موسوعة الآثار السورية.. مشروع رائد لا مثيل له في الوطن العربي

.

يعكف فريق من الباحثين السوريين منذ أربع سنوات حتى الآن على انجاز أول موسوعة من نوعها في الوطن العربي تصدرها هيئة الموسوعة العربية بدمشق لتوثيق التراث الأثري في سورية بلغة علمية مكثفة ومختصرة وواضحة بحيث يفهمها أي قارئ بهدف اطلاع المهتمين والباحثين الآثاريين على آثار سورية القديمة وإتاحة المعلومات اللازمة لأي موقع أثري حسب التسلسل الألف بائي مع الصور والخرائط التوضيحية.

سانا الثقافية التقت عددا من الباحثين القائمين على هذه الموسوعة التي يتوقع أن يصدر الجزء الأول منها خلال أيام موضحين أنها تحوي كل ما يتعلق بحضارة سورية القديمة بما فيها فلسطين والأردن ولبنان من مواقع ومدن أثرية وشخصيات تاريخية كالملوك والقادة العسكريين والأساطير القديمة وكل ما يتعلق بالتراث مع أسماء المراجع لمن يحب الاستزادة.

ويقول الدكتور عمار عبد الرحمن رئيس موسوعة الآثار السورية إنه بعد اكتمال الموسوعة بأجزائها العشرة بعد ثلاث سنوات أخرى ستتم ترجمتها إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية لتزويد المتاحف ومعاهد الآثار وخبراء الآثار في العالم بها لأهميتها في البحث العلمي المنهجي لدى المختصين علما أن كل جزء يتألف من تسعمئة صفحة من قياس 22 ضرب 29 سم.

ويتوزع العمل في الموسوعة على أربعة أقسام ولكل قسم باحث مسؤول فهناك قسم ما قبل التاريخ الذي يرأسه عبد الرحمن وقسم العصور التاريخية الذي يرأسه الدكتور محمود حمود وقسم العصور الكلاسيكية ويرأسه الدكتور مأمون عبد الكريم أما قسم العصور الاسلامية فيرأسه الدكتور غزوان ياغي.

وأضاف إن التمويل المعتمد للموسوعة بحاجة إلى إعادة نظر وكذلك تعويضات الباحثين التي لا تتناسب مع المجهود الكبير الذي يقومون به حتى صار عملهم شبه تطوعي حتى أن الترفيعات والزيادات الأخيرة في الرواتب لم تطلهم مؤكدا أن العمل المميز بحاجة إلى تعويضات مجزية وهذا ما ترك تأثيره على ثبات الأسماء الكبيرة التي انسحب عدد منها بسبب ضعف المردود المادي وخصوصا الباحثون الذين يتعاملون مع الموسوعة من دول عديدة في العالم عربية وأجنبية إضافة إلى مشاكل تحويل الأموال بسبب العقوبات الغربية الجائرة المفروضة على سورية.. كل هذا أدى إلى اقتصار العمل في موسوعة الآثار على الفريق الصغير الذي يعمل حاليا.

ومن جانبه يقول الدكتور غزوان ياغي مدير البحث العلمي في مديرية الآثار انه يعنى بمجمل المنتج الآثاري للحضارة الإسلامية في سورية والممتد من عام 636 ميلادي أي فترة فتح دمشق حتى عام 1919 عندما خرج العثمانيون من سورية مشيرا إلى أن هذه الفترة غنية بالمنتج المعماري والفني الذي يتميز بالضخامة والجودة من حيث تخطيط المباني ووظائفها أو من حيث الفنون المعمارية الموجودة فيها.

وأشار ياغي إلى حرص فريق العمل على أن يضم مساق الموسوعة مداخل بأسماء أغلب المباني الأثرية في سورية وكذلك مداخل بالفنون الصغرى التي تميزت بها سورية كالخزف والخشب وأسماء الحرف والصناعات التي اشتهرت وانتشرت من سورية لكل العالم مع مراعاة أن يكون الكاتب متخصصا في هذا المجال بدافع الحرص على رفع سوية الأبحاث لتكون مرجعا لكل المهتمين والدارسين للآثار السورية كون هذه المداخل بنسبة ثمانين بالمئة هي أبحاث ابتداء أي تتم الكتابة عنها لأول مرة ولا يوجد في المراجع أي معلومة عنها بأي لغة وهنا تشكل الموسوعة المصدر الوحيد عن هذه المباني الأثرية والفنون والحرف المرتبطة بها.

ولأول مرة تنشر في هذه الموسوعة مخططات وصور لأكثر المباني الأثرية والمواقع المذكورة علما أن إنجاز المخططات مكلف ومتعب ومن هنا يشكل عملنا زوادة مهمة للآثاريين حسب الدكتور ياغي.

أما الدكتور محمد الزين الخبير العلمي في قسم الآثار الكلاسيكية فأكد أن سورية تعج بالآثار التي تعود إلى العصور الكلاسيكية التي امتدت لألف سنة من تاريخ سورية أي منذ قدوم الإسكندر المقدوني وحتى الفتح العربي الإسلامي وهي كثيرة ومتنوعة كالمدن الأثرية في أفاميا وتدمر وشهبا ومواقع أخرى كثيرة تعود إلى تلك العصور ومنها أنطاكية عاصمة سورية آنذاك عندما كانت سورية تشمل بلاد الشام كلها لذلك فإن آثار بعلبك والبتراء وجرش تعود إلى آثار سورية بامتياز.. وهناك الأقنية الرومانية والطرقات والمعابد وكلها تدخل في إطار الموسوعة إضافة إلى النقود والأدوات الفخارية التي تزهو بها أجنحة الآثار الكلاسيكية في المتاحف السورية.

وتحدث الزين عن الصعوبات التي تواجه فريق العمل فقال إنها صعوبات آنية ناجمة عن ظروف الأزمة كتعذر الوصول إلى المواقع الأثرية وصعوبة التواصل مع الباحثين في المناطق المختلفة من سورية مشيرا إلى أن التعاون قائم ووثيق مع المختصين في مديرية الآثار ليس بشكل وظيفي وإنما بشكل شخصي وكذلك التعاون مع أقسام الآثار الموجودة في الجامعات السورية.

ويتوقع الخبير العلمي أن تلقى الموسوعة اهتماما كبيرا من قبل الأوساط العلمية والأثرية والجامعية والسياحية وبالتالي ستكون مرجعا لكل مختص ولكل من يعمل في هذا المجال وهو مشروع رائد يجب تعريف الناس بأهميته لأنه لا مثيل له في الوطن العربي شأنه شأن الموسوعة العربية التي كانت كسبا علميا وثقافيا وحضاريا لكل أبناء هذا الوطن.

وتحدث مدير المكتب الفني غسان عيسى عن عملية الإخراج إذ يقوم باستلام الأبحاث الجاهزة مع الصور والمخططات والخرائط فيعيد رسم المخططات على برنامج خاص على الكومبيوتر لتصبح أكثر وضوحا مع التخلص من الكتابات الأجنبية عليها وترجمتها إلى كتابات عربية وذلك بالتنسيق مع قسم الآثار توخيا للدقة العلمية.

أما بالنسبة للخرائط فيقول عيسى إنه تم التعاقد مع الرسام بسام حميدي الذي يقوم برسم الخرائط وفقا للمقاييس الجغرافية المعتمدة ويحدد عليها أمكنة المواقع كموقع خان أسعد باشا في دمشق مثلاً.. ثم يأتي موضوع الصور فتتم المراجعة وقراءة البحث من أجل اختيار وتحديد الصور المناسبة للموضوع بمساعدة خبير يحدد القيم الطبيعية للصورة من حيث الدقة وهناك صور يتم استبدالها أو إلغاؤها إذا لم تستوف المعايير المطلوبة وصور أخرى تتم معالجتها فنيا لكون القيم الطباعية تختلف عن قيم الرؤية على شاشة الكومبيوتر حتى تتميز الصورة عند الفرز بالدقة والجودة العالية.

ويشير عيسى إلى أن بعض الصور يتم أخذها من المواقع الالكترونية لقطع أثرية سورية مسروقة ومعروضة في متاحف عالمية كاللوفر في فرنسا والميتروبوليتان في أمريكا فتتم الاستفادة من صورها الموثقة على الانترنت لإغناء البحث بها.

وبعد انتهاء العمليات الفنية وتصميم الأغلفة من قبل مصمم خاص في المكتب الفني ترسل المواد إلى المطبعة وتعاد بعد الطبع الأولي إلى المكتب الفني للتدقيق والمطابقة مع الأصول ثم تطبع بحلتها النهائية وبنوعية ممتازة من حيث الورق الصقيل والطباعة الملونة الدقيقة والغلاف الأنيق ما يجعلها جديرة بتزيين أكبر المكتبات المتخصصة في العالم فضلا عن قيمتها العلمية.

اكتشف سورية

سانا