن مزج بين الرسم والخزف ركزت من خلاله على موضوع الانسان وموضوع الأشلاء وتركيبة الحياة وكيف تكونت وعلاقة الموسيقا بالانسان وعلاقة الفراغ بالعمل مستخدمة مادة الطين وهي مادة نبيلة تمنح الفنان احساسا قويا يرجعه إلى الماضي وذكرياته وشعوره.

وشارك الفنان محمود داود خريج 2011 بعشرة أعمال صغيرة قياس 20 ضرب 20 يتمحور موضوعها حول العلاقة بين الحيوان والإنسان محاولا ابراز العلاقة بين الكائن الحيواني والكائن الانساني مستخدما الأكريليك على الورق.

ورأى أن المحاولة يجب أن تكون موجودة لكي نعود ونبني الفن من جديد ونقف ضد محاولات تدميره متمنيا أن يعود الحراك الثقافي إلى سابق عهده وخاصة معارض الفن التشكيلي رغم الصعوبات ورغم ا لجراح فمثل هذه الفعاليات قادرة على اخراج الناس من الأزمة وتغليب ارادة الحياة لديهم وبرأيه فان هذه الخطوة الصغيرة تجر خطوات أكبر.

وقالت الفنانة الشابة راية الريس إن كل المواضيع التي ترسمها تدور حول المرأة بكل حالاتها وجوانبها وشخصيتها وبكل ما تشعر به في الحياة وبكل الصفات التي تتمتع بها وبكل دور تقوم به كالامومة والحب والعاطفة والخوف وانها تعبر عن ذلك من خلال الألوان والخط والأفكار متأثرة بأي مشهد يصادفها في الحياة اليومية ويحرض خيالها حتى لو كان صغيرا أو عابرا فتقوم بتحويل هذا التحريض الى فكرة فنية للوحتها مستخدمة الألوان الزيتية أو الاكريليك او الفحم فهي لا تقيد نفسها بشيء معين المهم هو ما يفيد الموضوع الذي تعمل عليه.

وأشارت إلى أن مقاس لوحتها في هذا المعرض هو متر ونصف بمتر فهي لا تحب القياسات الصغيرة لكونها تشعر بالحرية أكثر في المساحة الكبيرة كما أنها لا تتقيد بالمدارس الفنية لكي تكون لها حرية الخيار في كل شيء.

أما الشاب عمار خزام فاستنبط عمله من عمق الألم ليكون هذا العمل بمثابة صرخة ناتجة عن ضغط المجتمع بكل ما فيه وقال إن عمله عبارة عن منحوتة خشبية من الزان فيها شيء من التكعيب بحجم صغير وليس مهما برأيه حجم العمل بل المهم ان يوصل الفكرة بينما شارك آرام السعد طالب فنون /قسم التصوير/ بسبع لوحات من القياس الصغير هي عبارة عن بورتريهات تحمل تعابير الوجوه مستخدما فيها الاكريليك والأحبار.

وقال آرام نرفض أن نستكين لثقافة الموت مازال لدينا منفذ للأمل يجعل الحياة قابلة للاستمرار وما نقدمه من أعمال فنية هو رد على ثقافة الدمار والخراب والقتل فنحن نبحث عن كل ما يجعلنا نستمر بالحياة ولن نقف.

وتشتغل النحاتة شادية دعبول على الموسيقا والوتريات بشكل خاص من خلال عمل من البرونز يوضح فكرة تقول كم هي الموسيقا مهمة في حياتنا وأي دور تلعبه في حياة الناس اذ تنقلهم إلى عوالم سحرية وتساهم في معالجة حالاتهم النفسية.

وترى دعبول أن مثل هذه المعارض أصبحت ضرورة لاخراج الناس من أزمتهم فعلى الناس أن يكونوا أكبر من الازمة وأن يخرجوا من انطوائهم ويجب أن يكونوا أقوياء ولا يستسلموا لكي تستمر الحياة ولا تتوقف داعية من غادروا وطنهم إلى الرجوع لأن وطننا جميل بالرغم من الجراح ولأن بلدنا يقوى بنا.

واعتبر الفنان الممثل فائق عرقسوسي كمتذوق مثل هذه الفعاليات خطوة مهمة ورائدة تجعلنا نحس بنبض الجيل الشاب في بلدنا وبمشاعره وابداعاته ومدى توقه للحياة بالرغم من الآلام والأسى ليثبت أنه قادر على تجاوز الأزمة والتعالي فوق الجراح ..فالحياة التشكيلية تنتعش من جديد لتعود الحياة الفنية بمستوى عال وخصوصا في اللوحات الشبابية والأعمال النحتية التي تغوص في عمق تاريخنا وحضارتنا دون اغفال طابع الحداثة مشيرا إلى أن هذا الملتقى بتنوعه واختلاف المشاركين وأعمالهم المختلفة انتج حالة اجتماعية حضارية توءكد أن الشعب السوري أكبر من الزمان وأكبر من المكان.

وللفنان الشاب سامي الكور رؤية مختلفة فهو يرى أن مستوى الأعمال المعروضة كان جيدا الا أن طريقة عرض هذه الأعمال في مكان له خصوصية تاريخية وجمالية مميزة جعلت ديكور الجدران يشوش على العمل وعلى رؤية الجمهور له فالمفروض أن يكون الجدار بسيطا لكي يتركز اهتمام الزائر على اللوحة أو العمل النحتي فقط ولا يضيع بين الاثنين.

وقال إنه يشارك في معارض الفن التشكيلي التي تقام في بيروت ولاحظ أن الجمهورهناك يتذوق الفن التشكيلي السوري ويهتم به ويشجعه وان الاقبال ملفت على صالات العرض وهناك تقدير للأعمال المعروضة لفنانين سوريين أكاديميين متميزين.

ورافق افتتاح المعرض عزف مقطوعات موسيقية أدتها فرقة حرة على الآلات الشرقية كالرق والعود مع أداء بعض الأغنيات للشاب مالك كريغو اضافة الى عزف على الغيتار لفنانين موهوبين ما أشاع أجواء من البهجة تتماهى مع المكان ومع الطقس الثقافي فيه.

سلوى صالح

سانا